احمد خطري يرد على داود ولد احمد عيشه…

الموريتاني : أتفق نسبيا مع ما ورد في مقال رئيس حزب اليمين المعلن (نداء الوطن) و صديقي السيد داوود ولد أحمد عيشة حول وحدة المجتمع البيظاني وأهمية الانتماء الثقافي كمعيار رئيسي لهوية الفرد. إن هذا الطرح يعكس فهمًا عميقًا للتاريخ الاجتماعي والثقافي لموريتانيا، ويقدم رؤية منسجمة مع الواقع، الذي لطالما أثبت أن القيم الثقافية والممارسات الاجتماعية أقوى من أي تصنيفات أخرى. وعلى هذا الأساس، يجب أن نتجاوز جميع العوائق التي تفرقنا ونبني مجتمعًا متماسكًا يرتكز على المبادئ الإسلامية العادلة التي تدعو إلى المساواة بين البشر دون تمييز.

  1. المجتمع البيظاني: وحدة ثقافية قبل أن تكون تصنيفًا عرقيًا

لا شك أن المجتمع البيظاني هو نسيج متكامل، حيث يمثل الانتماء إليه بُعدًا ثقافيًا أكثر منه عنصرًا بيولوجيًا. فكل من يتحدث الحسانية، ويرتدي الدراعة، ويستمع إلى التيدينيت، يشترك في هوية ثقافية واحدة، بغض النظر عن لون بشرته أو أصوله التاريخية. هذا الفهم يعزز التلاحم الوطني ويدفع نحو تجاوز النظرة الضيقة التي تركز على العرق بدلاً من الثقافة.

  1. تجاوز التصنيفات الطبقية نحو مجتمع أكثر تكافؤًا

كما أشار المقال، فإن مفهوم “الحرطاني” ليس إلا تصنيفًا طبقيًا شبيهًا بمسميات أخرى داخل المجتمع البيظاني مثل “العربي” و”الزاوي” و”إيكيو” و”لمعلم”. ومثلما تمكن العديد من الشخصيات من تجاوز هذه التصنيفات وإثبات جدارتهم في مختلف المجالات، يبقى الباب مفتوحًا أمام الجميع لتسلق السلم الاجتماعي بناءً على الكفاءة والعمل والاجتهاد ( شريطة مد اليد للضعفاء منهم و تساويهم في الفرص)، وليس على أساس التصنيفات المتوارثة.

  1. الإسلام والتقاليد البيظانية: أساس العدل والمساواة

إن القيم الإسلامية التي يقوم عليها المجتمع البيظاني منذ القدم تؤكد أن “لا فرق لعربي على عجمي إلا بالتقوى”، وهي القاعدة التي استند إليها هذا المجتمع في تقدير الأفراد على مر العصور. وما استشهاد المقال بمقولة الفاروق عمر بن الخطاب “ضاع النسب” إلا تذكير بأن معايير التفاضل في أي مجتمع سويّ يجب أن تستند إلى التقوى والعمل الصالح، لا إلى لون البشرة أو الأصل العرقي.

  1. ضرورة التكيف مع العصر ونبذ العوائد السلبية

على المجتمع البيظاني أن يتفاهم مع العصر ويتكيف معه، ملتزمًا بتعاليم ديننا الحنيف، فمن غير المنطقي أن نبقى أسرى تصنيفات طبقية متوارثة تعيق تطورنا وتتنافى مع مبادئ الإسلام، الذي جعل التفاضل بين الناس مبنيًا على العمل الصالح وليس على النسب أو اللون.

نحن في موريتانيا أربعة ملايين نسمة، لكننا نقسم أنفسنا إلى طبقتين رئيسيتين: البيظان ولكور. ورغم أن البيظان يمثلون الأغلبية، إلا أن هذا المجتمع نفسه يعاني من تقسيم داخلي إلى أربع طبقات: البيظان الذين لم يعانوا من الرق، وهم الأكثرية – لحراطين – لمعلمين – إيكاون.

أما لكور، فهم أيضًا منقسمون إلى ثلاث طبقات رئيسية:البولار – السونكي – الوولف.

إن هذا التقسيم الداخلي يعوق مفهوم الدولة، ويمثل جرحًا في العقيدة الإسلامية، كما يعيق التنمية، بل ويهدد كيان الدولة نفسها، لأنه يحمل في داخله نواة الفتن والصراعات التي قد تتحول إلى حروب أهلية إذا لم يتم تداركها.

  1. وحدة المجتمع ضرورة لبناء الدولة وتأمين المستقبل

موريتانيا بحاجة إلى جميع أبنائها دون استثناء، خاصة في ظل التحديات التي تواجهها، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي. فنحن نعيش في منطقة مضطربة ومحاطة بتحديات أمنية وسياسية، ومع ذلك، لا يزال مجتمعنا منشغلًا بخلافات داخلية مبنية على اعتبارات طبقية لا تخدم أي طرف.

إن بلادنا مليئة بالخيرات التي تفوق حاجات أبنائها، ولو اجتمعنا يدًا بيد في معركة البناء والتنمية، لحققنا الازدهار الذي نصبو إليه جميعًا. علينا أن ندرك أننا محل أطماع دول تحسدنا على ما آتانا الله من نعم، ونحن في الوقت نفسه لا نمثل كثافة سكانية كبيرة مقارنة بجيراننا، مما يجعل انقساماتنا الداخلية أكثر خطورة على مستقبلنا و تدفق الاجانب بكثرة علينا تهدد السكينة. وما حادثة محاولة اغتيال المدير الإداري والمالي لوزارة العدل قبل أيام إلا تذكير بأن الأمن والاستقرار يجب أن يكونا على رأس أولوياتنا.

مقارنة بدول الجوار، نحن عدد قليل، فكيف لنا أن نحقق القوة والاستقرار إذا كنا متفرقين؟ إذا كنا مجتمعين، يمكننا أن نحقق التنمية، فكيف إذا كنا ممزقين بسبب طبقية بائدة نهى عنها ديننا الحنيف؟

آن الأوان لنترك كل ما يفرقنا ونوجه جهودنا نحو الوحدة والعمل المشترك، لأن مستقبل موريتانيا لن يبنيه إلا أبناؤها، وإذا بقينا أسرى للتقسيمات التي تعيق تقدمنا، فسنجد أنفسنا عرضة للأخطار الداخلية والخارجية. يجب أن نضع موريتانيا فوق كل اعتبار، ونلتزم بمبادئ ديننا التي تدعو إلى العدل والمساواة، حتى نحقق نهضة حقيقية

زر الذهاب إلى الأعلى