خبير قانوني يُعدد الشواهد علي إلزامية استقالة الحكومة
عدد الأستاذ الجامعي والخبير القانوني يعقوب ولد السيف ما سماها الشواهد التي تتأسس عليها إلزامية استقالة الحكومة بعد حل البرلمان وانتخاب جمعية وطنية جديدة.
وقال ولد السيف في مقال نشره إنه من الطبيعي أن يؤثر حل الجمعية الوطنية على وضعية الحكومة، لولا أن الأمر مر وكأن شيئا لم يكن، بل واستمر الحال كما هو حتى بعد انتخاب جمعية وطنية جديدة. وأضاف السيف:
استمرارية الحكومة أو القول بعرفية استقالتها يقف في التأسيس عند غياب النص الصريح على خلاف ذلك. أما القول بتأسيس إلزامية هذه الاستقالة فيشهد له أنه يمثل:
1- إعمالا لإقرار وتكريس ارتباط استمرار الحكومة ببقاء جهة تعيينها: ويظهر ذلك من خلال: –
ا- وجوب استقالة الوزير الأول وأعضاء الحكومة في حالة شغور أو مانع اعتبره المجلس الدستوري نهائيا، وترتب على أثره تولي رئيس الجمعية الوطنية أو رئيس المجلس الدستوري نيابة رئيس الجمهورية في تسيير الشؤون الجارية (المادة 40 /جديدة).
ب- بالضرورة المنطقية، في ظل إلزامية مرور الحكومة ب “التنصيب البرلماني ” تستوجب حالة “الحل ” باعتبارها تنتج “فعليا” شغورا أو مانعا نهائيا لاستمرار عمل الجمعية الوطنية، ما يستوجب استقالة الوزير الأول وأعضاء الحكومة لغياب من منحهم جزء من الثقة.
أما مبرر قصر دورهم على تسيير الشؤون الجارية، فلكون حكومة تغيبت الجهة المسئولة أمامها لا يمكن لدورها أن يتجاوز مجرد تصريف الأعمال.
2- مراعاة للتمييز بين التعريض الطوعي والإلزامي لمسئولية الحكومة:
ا- التعريض الطوعي: وهو ذلك الذي يأتي من الوزير الأول بمبادرة ذاتية بعد مداولة مجلس الوزراء عند الاقتضاء باستخدام مسئولية الحكومة أمام الجمعية الوطنية حول برنامج أو بيان سياسي عام (صيغة المادة 74 /دستور 20 يوليو) وهو الذي يسمح بالقول بعرفية استقالة الحكومة أو ما يطلق عليه:” استقالة المجاملة -démission de courtoisie”.
عدم وجوبية الاستقالة المعبر عنه هنا بعرفيتها، مرده كون طرح مسئولية الحكومة ليس على الوجوب هو الآخر، فقبل التعديل الذي حمله القانون الدستوري: 2012-015، بتاريخ :20 مارس 2012، لم يكن هنالك ما يلزم الحكومة باستخدام مسئوليتها أمام البرلمان؛ حيث كان نص المادة 42:”يحدد الوزير الأول سياسة الحكومة تحت إشراف رئيس الجمهورية.
يوزع المهام بين الوزراء.
يدير وينسق نشاط الحكومة.”
ب- التعريض الإلزامي “التنصيب البرلماني”: بموجب التعديل الذي حمله القانون الدستوري 2012-015، تم إلغاء أحكام المادة 42 وأحلت محلها أحكام (المادة 42/جديدة):”… يقدم الوزير الأول برنامجه أمام الجمعية الوطنية في أجل أقصاه شهر واحد بعد تعيين الحكومة ويلتزم بمسئولية الحكومة عن هذا البرنامج وفقا لشروط المبينة في المادتين 74 و75…” وهكذا أصبحت ثقة البرلمان شرطا لتثبيت تعيين حكومة جديدة، ومنعه لها يصيرها وكأنها لم توجد أصلا.
قبل هذا التعديل، وحدها حكومة انقلاب 06-08-2008 التى سبقت الحكومة التوافقية المنبثقة عن اتفاق دكار في الرابع من يونيو2009 من استخدم وزيرها الأول المسؤولية السياسية لحكومته أمام البرلمان الذي منحها الثقة.
صحيح أن مقتضيات الدستور لما تواءم بعد مع التجديد الذي حمله تعديل المادة 42؛ بما يبرز المكانة الجديدة للبرلمان والحكومة، بل إن إنفاذ هذا التعديل الذي ورد في المادة 7 من القانون الدستوري رقم 2012-015 قد تأخر إلى 22 نوفمبر 2018 لكون المادة 14 من ذلك القانون وقتت لدخول بعض مقتضياته، بما فيها المادة 42 (جديدة)، حيز التنفيذ بإعلان النتائج النهائية للانتخابات التشريعية المقبلة للتجديد الجزئي أو الكلي للغرفتين البرلمانيتين، وهي الانتخابات التي تأخر إجراؤها إلى التاريخ المتقدم ذكره.
في جميع الأحوال، لا تسمح مقتضيات التعديل ولا روحه بالاحتجاج بمجرد أن: استقالة الحكومة عند حل الجمعية لم ترد ضمن الحالات التى يعتبر الدستور الحكومة فيها في حكم المستقيلة، إلا إذا كان دافع الاحتجاج هو الدفع نحو التعجيل بدسترة هذه المقتضيات سبيلا لتحقيق غاية التعديل في الرفع من مكانة مؤسسة البرلمان والأحزاب السياسية والحكومة.
على ذلك يغدو توصيف استقالة الحكومة إثر حل الجمعية الوطنية بالعرفية في ظل تكريس الدستور للتنصيب البرلماني توصيفا تحكميا، أما القول به وقد انتخب برلمان جديد، ففيه خلط بين التواتر على التزام “الاستقالة ” تطبيقا للقانون، والتواتر طواعية على سلوك “الاستقالة ” حتى استقر ممارسة متعينة؛ وإن التدليل برفض استقالة الحكومة في فرنسا هو دليل صحة ذلك التمييز، حيث لا نص يلزم الحكومة هناك ،وعندنا قبل التعديل ، عند تعيينها بالمرور بالتنصيب البرلماني وهي مدينة في وجودها لرئيس الجمهورية وحده، ومرتهنة كذلك في بقائها لإرادته دون غيره (يعينها –يقيلها).