أزمة القيم وانحدار المجتمع: بين استغلال الدين وانتشار الفساد/الولي سيدي هيبه
الموريتاني : “إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا”
يوماً بعد يوم، تكشف وسائل التواصل الاجتماعي عن مستويات غير مسبوقة من انحدار المجتمع نحو قيعان الابتذال والرذيلة والقطيعة مع القيم، مما يعكس أزمة أخلاقية وثقافية عميقة.
ولقد أصبح الاستسلام للشهوات والسعي وراء المظاهر الزائفة عنواناً لمرحلة تتسم بتراجع الهيبة وانهيار المبادئ التي كانت فيما مضى حاجزاً يحمي المجتمع من السقوط في مستنقعات الفساد والتحلل.
وبالطبع فإن هذا الانحدار مهد الطريق لفساد مستشرٍ، حيث بات الوطن نفسه سلعة تُباع وتُشترى، وتُنهب موارده بلا وازع أو رادع أخلاقي أو ديني أو وطني، وانتشر الاستهتار بمقدرات الأمة وكأنها غنيمة شخصية، حتى استُنزفت المدخلات وضُيعت الفرص التنموية، في مشهد يعكس فشلاً جماعياً مزمنا يُعزى إلى انعدام المسؤولية وانتشار ثقافة الفساد والمحسوبية على خلفية قبلية أفرغت القبيلة من نبلها وعطلت مسار الدولة السوية.
وفي خضم هذه الانتكاسات، تحولت القيم الدينية، التي من المفترض أن تكون منارة للحق والعدل، إلى وسيلة مفرغة من مضمونها. يُستغل الدين كغطاء يبرر السلوكيات المنحرفة ويحمي الرذيلة والنفاق. ولتتوالى المحاولات لتسويق المظاهر الدينية في مقابل غياب جوهرها، مما أفرغ القيم الروحية من محتواها وحوّلها إلى أداة للتلاعب وخدمة المصالح الشخصية.
وليست المشاهد التي نراها اليوم مجرد انحراف أخلاقي، بل هي انعكاس لخلل عميق في منظومة القيم التي تحدد سلوك الأفراد والجماعات. هذه المشاهد المخزية بالصورة والصوت، في البيوت والمطارات والمهرجانات الفارغة لا من الجون -وكلها تثير استياء العالم شرقاً وغربا- تعج بالرذيلة والاستهتار بالدين والأخلاق، وكأنها إعلان صريح عن استسلام المجتمع لحالة من الانحطاط والتخبط الحضاري الأعمى.
ولا يقتصر إصلاح هذا الوضع على الدعوات النظرية وحدها، بل يتطلب جهداً جماعياً يبدأ بإعادة التوافق على ضرورة بناء منظومة القيم وترسيخ المبادئ الأخلاقية. وعلى المجتمع أن يتجاوز السطحية وينتقل إلى مرحلة يكون فيها العمل على الارتقاء بالإنسان والمجتمع أولوية قصوى. ولا شك ذلك لن يتحقق إلا بتعزيز الوعي، وإعلاء قيم العدالة وترسيخ مفهوم الدولة وإقرار مبدا المساءلة وو، والعمل الجاد على استعادة مكانة الدين كمرشد حقيقي للأخلاق، بعيداً عن استغلاله لمآرب شخصية أو سياسية.
بالطبع، فإن تدارك ما يمكن من بقايا القيم والأخلاق يتطلب أولاً الاعتراف الصريح بحجم التحديات والانحرافات التي أصابت المجتمع، والتي أوصلته إلى حافة الانحدار الأخلاقي.
إن تسويغ أفعال المخنثين واعتبار تأثيرهم معيارًا للنبل الاجتماعي والرقي المدني طريقا إلى حياض الانتماء للمجتمع المتحضر من ناحية، وتعزيز مكانة المنافقين والغاوين وحماية النهبين من ناحية أخرى، يمثل منزلقًا خطيرًا.
فحتما لا بد من توجيه الضوء الكاشف إلى مكامن الفساد وأوكار الخفافيش ومخادر المومسات، ومسارح المثليين، وحانات السكر، وأماكن تعاطي الممنوعات، التي باتت تعيق المسار الطبيعي لبناء مجتمع سوي على أسس قادرة على مواجهة التحديات الجسيمة.
وإن التصدي لهذه الظواهر ليحتاج إلى مكاشفة شجاعة، ووضع سياسات جريئة وصارمة تهدف إلى اقتلاع الوباء من جذوعه واستعادة القيم التي أملاها الدين الصحيح، وإصلاح بنية المنظومة الأخلاقية التي استقت منه في الماضي بعض قوتها.