هل تحبل المعارضة بعد الإجهاض/ الولي سيدي هيبه
كتب أحدهم “..ترويض مجتمع البخور مهمة شاقة يحتاج صاحبها إلى نفس طويل وصمود لا يتزعزع،
وإن الوعي تراكمي ونشره عملية طويلة بلا سقف زمني محدد، وطريق متعرج مكتظ بالحوادث”.
تجري، في هذا المنعطف الدقيق، رياح سفن المكر السياسي في بلاد “التناقضات الكبرى” بما لا تشتهي سفن الإصلاح المرجو، في أجواء من الخذلان العاصف على مرأى من جزر قاحلة جرداء موحشة ومعطشة. إنهم قراصنة الميثاق “السيباتي” بعمائمهم المدفوعة الأثمان المسروقة من حق الشعب في ثرواته، وبدراريعهم المنتفخة بالزهو الجاهلي لا تكاد تستر عري الجاهلين بنبل جهد صناع قماشها ورفيع خيطها وبما تدره لبلدانها من أسباب التطور والازدهار في أجواء تسودها المدنية ويحكمها العدالٍ.
وإن المتتبع لحراك ما كان يدعى بأحزاب المعارضة السياسية “المنيعة” وقياداتها المذبذبة، لا بد أن يدرك حقيقة ما كان يقال من أنه لم يكن لأغلبها من الهم سوى:
ـ ملء جيوبها ولو على حساب الفقراء والمساكين والمغبونين والمهمشين،
ـ وتحقيق الفائدة للمقربين في دوائرهم الضيقة بحسابات التعيين والترقية والصفقات والقطع الأرضية،
فيما قيادات أخرى من ذات الطيف “المعارض” تنهج سياسة:
ـ المكر،
ـ والخداع،
ـ والتصيد في المياه العكرة،
وهي من أبرز الصفات التي يتلون بها أغلب قادتها السياسيين، بل ويتخذون منها، عند كل استحقاق، الأسلوب الأول في التعامل مع أفراد قبائلهم وشرائحهم المنتسبين إلى أحزابهم بدافع “الحمية” ولمآرب نفعية، فجل وعودهم مزيفة، وأغلب عهودهم كالسراب الذي يحسبه الظمآن ماء.
وإنه مهما قيل وينشرعن الانتخابات البلدية والنيابية والجهوية، التي أسدل الستار على مجرياتها وعلمت نتائجها بعد الفرز، من خروقات وشوائب، فإن الذي أصاب أحزاب المعارضة خلالها من إخفاق صارخ وكساد سياسي فاق كل التزقعات وقد حصل بفعل:
ـ سوء أدائها،
ـ وارتداد سهامها الخائرة ونبالها الطائشة عليها
ولقد كان لهم الشعب المحبط بالمرصاد ليسقيهم جرعة من الكأس التي سقاهم منها منظروها وقادتها بكاذب الوعود وخيب آمالهم بنقض العهود.
إن الديمقراطية الحقة تنمو وتزدهر بوجود معارضة حقيقية تقوم على اقتفاء أثر السلطة، وإظهار عيوبها ومراقبة أداءها، فهي صمام الأمان والضامن للأمن والاستقرار الاقتصادي وحرية الشعوب. وإن هم المعارضة الفاعلة الأول هو تطوير المجتمع ورفع وعيه السياسي وتنمية حياته .
ولأن “المعارضة” بهذه المواصفات ضرورية لحماية الديمقراطية وصون الوطن من الأحادية ونفوذ “السيباتين” الجدد المتدثرين بالعناوين الكبيرة والشهادات المُعطلة وبقبليتهم الأكثر ظلامية من ذي قبل، فإنه لا غنى عن تشكلها جديدة، مطلقة مع الأساليب الرجعية في الصميم والانتهازية في الممارسة وكذلك من عادة تصيد الفرص لتحقيق مكاسب ضيقة وتشجيع الإبقاء على القوالب الهدامة المخالفة لمنطق الدولة السوية.
فهل يكون المنعطف بما أسفر عنه مرحلة مواتية لميلاد معارضة جديدة يتحلى أهلها بالمبدئية الصارمة والشجاعة الواعية والصبر في معترك النضال لتحقيق العدالة، وقيام مسار تنموي متوازن، وحماية ثروات البلد من عبث المفسدين وتسييرها بالشفافية التي تحقق الفائدة على كل المستويات وفي جميع المسارات وصولا إلى بناء دولة العدالة والمساواة؟