أنغام «الآردين».. حين تعزف الأوتار لحفظ التراث و«هوية شعب»

الموريتاني : تمايلت أوراق الأشجار فوق منصة المهرجان، بفعل رياح نوفمبر الشاتي، وعلى المنصة شدّت « يُمّي » طرف ملحفتها على وجهها، وجلست تداعب أوتار « آردينها » بلطف ومهارة.

إلى جانب المنصة التي نصبت في فضاء منظمة استثمار نهر السنغال، وسط العاصمة نواكشوط؛ رصّت تماثيل نسائية ورجالية، ألبست أثوابا موريتانية تقليدية، تعكس التعددية العرقية، إلى جانب مجسمات كبيرة لآلة « الآردين ».

وعلى هامش ذلك ضجّت الساحة بالصحفيين والمصورين، الذين يتسابقون إلى إعداد القصص وأخذ التصريحات واقتناص صورة من زاوية إبداعية؛ وهذا فنان يحكي لإحدى الكاميرات قصته مع « المديح النبوي » كيف ورثه عن والده، وكيف « أنقذ حياته من موت محقق ».

ليلة موسيقية أحيت العهد بين جماهير نواكشوط وبين مهرجان « آردين » في نسخته السابعة، الموعد الثابت الذي ينظم حاليا تحت « آردين هوية شعب ».

هوية شعب

مما اتفق عليه جميع الفنانين والخبراء الموسيقيين، أن آلة « الآردين » شيء تفرّدت به الموسيقى الموريتانية دون غيرها، وهي تتكون من ثمانية أوتار، تمكن عازفها من الوصول إلى جميع البحور الموسيقية الموريتانية بسلاسة.

آلة « الآردين » وإن كانت في الأصل آلة نسائية إلا أن الساحة الفنية لا تخلو من رجال يعزفونها بإجادة، وتشهد النسخ السابقة لمهرجان « آردين » بذلك.

لا يدل ذالك حسب أهل الاختصاص إلا على «تعلق الشعب الموريتاني بهذه الآلة، التي تعبر عنه وتعزز وحدته الوطنية وتمثل هويته ».

قبل سبع سنين قررت رئيسة المهرجان عيش بنت شيغالي تجسيد فكرة « راودتها منذ سنين » مضيفةً « أنها آلة جامعة، ليس فقط للبحور الموسيقية الموريتانية، ولكن للشعب الموريتاني أيضا بجميع مكوناته الاجتماعية، التي تشارك كلها في صنعه ».

وزاد من إصرار بنت شيغالي، على تجسيد الفكرة، ما اعتبرته «الإهمال الشديد الذي عانى منه الآردين، فجاء المهرجان لانتشال هذه الآلة الموسيقية التي يتوارثها الموريتانيون منذ عدة قرون، كيْ لا تندثر» على حد قولها.

لم يقتصر المهرجان في جميع نسخه على الجانب التطبيقي للآلة المتمثل في الوصلات الموسيقية فقط، بل تخللته محاضرات ومداخلات لخبراء وباحثين في الفن، وفي آردين تحديدا « وذلك من أجل إبلاغ جميع المعلومات النظرية المتعلقة بهذه الآلة »، حسب القائمين عليه.

في جميع نسخ المهرجان، كان متحف « آردين » حاضرا، للتعريف بالآلات الموسيقية التقليدية، إذ لا يقتصر على آلة « الآردين » فقط بل يضم إلى جانبها آلة « التيدينيت » والطبل، وآلات موسيقية أخرى « تعكس تنوع الموسيقى الموريتانية ».

هل تحقق الهدف؟

تقول رئيسة المهرجان، عيش منت شيغالي إنه يسعى إلى إعادة الاهتمام بآلة « الآردين » التي كادت تندثر، فهل نجح المهرجان بعد سبع نسخ في تحقيق الهدف؟.

يرى رئيس اتحاد الفنانين الموسيقيين الموريتانيين، محفوظ ولد بوب جدو، إن « المهرجان وفق إلى حد بعيد في إنعاش آلة الآردين، بعد أن كانت تعاني من إهمال شديد »، مؤكدا في ذات الوقت، أنه « يرجو أن يزداد هذا الاهتمام من الأجيال الصاعدة ».

أما الفنانة لبابه بنت الميداح فترى أن هذا المهرجان «  أعاد « لآردين » ألقه وأن الاهتمام به عاد إلى صفوف الفنانات الشابات »، مايجعل المهرجان « منقذا لهذه الآلة ».

امتزاج الفنون

في ركن قصي من ساحة المهرجان، تناثرت لوحات تشكيلية لفنانين شباب، يمتزج فيها الفن التشكيلي مع الموسيقى الموريتانية التقليدية وتعبر عن العلاقة الوجدانية بين الفنان التشكيلي الموريتاني وموسيقاه الأصلية.

« فتاته» فنانة تشكيلية شابة، تحدثت ل«صحراء ميديا»عن إحدى لوحاتها قائلة: « هذه اللوحة تعبر عن الوطن، والموسيقى الموريتانية التقليدية فقد رسمتها بألوان العلم الثلاث الأصفر والأخضر والأحمر، وفيها النجمة والهلال، اللذان يعبران عن موريتانيا ».

وأضافت: «رسمتُ بين يدي هذه المرأة آلة آردين، إشارة إلى أنها آلة نسائية موريتانية خاصة ».

ثلاث ليال تعيش فيها العاصمة نواكشوط سهرات موسيقية وفنية؛ ينعشها عشرات الفنانون والعازفون والشعراء ومحاضرون في الفن وتاريخه.

بقلم / مريم بنت المنير

زر الذهاب إلى الأعلى