الرحمة والسلام بديلا للظلم / من اطروحات الاستاذ علي محمد الشرفاء الحمادي

الرحمة والسلام بديلا للظلم..

الرحمة والسلام من أبرز مفاهيم وخصائص رسالة الإسلام، رسالة السلام والمحبة والعدل والرحمة والحرية.
تتجلّى رحمة الله بعباده بدين الإسلام، فالإسلام دين يُسرٍ ورحمةٍ، إذ كلّف الله عباده ما يستطيعون القيام به، وإن تعسّر الأمر عليهم، خفّف عنهم من أصل التشريع، كالقصر في الصّلاة، والإفطار في نهار رمضان للمسافر، ثمّ إنّ الله رفع عن أمته الإصر الذي كان على الأمم السابقة، فقد أوقعوا أنفسهم بالمهلكة؛ بكثرة المسائلة لأنبيائهم.
وأوصى الإسلام المسلمين بالتراحم فيما بينهم، فقال -تعالى-: (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ)،[٢] وجعل الله رسوله محمد رسولاً الرحمة، ولا تقتصر هذه الرحمة على المسلمين وحسب، بل امتدّت لتشمل غير المسلمين، فقال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (الراحمون يرحُمهم الرحمنُ، ارحموا أهلَ الأرضِ يَرْحَمْكم من في السماءِ).
ومن مظاهر الرحمة في الإسلام أن فرض الله على عباده من الفروض ما يستطيعون القيام به دون مشقةٍ؛ فالصّلاةُ خمس مراتٍ في اليوم واللّيلة، والزّكاة بنسبةٍ قليلةٍ من أصل المال، والصّيام شهرٌ واحدٌ في السنة، والحجّ مرةٌ واحدةٌ في العمر، والغالب في هذه الفروض أنّ شرع الله فيها الاجتماع بالمسلمين معاً؛ ليخفّف على كلِّ واحدٍ منهم القيام بها، وليتعاظم الأجر.
أما السلام فهو اسم الله وتحية المسلمين، وداره هي الجنة،
وقد ربط الإسلام حياة المسلمين بكل معاني وحقائق وأوصاف السلم، ونادى على كل من ينتسب إلى الإسلام بالدخول في السلم في قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً).
وحقيقة السلم تقع على ثلاثه معان من حيث الاشتقاق: فهو أولا من السلامة وهي النجاة من أي مضرة، وكذا على المسالمة وهي ترك المحاربة، يقال أمسالم أنت أم محارب، كما يطلق على الصلح والمساومة، وهذه المعاني الثلاثة تنطبق على دين الإسلام، فكان المقصود بالسلم في الآية.
وقل نفس الشيء عن العدل والحرية فهي مقاصد إسلامية أصيلة.
هذه المحاور و المفاهيم احتلت موقعا كبيرا في طرح فكر مؤسسة رسالة السلام، كما كانت لها مكانة كبيرة في مؤلفات الأستاذ علي محمد الشرفاء الحمادي.
وفي هذا الصدد يتساءل المفكر علي محمد الشرفاء الحمادي:
“لماذا يحدث الصدام بين الناس، وينشأ النزاع ويتحول إلى صراع بين الأفراد أو القبائل أو بين الأسر أو بين الدول؟
ولماذا تشتعل الحروب، وتستعر المعارك، ويسقط فيها الأبرياء قتلى بالمئات أحيانًا، و بالآلاف والملايين أحيانًا أخرى؟”
ويجيب:
“السبب في كل ذلك هو اعتداء طرف ظلمًا على طرف آخر، لاستباحة حقه، ونهب أمواله والاستيلاء على ثرواته، وأرضه وتشريد أهله”.
ويواصل: “حينما يسعى العالم كله لتحقيق السلام، لابد أن يضع العدالة أساسًا للسلام، وإجبار الطرف المعتدي على إعادة الحقوق لأصحابها، حتى يعُم الأمن والاستقرار، وتتم المحافظة على السلام،

ويتعاون الطرفان المتحاربان لحماية الأمن والسلام، ويتحول الخصام إلى وئام، ومشاركة بينهما للمحافظة على السلام بكل الوسائل المتاحة..

لينصرف كل منهم للعمل في التعمير والتطوير، للارتقاء بمواطنيهم لتعويضهم عن ما فات من حياتهم في الصراع والنزاع، إذ أن السلام إذا لم تكن قاعدته العدل فهو سلام لن يكتب له التوفيق تأكيدًا لقول الله سبحانه:

«إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا» سورة النساء : 58)

ولو اتبع الناس التشريع الإلهي في التعامل بين الناس على كل المستويات، أفرادًا وجماعات وقبائل ودول لَتحقق للعالم الأمن والإستقرار والسلام.

الطمع والجشع أساس الصدام بين الناس
فلينظر الإنسان إلى تصرفاته مع الناس، ويمنع طمعه وجشعه بارتكاب جريمة الظلم التي حذرنا منها الله سبحانه في قوله:

«وَتِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا» الكهف : 59)

وفي أقواله سبحانه:

«تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ» (القصص : 83)

«وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ» (إبراهيم : 42)

«وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ» (البقرة : 57)

«فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ» (البقرة : 59)

«فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين» (البقرة : 193)

«وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» (المائدة : 51)

«فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ» (الأعراف : 44)

«ولَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ» (هود : 113)

«إِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» (إبراهيم: 22)

«وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا» (الفرقان : 37)

وقوله سبحانه مخاطبًا النبي داوود عليه السلام:

«يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ» (ص : 26)”.

الإعلامي محمد ناجي / احمدو

زر الذهاب إلى الأعلى