مواقع موريتانيا وفوضى التصنيف / الصحفي. آبيه محمد لفظل
مع تزايد اعتماد الموريتانيين على الإنترنت كمصدر موثوق للأخبار، وانتشار المواقع الإخبارية، ظهرت الحاجة إلى ترتيب المواقع وتمييز الغث منها من السمين، وكعادتنا كموريتانيين في كل شيء، أخذت ظاهرة تصنيف المواقع عندنا منحى خاصا مثيرًا للدهشة.
فقد أصبح من المعتاد أن نجد الأفراد – سواء كانوا متخصصين في مجال التكنولوجيا أم لا – يشعرون بالحاجة الماسة إلى إنشاء مواقع تجميعية تستند إلى خلاصات RSS من المواقع الأخرى، ومن ثمّ تقوم بتصنيف المواقع رغمًا عنها، كما لو أنهم خبراء تتقاتل شركات التكنولوجيا الرائدة في المجال لتجنيدهم في صفوفها حتى يعطوا آراءهم الغبية في تصنيف المواقع، وتحديد أي المواقع أحق بالصفحة الاولى.
يمكنك الآن أن تجد عشرات المواقع التي تُدار بواسطة شخص واحد يجلس في “كزرة” في الترحيل يستخدم لاب توب من نقطة ساخنة بلا بطارية يتغذى على سلك كهرباء مسروقة من نوع اشتراك ألف أوقية للشهر، ومع ذلك فهو يعتقد بأنه الجدير بإعادة ترتيب الإنترنت بأكمله بذكاء يفوق لاري بيج وسيرجي برين الذين أتيا بخوارزمية جوجل بيدج ١٩٩٦، أول خوارزمية لتصنيف المواقع، نشرتها جوجل على نطاق واسع ١٩٩٨.
هكذا بكل بساطة ـ وفقا لهؤلاء ـ لم يعد الأمر مقتصرًا على المواقع الكبرى، هكذا راحت جهود جوجل بيج رانك (Google PageRank)، والتي اعتمدت عليها أليكسا فيما بعد في تصنيفها الشهير (Alexa Ranking) ومن بعدها شركة Moz لمالكها (Moz Metrics). فهؤلاء جميعهم فشلوا في تصنيف المواقع ليأتي الخبراء الموريتانيون من “كزرات الترحيل” بما لم تعرف له البشرية مثيلا.
والصفحة الأولى لم تعد مكانا لنخبة المواقع الموريتانية من حيث الجهود والتواجد والأقدمية والإسهامات، بل المواقع التافهة التي أصبحت تعتلي الصدارة في هذه الكوميديا الرقمية.
وما يجعل الأمر أكثر غرابة هو التنافس الشديد بين هؤلاء المصنفين الذين يتسابقون لوضع “معايير” يتربع على رأسها المعيار الذي لا يكتبونه ـ نظرا ربما لأنه بديهي ـ ألا وهو معيار المحسوبية وتفاهة المحتوى، فعلى أي أساس (مثلا) نجد موقع مالك المنصة نفسه يكون دائما في الصدارة؟.
وأنا هنا لست ضد جهود التصنيف في حد ذاتها، لكن أن يكون كل من هب ودب مصدرا لتصنيف المواقع بحيث يترتب على ذلك استحقاقا في الإعلان وتمييزا في التعاقدات، فلا شك أن هذا أمر جلل، سيما وأن يكون مفروضا بالقوة.
لقد اتصلت شخصيا بصاحب إحدى هذه المنصات ليزيل موقع من هذه المهزلة التي يضع موقعي فيها في الصفحة الخامسة!، فاستجاب أول الأمر لكنه وبعد أن طلب منه بعض الزملاء إزالة مواقعهم رفض ذلك وأعاد موقعي أيضا بكل وقاحة! لذلك وإذا لم يستجب بعد مهلة، سيكون بيننا سجال في أروقة العدالة إن شاء الله.،
وأريد أن أقول هنا أنه بقدر كون تصنيف المواقع من قبل هؤلاء مثيرًا للضحك، إلا أنه يبرز أيضًا الحاجة الملحة لتطوير معايير وآليات فعّالة لتصنيف المحتوى محليا، لضمان جودة ومصداقية المعلومات المتاحة للجمهور، ولا شك أن التجمعات وعلى رأسها تجمع المؤسسات الإعلامية الموريتانية، وكذلك السلطة العليا للسمعيات البصرية، في جعبتهم الكثير مما يمكن الإستفادة منه في مثل هذه الأمور.