مكتبات شنقيط: كنوز معرفية مهددة بتحديات بيئية وتقنية

تعد شنقيط، إحدى أهم المدن التاريخية في موريتانيا، مركزًا ثقافيًا ومعرفيًا يمتد عمره لقرون طويلة. كانت المدينة، التي تقع في شمال شرق موريتانيا، محورًا أساسيًا للتجارة والعلم في الصحراء الكبرى.

اشتهرت بمكتباتها العتيقة التي تضم آلاف المخطوطات القيمة التي تشهد على تاريخ طويل من الإبداع الفكري في مجالات متعددة، مثل الفقه والتاريخ والطب والفلك.

ورغم أهمية هذه المكتبات والكنوز المعرفية التي تحتويها، إلا أن هناك العديد من التحديات التي تواجه الحفاظ على هذا التراث الهائل.

أولًا: الكنوز المعرفية في مكتبات شنقيط

تعتبر مكتبات شنقيط مرجعية تاريخية، حيث تحتوي على مجموعة واسعة من المخطوطات النادرة التي توثق للعديد من العلوم والمعارف التي ازدهرت في العالم الإسلامي في العصور الوسطى. من أبرز تلك المخطوطات:

  1. العلوم الدينية: تحتوي المكتبات على مخطوطات فقهية، حديثية، تفسيرية، وغيرها من الكتب التي تخص العلوم الشرعية. تشمل مؤلفات لمفكرين وعلماء من مختلف أنحاء العالم العربي والإسلامي.
  2. العلوم العقلية والطبيعية: هناك أيضًا عدد من المخطوطات التي تناولت الفلسفة، والمنطق، والطب، والفلك، التي كانت تُدرس في تلك الفترة.
  3. التاريخ والجغرافيا: توفر بعض المخطوطات معلومات قيّمة عن تاريخ منطقة شنقيط وشمال إفريقيا بشكل عام، بالإضافة إلى خرائط وأوصاف جغرافية تتعلق بالصحراء الكبرى وطرق القوافل التجارية.

تعتبر هذه المخطوطات جزءًا لا يتجزأ من التراث الثقافي والعلمي للعالم العربي والإسلامي، مما يجعلها مصدرًا ثمينًا للباحثين في مختلف التخصصات.

ثانيًا: التحديات التي تواجه مكتبات شنقيط

رغم القيمة الكبيرة لهذه المخطوطات، فإن هناك العديد من التحديات التي تهدد الحفاظ عليها واستمرارها. ومن أبرز هذه التحديات:

  1. الظروف البيئية الصعبة: تعاني المكتبات في شنقيط من تحديات بيئية قاسية، خاصة في ما يتعلق بحرارة الصحراء، والرياح الجافة التي قد تؤدي إلى تلف المخطوطات مع مرور الزمن. الرطوبة المنخفضة جدًا والجفاف يساهمان في تسريع تدهور المواد الورقية.
  2. عدم توفر التقنيات الحديثة للحفظ: على الرغم من وجود بعض الجهود للحفاظ على المخطوطات، إلا أن الشح في الموارد والتقنيات اللازمة لحفظ هذه الكنوز يجعل الوضع أكثر صعوبة. فالكثير من المخطوطات لم تُرقم أو تُحول إلى نسخ رقمية، ما يجعل من الصعب الوصول إليها أو استخدامها من قبل الباحثين.
  3. قلة الاهتمام المحلي والدولي: رغم أهمية المخطوطات في شنقيط، فإن هناك نقصًا في الاهتمام المحلي والدولي بحفظ وصيانة هذه المكتبات. كما أن غالبية سكان المدينة يعتمدون على تقاليد شفهية لنقل المعرفة بدلاً من التركيز على الأبحاث المكتوبة.
  4. الافتقار للكوادر المؤهلة: هناك أيضًا نقص في الخبرات البشرية المتخصصة في صيانة المخطوطات وحفظها، وهو ما يتطلب تدريبًا موجهًا للجيل الجديد من المهنيين في هذا المجال.

ثالثًا: الجهود المبذولة للحفاظ على التراث

على الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجه مكتبات شنقيط، فقد كانت هناك بعض المبادرات للحفاظ على هذه المخطوطات:

  1. المشاريع التوثيقية: تعمل بعض المنظمات غير الحكومية والجامعات المحلية والدولية على توثيق المخطوطات وتحويلها إلى نسخ رقمية قابلة للبحث والاستعراض.
  2. التعاون الدولي: تساهم بعض المؤسسات الدولية في تقديم الدعم التقني والمالي لتطوير وسائل الحفاظ على المخطوطات في شنقيط.
  3. إعادة ترميم المخطوطات: هناك جهود قائمة لإعادة ترميم المخطوطات القديمة باستخدام تقنيات حديثة لتقليل تدهورها مع مرور الوقت.

رابعًا: التوصيات

لحماية هذه الكنوز المعرفية وضمان استمراريتها، يمكن اتخاذ العديد من الإجراءات، مثل:

  1. استثمار التقنيات الحديثة: ينبغي على الحكومة والمنظمات الدولية تطوير بنية تحتية رقمية لحفظ وتوثيق المخطوطات.
  2. التدريب والتعليم: يجب أن يتم تدريب الكوادر المحلية على تقنيات الحفاظ والترميم الخاصة بالمخطوطات.
  3. زيادة الدعم المحلي والدولي: تحتاج مكتبات شنقيط إلى دعم أكبر من قبل المنظمات الدولية والمتبرعين المحليين لضمان استمرارية المحافظة على هذا التراث المعرفي.
  4. إحياء الاهتمام بالتراث الثقافي: ينبغي نشر الوعي بين السكان المحليين حول أهمية هذه المخطوطات الثقافية وتعزيز فخرهم بها.

ختاما:

تعد مكتبات شنقيط كنزًا معرفيًا فريدًا يستحق المحافظة عليه للأجيال القادمة.

ورغم التحديات التي تواجه هذه المخطوطات من ظروف بيئية، نقص الموارد، والاهتمام المحدود، إلا أن هناك أملًا في الحفاظ عليها من خلال التعاون المحلي والدولي، واستخدام التقنيات الحديثة.

إن دعم جهود الحفاظ على هذا التراث هو أمر أساسي للحفاظ على جزء من الهوية الثقافية والعلمية للعالم العربي والإسلامي.

محمد أعليوت / شنقيط للموريتاني

زر الذهاب إلى الأعلى