البرتغال – إسبانيا – المغرب: معارك ناعمة.. وأخرى..
محمد ناجي أحمدو
مواجهة اليوم في كرة القدم بين المغرب والبرتقال (نكتبه هذه المرة بالقاف، برا لمؤرخنا الأكبر خالد الناصري السلاوي، مؤلف الاستقصا)، مواجهة تحيل إلى الكثير من الشجن، وتستدعي أحمالا من أوزار التاريخ والجغرافيا.
وتكتسي الموقعة أهميتها من أنها تأتي بعد انتصار مفرزة الركراكي على نخبة الإصبنيول(التعبير لشيخنا الناصري دوما).
ورغم أهمية إقصاء المنتخب الذي يدين بالولاء للملك محمد بن الحسن بن محمد بن يوسف بن عبد الرحمن بن هشام بن محمد، اخترت سرد النسب إلى محمد بن عبد الله، لأمر ستعرفونه بعد قليل، قلت رغم أهمية إقصاء المغرب لمملكة إسبانيا كرويا، إلا أنه على الأرض، ما يزال جيبا سبتة ومليلية المغربيين محتلين من طرف المملكة الإسبانية، تماما مثلما يحتل الإنجليز جبل طارق في البر الإسباني..
محمد هذا الذي توقفنا عنده انتصر على الفرنسيين(وهم امتداد لذلك الفضاء الإيبيري) في معركة العرائش، وأبرم معهم اتفاقا يتمتع بموجبه المسلمون المقيمون في إيالتهم (العبارة مقصودة) بأداء شعائرهم بكل حرية وبناء مساجدهم، وهو حفيد كريمة مغفر وبنت بيتهم (البيت مصطلح من مصطلحات المؤرخ المغفري صالح بن عبد الوهاب، ويعني أسرة الشرف، والحكم له في الحسوة)، أعني السيدة أخناثة بنت بكار..
تاريخ المواجهات دامٍ بين الطرفين، وليس دوما ناعما مثل مواجهة اليوم، التي تحتضنها أقاصي جزيرة العرب، مما كان الأولون يطلقون عليه البحرين، قبل أن تختص الجزيرة الصغيرة في الخليج بذاك الاسم، ويتمحض لشبه الجزيرة غير المنفصلة عن البر، اسم قطر الذي يحيل إلى أمير الخوارج المازني التميمي ابن الفجاءة، ليس اعتباطا أن سلالة آل ثاني الحاكمة في قطر تنمى إلى الوهبة من بني حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، ومن الصدف أن أقرب القادة العرب لهم نسبا هو الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي ينتمي لنفس الفرع التميمي.
نعود لموضوعنا، احتراما لذكرى كبار مؤرخينا تركنا للقلم حرية الاستطراد.
تاريخ المواجهات دامٍ بين الطرفين كما قلت، آخر مواجهة كبرى دامية بينهما ترجع إلى موقعة وادي المخازن أو معركة الملوك الثلاثة، عام 1578، حيث انهزم سباستيان ملك البرتغال، الذي حاول قيادة حملة صليبية للاستيلاء على شواطئ المغرب، وكانت النتيجة هزيمة مدوية لمملكة البرتغال، حيث اختفت من الوجود لمدة 93 سنة، خضعت خلالها لسلطان مدريد.
قبل ذلك يحدثنا التاريخ أنه في معركة “العقاب” أو Batalla de Las Navas de Tolos قبل ذلك بمئين من السنين، عام 1212، تقابل المغاربة ممثلين في الموحدين مع جيوش ملوك قشتالة ونافارا والبرتغال وأراغون، وكانت الهزيمة للأسف من نصيب سلطان الموحدين محمد الناصر، الذي لم ينصر ولم ينتصر.
هزيمة العقاب قضت على مكتسبات المرابطين التي حققها يوسف بن تاشفين في معركة الزلاقة التي دارت رحاها يوم 23 أكتوبر 1086، والتي انتهت بانتصار ساحق للمرابطين وهزيمة مدوية للقشتاليين بقيادة ألفونسو.
عود على بدء، نشير إلى أن جيب سبتة خضع أول ما خضع للبرتغاليين عام 1415 قبل أن يخلوه للإسبان عام 1580، عامين بعد هزيمة البرتغاليين من طرف المغاربة في معركة وادي المخازن؛ حينما ورث الأسبان مملكة البرتغال.
أما مليلية فقد سقطت في يد الإسبان خمسة أعوام بعد السقوط الدراماتيكي لغرناطة.
اليوم تتبادل الممالك الثلاث (المملكتان الحاليتان: المغرب وإسبانيا) والمملكة السابقة: البرتغال الود والتقدير، وعلاقات دبلوماسية دافئة أملاها الجوار والمصالح المشتركة، وإن طافت على مخيلات البعض ذكريات ذلك التاريخ.
موقعة اليوم الرياضية ربما تحفز البرتغاليين للثأر من موقعة وادي الحجارة في كأس العالم بالمكسيك، هناك في العالم الجديد الذي احتله الإيبيريون، مباشرة بعد اجتثاثهم للوجود الإسلامي في شبه الجزيرة.
الصدفة أن موقعة وادي الحجارة التي فاز فيها زملاء الزاكي بثلاثة أهداف مقابل واحد على البرتقال أتت في الذكرى المائوية التاسعة لموقعة الزلاقة.
والمؤكد أن المغاربة سوف يستلهمون من ذلك النصر الكروي التاريخي لمحاولة العبور على جثة ضحيتهم السابق إلى المربع الذهبي.
يسعى – إذن – رفاق سفيان المرابط بعد أن هزموا الإسبان في موقعة ثمن النهائي إلى هزيمة الشطر الثاني من شبه جزيرة إيبيريا، ولكن بالقدم وليس بالسيف، فهل يتحقق ذلك؟