بعيدا عن طوق المكيافيلية / الولي سيدي هيبه

وعندما يخذل الشعر طموح الشعب

جس الطبيب خافقي وقال لي:

ـ هل هنا الألم؟

فقلت له : نعم!

فشق بالمشط جيب معطفي وأخرج القلم

أحمد مطر

في بلاد التائهين وسطٍ شعاب المفازات المكيافيلية الكبرى المعتمة وتوظيف المكر والازدواجية لاستمرار نهج اللا دولة، وٍفي موطن النائمين على أشواك التخلف عن ركب الأمم، يستمر الانحدار بالأدب إلي مستنقع الرداءة والانحطاط من بعدما منع صحبة النقد، ومن بعدما ظل كذلك يُجلد بسياط المجاملة والادعائية المرضية التي يغذيها وهم ألمعية وسراب تميز مبتدعين؛ وهم وسراب:

ـ أولهما استعلائية مفرطة بسرقة نبوغ “نوابغ” من الجدود سجلوا أسماءهم بماء الخلود ثم قضوا نحبهم في تواضع العظماء،

ـ وآخرهما ارتجال لمكانة، عصية على سنة التغيير، تحاول جلب أشعة الشمس قهرا لحالك ظلام الجمود، وتسريب خيوط إشراقات الصبح الأبلج إلى غيابات جب التخلف. إنه انفصام الشخصية الأدبية بين :

ـ معاناة الإرث المضيع،

ـ ونزعة التعلق العبثي بتيه الواقع الأدبي المضطرب والثقافي القلق.

ليس الأدب عامة والشعرخاصة سلعة للتباهي والجمع بين الشهرة الهلامية والمال المشوب بالجشع وغياب العفة وموات الضمير، بل هو ركن مكين يضيئ بالتزامه النفوسَ وقت الشدائد والازمات وقت المحن ليشحذ الهمم إلى بناء الصروح السوية التي تجمع بين الجمال والأمان والقوة والاستمرار كما أدرك ذلك نزار قباني حيث قال :

الشعر ليس حمامات نطيرهـا     نحـو السمـاء، ولا نـايا وريـح صـبا

لـكنه غـضب طالت أظـافـره     ما أجبن الشعر إن لم يركب الغضبا

فهل يفصح واقع المنكب البرزخي عن وجود هذه الأرضية؟

أين مؤهلات الجمال اللغوية والسلوكية والمعنوية والابداعية؟

أين الملاحم الشعرية الملتزمة التي يحملها المسرح وتوزعها السينما ويعرف عليها النشر وتزدان به رفوف المكتبات؟

وأين الشعراء، أصحاب الهامات العالية التي تحملها القوافي على أكتافها وتصحبها البحور الخليلية بجميع أوزانها و إيقاعاتها، ويهابها النقد المحايد بكل عنفوانه؟

إن الشعر ليس لعبة موسمية من أجل تحقيق مآرب غرضية عرضية ومكاسب نفعية تتخنث لأجلها قوافيه وتسلب روحه. عند الشعوب الأروروبية والمشرقية كلها وفي الأَمريكيتين يعتبر الشعر بحق “ملكا” يحظى، أثناء خرجاته “النادرة”، موكبه المهيب بتقدير النفوس الشاعرة بعيدا عن المفاهيم والمحاصصات القبلية المتجاوزة وعن المجاملات الشرائحية التي يعرفها وحده أهل المنكب المنكوب حتى لكأن الشاعر كان يعنينا حين قال:

 هذا الزمان لئام النس تعلوه

غر ودجال ومعتوه

فيه المنافق محبوب ومعتبر

وقائل الحق بين الناس مكروه

وعلى غرار ما أكسبته الحركة النقدثة العالمية الحديثة بات الشعر ـ ديوان العرب قديما ـ يستعيد في المشرق والمغرب العربيين ألقه الغائب ويحظى بالتقدير والإجلال في مواسمه المنتظمة فوق منابره ذات التاريخ العريق ومنصاته العابقة بالشاعرية والإلهام والسمو بالحرف فعاد يحلق بالنفوس في فضاءات الفضيلة ومقاصد المعالي وحرمة التجرد من المادية الرخيصة، وكذلك  حياد الالتزام واحترام الذائقة؛ فضاءات يتم إلقاء الشعر فيها وقد حمل حصيلة الهموم ومدارك حلولها وغايات التغيير وشحذ الهمم ورفع النفسيات إلى مراقي العلا وبناء المواطن وتحصينه بذائقة شعرية تقدر الإبداع وتحفز على الإلهام فتجمع بين النافع والرافع.

زر الذهاب إلى الأعلى