الفقيه “ولد الشاه” يكتب عن باب ولد الشيخ سيديا…
الموريتاني : بابا ولد الشيخ سيديا
(لقد تعامل بابا ولد الشيخ سيديا مع النصارى)
(إن بابا هو الذي سهل للمستعمر…)
(لقد تعاون بابا مع الكفار)
هذه عبارات نسمعها منذ بعض الوقت، نسمعها ونقرؤها في بعض وسائل الاتصال.
ولا شك أنها إسقاطات ومغالطات تنم عن جهل عميق، وطيش شديد وسفه مبين وحقد دفين.
فالمتشدقون بمثل هذه العبارات المتسترون بالوطنية والنضال وحب الوطن يرددون ما لا يفقهون، ويقولون ما لا يعلمون ويناقشون ما لا يفهمون…
وباختصار شديد نقول: إن الشيخ بابا ولد الشيخ سيديا قد اجتهد في واقعة لا نص فيها وهو عالم مجتهد بلا ريب، وقد قاده اجتهاده إلى حقيقة مؤداها أن وقف سفك الدماء والحرابة والغزو والسرقة وترويع المسلمين والمسلمات في هذه البلاد السائبة لن يكون إلا بالاستعانة بقوة خارجية، ومن هذا المنطلق تعامل مع فرنسا وقد أصاب وهو مجتهد مأجور ولو أخطأ.
وعلى هؤلاء المتشدقين الغيورين على الوطن وعلى الملة والذين هم أصغر من خنصره أن يعلموا:
أولا: أن بابا من أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم.
ثانيا: أن الاستعانة بغير المسلمين منصوص عليها معروف حكمها فهو جائز إن دعت إليه الضرورة.
فإذا كانت قوة المسلمين لا تكفي لرد الخطر، جازت الاستعانة بمن يظن بهم أنهم يعينون سواء كانوا يهودا أو نصارى أو وثنيين.
فالنبي صلوات الله وسلامه عليه استعان بالمطعم بن عدي بعد وفاة أبي طالب لما رجع من الطائف، وحماه من المشركين لما دعت الضرورة إلى ذلك.
واستعان بابن أريقط دليلا لما خرج مهاجرا، واستعان بيهود خيبر بعد فتحها كيد عاملة ليقوموا على الزراعة لأن المسلمين كانوا منشغلين بالغزوات والحروب، واستعان بصفوان ابن أمية يوم الفتح فاستعار منه الدروع.
وكان في بداية الدعوة يعرض نفسه على المشركين في منى ويتجول طالبا الحماية ليبلغ رسالة ربه.
أما قوله يوم بدر «لا أستعين بمشرك» فصحيح لكنه لم يقل: لا تستعينوا وهو يومها لم يكن محتاجا إليهم.
وفي أضواء البيان وعند تفسير قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض} المائدة: 51.
يقول الشيخ الشنقيطي (… وبين في موضع آخر أن محل ذلك فيما إذا لم تكن الموالاة بسبب خوف أو تقية فإن كانت بسبب ذلك فصاحبها معذور وهو قوله تعالى: {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة} آل عمران: 28
فهذه الآية الكريمة فيها بيان لكل الآيات القاضية بمنع موالاة الكفار مطلقا وإيضاح لأن محل ذلك في حالة الاختيار وأما عند الخوف والتقية فيرخص في موالاتهم بقدر المداراة التي يكتفى بها شرهم ويشترط في ذلك سلامة الباطن من تلك الموالاة.
ومن يأتي الأمور على اضطرار
ليس كمثل آتيها اختيارا)
هذا كلا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في الأضواء.
ومن محاسن الصدف أن يكون البيت الأخير لوالد الشيخ بابا – سيدنا – رائد شعر المقاومة في موريتانيا وهو من قصيدته المشهورة:
رويدك إنني شبهت دارا
على أطلالها تقف المهارا
وعليه فإن ما فعله الشيخ بابا من الاستعانة بالنصارى لوقف سفك الدماء والحرابة والتسيب، مشروع وله أصله وهو دال على علو مكانته وسعة علمه وفهمه لمقاصد الشرع، والله سبحانه تعالى يقول: {وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه} الأنعام: 119.
ومعلوم أن الشر الأكبر يدفع بالشر الأصغر وفي المراقي:
وارتكب الأخف من ضرين
وخيرن لدى استوى هاذين
ولا يماري أحد في أن (الهنتاته) وهم قطاع الطرق الساعين في الأرض فسادا أعظم خطرا من اليهود والنصارى والمجوس.
وأختم هذه المرافعة بقول معاصره ومناصره وصديقه العالم العلامة الحبر الفهامة محمد فال ولد بابا ولد أحمد بيبه رحمه الله:
على الشيخ قد عاب الغبي بجهله
وما في كتاب الله في النص محكما
وما قال جمهور الأئمة تابعا
ويهذي أخو جهل يعارض عالما
ومن كان قدرا فوق باعك فتره
إذا قال قولا كان شأوك قاصرا
ومن كان لا يرضى من الشيخ سيرة
فإني أراه كان حقا مجددا
تتبع أقوال النبي وفعله
وما صح من تقرير خاتم رسله
لما صح من معنى الدليل ونقله
يدلك لو تدري على نقص عقله
ويغمر وبلا منك هاطل طله
عن إدراكه فادري السبيل وخله
فليس يرضى المرء إلا بشكله
يدل على رشد ويهدي لسبله
وباختصار فإن الإمام بابا ولد الشيخ سيديا كان وبحق حسنة من حسنات الدهر وعلما من أعلام السنة فقد شن الحرب على أهل الزيغ والبدع وحارب بالحق وللحق فكان على الجبهات كافة فقد حارب أهل سر الحرف المروجين للباطل وحارب ضلال الطرق الصوفية، وأهل التأويل الذين يحرفون الكلم عن مواضعه، وحارب أهل الفروع الذين هجروا السنن ونبذوا الكتاب والسنة وراء ظهورهم وحارب أهل التعصب والجمود فجزاه الله خيرا وأسكنه فسيح جناته.