أيام تفكيرية في جامعة صيفية بفرنسا حول فكر الأستاذ علي محمد الشرفاء الحمادي

نظمت مؤسسة رسالة السلام بالتعاون مع جمعية التصدي الدولية أياما تفكيرية بالجامعة الصيفية في باريس حول فكر الأستاذ علي محمد الشرفاء الحمادي .

وشارك في الندوة عدد كبير من الباحثين والمفكرين.
افتتحت الندوة بعرض قدمه الأستاذ حي معاوية حسن عن كتاب وثيقة الدخول في الإسلام، هذا نصه:
يهدف كتاب “وثيقة الدخول فى الإسلام”، للكاتب والمفكر على محمد الشرفاء الحمادى، يهدف للتعريف بصحيح الإسلام لمن قرر اعتناق دين الإسلام ليعرف ما له وما عليه من التزامات تجاه ربه والتزامه بتطبيق شريعته والسير على منهاجه فى الحياة الدنيا قبل أن ينطق بالشهادتين.

واحتوى الكتاب 19 موضوعا أخضعها للمناقشة هى (الرحمة، العدل، حرية الاعتقاد، السلام، الظلم، وحدة البشر، وحدة الرسالات، أن الحكم إلا لله، مهمة الرسول عليه السلام، علم الغيب عند الرسول، الشفاعة لدى الرسول، تشريع القتال، الجهاد، منهج القرآن لحياة الإنسان، صفات المؤمنين فى القرآن الكريم، المحرمات فى الإسلام، العبادات، سلوك المسلم، العلاقات الزوجية).

يقول الكتاب تحت عنوان “منهج القرآن لحياة الإنسان”:

قال الله سبحانه ” وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِى الْأَرْضِ ۖ أن اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ” سورة القصص.

وضع الله سبحانه منهجا لحياة الإنسان فى قرآنه كما بينته الآية الكريمة أعلاه، ومقاصدها أنه على الإنسان إذا آتاه الله قوة السلطة وكثرة المال، وزاده الله بسطة فى الجسم والعلم، عليه أن يوظفها فى العمل الصالح، وما ينفع الناس فى جميع سبل الخير، من الإنفاق فى سبيل الله، وحماية المظلوم، وتحقيق العدل فى المجتمع الذى يعيشه ابتغاء وجه الله، ليمنحه الله فى الآخرة خير الجزاء من جنات النعيم.

كما أوصاه الله بأن يستمتع فى حياته الدنيا دون تجاوز للتشريعات الإلهية وأن يلتزم بالمنهاج الربانى فى كتابه المبين باتباع ما جاءت به الآيات فى الذكر الحكيم من فضائل الأخلاق والخلق العظيم وأن يحسن للناس كما أحسن الله إليه من نعمه وأنزل عليه من البركات ولا يسعى فى الأرض بالفساد المتمثل فى ارتكاب المحرمات والمنكرات وقتل الأبرياء، وترويع الناس والاستيلاء على ممتلكاتهم واستباحة أراضيهم.

وليعلم الإنسان بأن الله حذر الناس بأنه لا يحب المفسدين، ومن غضب الله عليه من سوء أعماله فجزاؤه يوم القيامة عند الحساب نار جهنم يلقى فيها عقابا له على فساده فى حياته ليذوق وبال أمره وقد حذر الله عباده بقوله بعد حكمه على المفسدين “إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فسادا، أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خذى فى الدنيا ولهم فى الآخرة عذاب عظيم”.

فما تقوم به الطوائف والفرق المختلفة الضالة ضد الناس جميعا من محرمات وجرائم وإرهاب وسفك الدماء للأبرياء إنما هم يحاربون شرع الله، وما بلغ رسوله عليه السلام الناس من الآيات والذكر الحكيم.

تلا ذلك عرض عن رؤية الأستاذ علي محمد الشرفاء الحمادي حول الزكاة: الدكتور علي آيت جودي

جاء الإسلام ليحقق العدالة الاجتماعية والتوازن المالي بين مستويات المعيشة في إطار حرصه على تحقيق أحد أهدافه السامية وهي العدالة والمساواة.
ولذلك شرع الإسلام وفرض الزكاة سبيلا إلى تكريس ذلك، كما عززها بفرائض مالية أخرى مثل الكفارات في ميادين أخرى، يستفيد منها الفقراء.
وفي هذا الإطار تتركز رؤية المفكر علي محمد الشرفاء الحمادي، الذي قدم حول الموضوع طرحا بالغ الأهمية والتأثير في حياة الناس.
ويرى الأستاذ الشرفاء أنه “للزكاة في الخطاب الإلهي هدف محوري وهامً، ألا وهو إرساء قاعدة التكافل الاجتماعي في أجلى صوره .. وكان تعبير الخطاب الإلهي في ذلك بعبارة الإنفاق في سبيل الله”.

و يعتبر أن “الإنفاق هو نوع من أفضل أنواع الجهاد. وعليه يُعد سعي الأمة للتكافل فيما بينها جهادًا في الله وسعيًا إلى مرضاته”.
ويعزز الأستاذ طرحه بقول الله تعالي في محكم آياته : (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) البقرة : 261).
ويلخص الأستاذ رؤيته في الموضوع في النقاط الخمس التالية:
أولى هذه النقاط هي أن الزكاة فرض إلهى فى إرباح أصحاب الأموال، وهى فرض عين؛ كما قال الله فى كتابه العزيز: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) لذلك تعتبر الزكاة حقا معلوما وواجبا.

النقطة الثانية من هذه الرؤية تعتمد على أساس مكين، هو المنطلق في الخطاب الإلهي، حيث حدد الله سبحانه فى قرآنه العظيم نسبة الحق المعلوم فى الأموال، وهى كما قال الله سبحانه: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ)، ويواصل مؤكدا هذه الآية حددت نسبة عشرين فى المائة من الأرباح والغنيمة، تفسر فى اللغة العربية أرباح المال، أو ما أضاف الإنسان إلى أصل ماله ربحًا إضافيًا يستحق عليه دفع الزكاة بالنسبة المذكورة أعلاه.

النقطة الثالثة في طرح المفكر هي أن الله “فرض الله الإنفاق من المال لحساب الزكاة، على أن تخصم من الأرباح، بحيث تُخصم منها العشرون فى المائة، وتبقى ثمانون فى المائة لصاحب المال، وبما أن الله هو الرزاق، وقد استخلف الإنسان على ما رزقه من مال، أمانة عنده لله للصرف على متطلباته، أمر الله الإنسان أن يخصص عشرين فى المائة من أرباحه، ويعتبرها قرضًا لله سيضاعفه لدافع الزكاة أضعافًا مضاعفة، تأكيدًا لقول الله سبحانه: (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ۚ وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)( البقرة :٢٤٥)”.
أما النقطة الرابعة من هذه الرؤية، فتستند إلى الآية الكريمة ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ ۖ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267) )، ويستدل بها الأستاذ على إلى أن الطيبات من الرزق هي المكاسب والأرباح.
ولا ينسى المفكر الكبير في النقطة الخامسة من النقاط المرجعية الخمس في الموضوع، لا ينسى الإشارة إلى أن هذه الزكاة، أعني زكاة الأرباح، لا ترتبط بأي زمن؛ فمتى حصلت الأرباح، يتم دفعها، ويقول: “نشير الى مدة استحقاق الزكاة و هي أنه طالما ان استحقاق الزكاة مرتبط بالربح الصافي فيعني ذلك أن استحقاق الزكاة مرتبط باستلام الأرباح الصافية في أي وقت، وليس مرتبطا بزمن معين؛ حتى لو تحقق للإنسان مكاسب الأرباح كل يوم فعليه أداء استحقاق الزكاة كل يوم، وعلى ذلك يتم توفير الحياة الكريمة لكل افراد المجتمع وذلك هو العدل الذي أمر الله المسلمين ان يطبقوه حتى تختفي الحاجة من المجتمع، ويزول الحقد والحسد بين الناس ليبارك الله لهم فيما رزق ويزيدهم من نعمه وتتنزل عليهم بركاته”.
وانطلاقا مما سبق نجد أن هذه رؤية تنويرية بالغة الأهمية، وجديرة بالنقاش بين المشتغلين في حقلي الفتوى والاقتصاد.
وتعود بالفائدة على رفاهية مجتمعات المسلمين، حيث أن قيام الدول بإنشاء مؤسسات تشرف على تنفيذ المخططات التنموية ومخططات رفاهية ورخاء وتعليم وصحة الشعوب من ريع الزكاة تعتبر هدفا إسلاميا أصيلا طبقا لما ورد في آية سورة التوبة السابقة.
ومن ناحية أخرى فإن ذلك سوف يعزز ارتباط المجتمع فيما بينه، ويقضي على عوامل النقمة والكراهية، ومع الوقت باستمرار تطبيق تلك التعليم تتقلص الهوة بين مستويات الناس قبل أن تختفي نهائيا.
وسوف يكون ذلك صمام أمان للمجتمعات، وضمانة لها أن لا تنجرف في الحوادث التي يسببها غياب العدالة الاجتماعية وعدم تكافؤ الفرص.
كما أن استخدام تلك الأموال في مساعدة الضعفاء من البشر من غير المسلمين، يعتبر خدمة كبيرة للإسلام والمسلمين بالفعل لا بالقول.
ويرى المفكر الشرفاء في هذا السياق أنه لا يوجد تنصيص في القرآن الكريم على حصر مستحقي الزكاة بالمسلمين، بل هي موزعة على أصناف من البشر هم الفقراء والمساكين.. إلخ، من دون حصر للانتماء للإسلام أو غيره، وهو ما ينسجم مع رسالة الإسلام الإنسانية، التي تعلي قيمة البشر، انطلاقا من كونهم بشرا، وتكرمهم مصداقا لقوله تعالى (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا).
إنسانية الإسلام مبدأ لو انطلق منه المنظرون لخدموا الإسلام خدمة حقيقية، انطلاقا من روحه ومبادئ رسالته السمحة الناصعة الواضحة، وليس انطلاقا من تفسيرات لا تنفذ لروحه ولا تتناغم مع جوهره، ولا تنسجم مع مبادئ العدل والحرية والسلام والمساواة، وهو ما ساهم في خلق جدار من الكراهية بين المسلمين بعضهم بعضا، وبينهم والآخرين، ولو أن تلك المبادئ طبقت بأمانة لكان الإسلام معروفا على حقيقته من الجميع، أسلم من أسلم، ولم يسلم من لم يسلم.
بعبارة واحدة يرى المفكر الشرفاء أنه لو طبقت هذه الرؤية فإن المدينة الفاضلة التي يبحث عنها الناس منذ الأزل ستغدو حقيقة لا مراء فيها.

و قدمت الأستاذة والباحثة في مجال حقوق الإنسان الدكتورة نادية .
عرضا حول كتاب الطلاق يهدد أمن المجتمع، جاء فيه:
كتاب “الطلاق يهدد أمن المجتمع”، للأستاذ على محمد الشرفاء الحمادى، من أبرز المؤلفات التي تتناول الآثار السلبية للطلاق العشوائي وتحاربها.

ويضم العديد من الموضوعات وهى: “حقوق المرأة في القرآن، العلاقات الزوجية، الأثار الكارثية للطلاق الشفوى، أحكام عامة، الخلاصة، عقد النكاح”.

ويقول المؤلف في مقدمته : “حينما جعل الله سبحانه كلا من الزوجين سكنا لصاحبه جعلهما يتعاملان بالمودة والرحمة فيما بينهما لينشئا مناخًا آمنًا ومستقرًا لحياة طيبة لتربية الأطفال ورعايتهم، علماًا وأخلاقًا ودينًا، ولو أخلص الفقهاء للمسلمين في توضبح مقاصد آيات القرآن الكريم ووصية الله لترشيد الزوجين لتحقق لهما الحياة الطيبة، بأن يصبح كل منهما سكنا للآخر لتعريف الزوجين بالمقاصد الخيرة للموعظة الإلهية لتحقيق الطمأنينة والمودة والرحمة بينهما وطبقاها لاستطاعا ان يحولا بيتهما إلى جنة ترفرف عليه السعادة والأمان، ولتجاوزا كل الخلافات وسوء الفهم لتستمر الحياة باملعاملة الحسنة بينهما، حيث سترتقى المجتمعات العربية والإسلامية في التعليم والإبداع والمساهمة الإيجابية في تقدم البشرية في كل المجالات”.

كما يوضح المؤلف “أن قضية “الطلاق الشفهى” تهدد أمن المجتع، فهى جريمة لا تغتفر، وينتج عنها هدم الأسرة وتشتتها وتشرد الأطفال نحو المجهول لا مستقبل لهم ولا أمان، ما يتطلب ضرورة العودة إلى كتاب الله الذى وضع قواعد الانفصال الزوجين ـ إذا استحالت المعيشة بينهما ـ التي تأمر بالعدل والإنصاف بين الطرفين بالمعروف والإحسان، وتحريم الظلم بينهما، والعدوان بكل أشكاله المعنوية والمادية، فلا خلاص للمجتمع العربى والإسلامى إلا بالعودة إلى كتاب الله ليخرج المسلمين من الظلمات إلى النور، ويحمى الحقوق بين الزوجين بالاتفاق على الانفصال بينهما بالعدل تطبيقًا للشريعة الإلهية في قوله سبحانه : (فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ۗ (233 سورة البقرة) “.

ويضيف المؤلف إن مسؤولية الرجل أن يتحمل قيادة الأسرة إلى بر الأمان، على أساس الرحمة والمودة دون تسلط واستبداد، بل مشاركة مع الزوجة في كل ما يخص حياتهم الاجتماعية مع أطفالهم بالعدل والرحمة والإحسان والمعروف. وإن القوامة يقابلها مسؤولية الإنفاق والرعاية للزوجة والأبناء، ولذلك اقتضت حكمة الله وعدله عند توزيع الإرث أن يكون للذكر مثل حظ الأنثيين ليوائم مسؤولية الذكور بالإنفاق على الزوجة والأطفال، ولا تعنى القوماة ميزة على الأنثى، بل هي تقسيم المسؤولية بين الذكر والأنثى، وكل منهما يقوم بواجبه تجاه الأسرة ولا يعنى ذلك اقتناصًا من حقوق الأنثى.

وقدم الأستاذ سعيد صلحي عرضا حول كتاب المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي، جاء فيه:
في طليعة الذين أبلوا بلاء حسنا في الفترة الأخيرة في مسعى تنقية الدين من عوالق الروايات التي لا أساس لها المفكر الكبير على محمد الشرفاء الحمادي.

قدم الرجل أطروحة بالغة الأهمية والنصاعة، تنطلق هذه الأطروحة من نظرية مسح الطاولة، وربط النصوص المتفرعة عن النص المقدس “القرآن” بمنطلقات آي القرآن، ورمي ما تعارض منها معه.

وهو لعمري مسعى جسور يستحق الإشادة والتقدير، جاء في وقت أحوج ما تكون الأمة إليه، حيث عصفت خلال ديارها نزعات التكفير والتفجير والتبديع والتفسيق والإرهاب، فتنا متلاطمة كقطع الليل المظلم.

وما ذاك إلا لأن الأمة ابتعدت عن المرجعية الوضاءة التي تعتمد القرآن الكريم كخط ناظم لمسارها، وتفرقت مذاهب وطوائف متباغضة متدابرة إن لم تكن متقاتلة.

المغازي الدقيقة لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم هي النفاذ إلى روح الإسلام التي تعني أن يكون الجميع في مستوى واحد ومعاملة واحدة.

ينطلق المفكر في رؤيته هذه من قاعدة أصيلة، أهمل المسلمون نتائجها على مر العصور وهي إنَّ الله أرسل رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم للناس كافة ولم يرسله الله لطائفة أو طبقة مميزة من الناس، حيث الناس كلهم عند الله سواء وكل يحاسب بعمله وكل يجازى به.

واستنتج من هذه القاعدة تفريعات أساسية تشكل أساس الخطاب في طراوته ونداوته، وهي الآتية:

أولاً: إنَّ الخطاب الإلهي، القرآن الكريم، موجه للناس كافة دون تمييز لدين أو عقيدة أو طائفة أو طبقة أو مذهب أو فرقة.

ثانيًا: إنَّ الرسالة الإسلامية التي تضمنها القرآن الكريم تخاطب الناس جميعًا بالتفاعل الفكري مع آيات الله في كتابه الكريم لتمكنهم من استنباط التشريعات اللازمة لتنظيم أمورهم الدنيوية وإتباع قيم الإسلام الراقية في السلوك والتعامل مع كل البشر تنفيذًا لقوله تعالى «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّه أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّه عَلِيمٌ خَبِيرٌ».

ثالثًا: تؤكد هذه الآية سقوط كل الامتيازات الاجتماعية باسم الدين، وعدم وجود طبقة دينية مميزه تماثل طبقة الكهنة عند بعض العقائد، التي تحكم باسم الدين وتوجه المجتمعات الإنسانية حسب أهدافها السياسية والمادية والعاطفية والمعنوية، وكل الناس متساوون أمام القانون في الحياة الدنيا، ويتساوى البشر جميعهم أمام الله يوم الحساب وكل بعمله).

ويتساءل المفكر “لماذا ابتعد المسلمون قرونا طويلة عن تطبيق واتباع التشريعات الإلهية التي تستند لما أمر الله به وما فيها من القيم والأخلاق الرفيعة”.

وأكتشف أن بعض المسلمين ينساقون وراء مرامي أعداء الإسلام في تشويه المقاصد الكلية

ولم يكتف المفكر بطرح السؤال لاستثارة لعاب الباحثين عن طريق رمي حجر في بركة الماء الراكدة، بل تحدث عن الأسباب الأساسية وأدوار المغرضين أعداء رسالة الإسلام، وما استحدثوه من روايات وإشاعات كاذبة مستهدِفة صرف المسلمين عن المنهج الإلهي ليبعدوهم عن التعرُّف على دلالات آيات القرآن ومراميها العليا لما يحقق للناس من خير وصلاح للناس، ولما ينفعهم بالاعتصام بحبل الله، محذرًا من تفرقهم وتنازعهم، فلا مناص إلا بالعودة إلى المرجعيّة الإلهية، مرجعية القرآن الكريم، كي لا تأخذنا مرجعيات دينية من بني البشر عندما أضفوا عليها من حُلل القداسة ما صرف الناس عن الأصل، القرآن الكريم.

مقصد التمسك بالقرآن هو صمام أمان من الفرقة والتشرذم، ولكن كيف ذلك وقد ضربت الفرقة صفوفنا؟

العلاج بسيط يقول المفكر “إذا ما اتحدنا خلف المرجعية الأصل، القرآن الكريم، أمكننا بذلك إزالة الفرقة ووقف التدهور والتناحر جراء التشرذم والتنازع بين المسلمين، ولأمكننا تفويت الفرصة على المتربصين بنا من الأعداء، أولئك الذين يتمنون بقاء الفرقة لتستمر وتدوم حتى اليوم الذي نعيشه في هيئته المزرية من مذاهب شتى وفرق متعددة بأعلامها السوداء وسيوفها الحمراء التي امتزجت بدماء الأبرياء جهادًا في سبيل الله كما يدعون وعقابًا للكفرة ،كما يدعي أولئك المفسدون في الأرض، الأمر الذي يصبُّ في صالح العدو لتحقيق أهدافه وتمكينه من أطماعه في الثروات العربية يعبث بأمننا، ويستبيح أوطاننا لما شَهِد في أهلها انشغالًا عنه وهم في اقتتال دائم فيما بينهم، وقد أنهكهم الصراع ومزقهم النزاع”..

إغفال المعاني الحقيقية للعبادات، واختزالها في عادات.

التناقض بين تصرفات المسلمين وتعاليم دينهم، مظهر من مظاهر الاختلال البنيوي الكبير الذي تسبب في الصدام بين النظرية والتطبيق.

يرى الأستاذ الحمادي أن سبب ذلك هو إعلاء المسلمين للعرض دون الجوهر، بمعنى آخر التركيز على بعد العبادات الفيزيائي وإهمال بعدها الروحي والغائي.

يقول المفكر:

“كانت بداية الطامة الكبرى لأمتنا، إذ رأينا المساجد عامرة بالمصلّين والملايين في موسم الحج والعمرة، والتباري في دفع الزكاة، والصيام على أشده. وإلى جانب ذلك وجنبًا إلى جنب رأينا الغش، والفساد، والسرقة، والاقتتال بين المسلمين رأينا البيئة الحاضنة للتردي الأخلاقي والسلوكي هي بيئة ومحيط ملتزم كل الالتزام بالأركان المختزلة المدّعى بأنها هي فقط أركان الإسلام”.

تدبر كتاب الله طريق لفهم ما وراء التكاليف، وغاياتها التي ينشدها الدين من ورائها، ويسبح بنا المؤلف في حكم مقاصدية سامقة، مؤصلا بنص القرآن لغايات أركان الدين.

فيقول “الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر من ظلم وأكل أموال الناس بالباطل ونقض العهود والنميمة والإشاعات والاعتداء على الناس دون وجه حق والتعاون على الاثم والعدوان.

والزكاة مهمة في مساعدة الفقراء والمساكين وتقليص الحاجز النفسي بين الأغنياء والفقراء والتعامل معهم بالرحمة والإحسان ذلك يحصن المجتمعات من السرقة أو الاعتداء على الأموال وتطهير النفس من الشُّح.

(..) وحج بيت الله الحرام، حيث يرى الناس أنفسهم جميعًا من شتى بقاع الأرض متساوين في الملبس والمسكن، تذوب الفوارق بين الناس حينما يتساوى الملك والصعلوك، والغني والفقير، والقوي والضعيف، والكل أعناقهم مشرئبة للسماء…

(..) أما الصوم في شهر رمضان، فهو التزامٌ بطاعة الله وتدريب النفس على السيطرة على الشهوات وكبح جماحها عن كل ملذات الحياة والانقطاع لعبادة الله وحده، والتحلي بالأخلاق الفاضلة بممارسة التسامح مع الناس والإحسان إليهم والإعراض عن اللغو، ولا يتعالى على خلق الله ولا يأكل أموال الناس بالباطل وأن يتحلى بالصدق والوفاء بالعهود والعقود وعدم الاعتداء على الناس باللسان أو باليد، والابتعاد عن النميمة يطهر النفوس فترتقي إلى مصاف عباد الرحمن الذين استقاموا على الصراط المستقيم وتسابقوا إلى الخيرات وعملوا الصالحات”.

ويتوصل المفكر للحقيقة الجامعة المانعة، وهي أن “كل الشعائر والعبادات هي وسائل لتلك المقاصد الأخلاقية، ذلك أنَّ الإسلام يتمحور في عنوان الأخلاق العالية التي دعا إليها القرآن، وهي نفسها الأخلاق التي دعا إليها الأنبياء والتزموا بها عليهم السلام حتى مبعث الأمين محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين”.

جزى الله المفكر الحمادي عن الأمة كل خير.. فقد حاول جهده التجديد لهذا الدين، والتحرر من ركام الإضافات التي ما أنزل الله بها من سلطان، سبيلا إلى فهم حقيقي للدين في ضوء التدبر والقراءة المقاصدية الراشدة، وعلى الأساتذة والمفكرين الاستلهام من الرؤية التي وضعها الداعية الحمادي ليؤسسوا لغد وضاء لأمة الإسلام وللإنسانية جميعا.
وقدم الأستاذ احمد محمد لمين مدير فرع مؤسسة رسالة السلام بباريس عرضا حول الجهاد في رؤية المفكر علي محمد الشرفاء الحمادي:

القتال والجهاد في رؤية المفكر على محمد الشرفاء الحمادي:

من المفاهيم الملتبسة التي أدى التباس فهمها، وضبابية الرؤى حولها إلى نتائج عكسية عمليا ونظريا في التطبيقات الواقعية للإسلام، مفهوما الجهاد والقتال في سبيل الله.
وقد قسم أهل الذكر، تقليديا، الجهاد إلى نوعين: جهاد طلب، وجهاد دفع، واشترطوا في كليهما وجود مظلومين مسلمين يجب الانتصار لهم، أو وقوع اعتداء على المسلمين، وأكدوا في الحالين مبدأ عدم إكراه الناس على اعتناق الإسلام.
ويرى مجمع الفقه الإسلامي الدولي في دورته المنعقدة في مارس 2015 في الكويت أن “غاية جهاد الطلب ومقصده تبليغ رسالة الإسلام، دون إكراه للناس على الدخول فيه، لقوله تعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) [البقرة:256]، وقوله سبحانه: (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) [النور:54]، وقوله سبحانه: (إنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ) [الشورى:48]، وفي هذا النوع من الجهاد، وفي ظل الظروف المعاصرة فعلى الدعاة اليوم الإفادة من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي جعلت العالم دارعهدٍ، تسمح فيه الدول بالتنقل وإطلاق الحرية في تبليغ الدعوة واستخدام مختلف الوسائل الحديثة، ووسائل الاتصال المعاصرة للدعوة، وتبليغ رسالة الإسلام بمختلف اللغات وفي مختلف المجتمعات”.
وهو ما يعضده الخطاب القرآني انطلاقا من الآيات الواضحة السابقة.
ويبدو هذا الفهم واضحا في ما سطره الأستاذ علي محمد الشرفاء الحمادي، في كتابه “المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي”، الذي فرق بين مفهومي القتال والجهاد في سبيل الله، حيث استدل من النص القرآني على أن القتال في سبيل الله حق مشروع لكل الناس للدفاع عن النفس وعن الممتلكات وعن الأسرة والأعراض والأوطان، وضد التعدي على حقوق الناس بكل السبل والوسائل التي ترد الاعتداء أو تعيد الحقوق لأصحابها، وهذا التشريع ليس موجها لقوم عن قوم أو لمتبعي ديانة دون أخرى.
واستدل الأستاذ بالآية الكريمة (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) 190 البقرة.
ويشدد الأستاذ الشرفاء على ضرورة احترام ضوابط محددة منها التوقف عن الحرب عند ميل المعتدين إلى طلب السلم (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم) 61 الأنفال.
ويسترسل مؤكدا ضرورة احترام النفس البشرية والابتعاد عن إلحاق الأذى بها دون حق، طبعا للآيات القرآنية الكثيرة التي تؤكد هذا المبدأ الأساسي الثابت في تشريع الله للإنسان منذ فجر الرسالات والنبوءات، انطلاقا من قصة ابني آدم ووصولا لعصرنا الحاضر.
أما المفهوم الثاني، فهو الجهاد، وحيث ما ورد في القرآن فإنه يدل على المجاهدة بالحجة ومقارعتها بالحجة، والآيات شواهد على ذلك، حيث يأمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم، وأمره له أمر لنا جميعا، بمجاهدة الكفار بالقرآن: (فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهاد كبيرا).
الجهاد، حسب رؤية الشرفاء، هو بذل الجهد والطاقة في سبيل تحقيق أوامر الله سبحانه وتطبيقها على أرض الواقع.
والحاصل من مقارنة المفهومين وسبر التقسيمين إجماع المفكرين وأهل العلم على مبادئ إسلامية صميمة منها عدم الاعتداء واحترام النفس البشرية والممتلكات، وترك الحرية للناس في اعتناق الإسلام أو عدم اعتناقه، وهي المبادئ التي تكفل احترامها بدخول الكثيرين في الإسلام عبر التاريخ، فيما تسبب عدم احترامها في خلق خلبطة وتشويه للإسلام لدى الكثيرين من الذين وصلتهم الصورة مغلوطة.

كما كانت هناك نقاشات جانبية مهمة وقد أجمع الحضور علي أن فكر الأستاذ علي جاء ليزيح الغبار عن العقول المغيبة منذ ١٤ قرنا.
وأكد بعض المتدخلين ان الفكر التنويري حقيقة جاء لإسعاد البشرية جمعاء .
وقال أستاذ فرنسي إنه لأول مرة يقرأ لمفكر إسلامي يقول علنا إن الله وحده هو من يحاسب الانسان وليس رجال الدين الذين يقولون هذا كافر يقتل، وهذا ملحد يرجم الي غير ذلك من الأحكام الفردية التي يصدرها الإنسان ضد أخيه الإنسان.

وتم توزيع عدد من الكتب والمجلات وخاصتا مجلة كل خميس .

زر الذهاب إلى الأعلى