حندي ولد آغا… قصة كفاح ورحلة مجد

في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، في بوادي الترارزة، ولد رجل لم يكن كباقي الرجال، بل كان قدراً مقدراً لصناعة مجد يليق بالعصاميين الذين لا يتجنبون صعود الجبال. إنه حندي ولد آغا، ابن الصحراء الشامخة، الذي شق طريقه وسط الحياة بعزم لا يلين وإرادة لا تنكسر.

النشأة… حيث بدأت الحكاية

نشأ حندي في كنف أسرة اجواجية كريمة ، تربى على القيم الأصيلة، وتلقى تعليمه المحظري مبكراً، فنهل من ينابيع العلم ما جعله متميزاً بين أقرانه. كان لبيئته الصحراوية أثر بالغ في تشكيل شخصيته، إذ زرعت فيه الصبر وقوة العزيمة، وغرست في قلبه عشق الطموح الذي لا يعرف الحدود.

الرحيل إلى السنغال… أولى خطوات الكفاح

لم يكن حندي ممن يرضون بالبقاء داخل دائرة المألوف، فقد كان يؤمن بأن النجاحات العظيمة تبدأ بالمغامرات الجريئة. حمل أحلامه الكبيرة، ورحل إلى السنغال، حيث بدأ رحلته في التجارة، متحدياً كل الصعوبات التي تعترض طريق كل شاب يافع خرج يبحث عن فرصة في عالم المال والأعمال. لم يكن الطريق مفروشاً بالورود، لكنه كان يدرك أن الصبر مفتاح الرزق، فاستمر حتى ترك بصمة في المجال.

الإمارات… حين ينادي المجد أهله

حين فتحت الإمارات العربية المتحدة أبوابها لاستقطاب الكفاءات من أبناء موريتانيا، كان حندي من أوائل الذين تم انتقاؤهم للالتحاق بسلك الشرطة هناك. لم تكن الغربة بالأمر السهل، لكنها لم تزده إلا قوة وصلابة. كان مثالاً للأمانة والجد في العمل، وحقق نجاحاً لفت الأنظار، ليصبح نموذجاً مشرفاً للرجل العصامي الذي يبني مجده بعرق جبينه.

اليد البيضاء… الخير الذي شهد به القاصي والداني

لم يكن حندي ولد آغا مجرد رجل ناجح في مسيرته المهنية، بل كان صاحب قلب رحيم، يساعد المحتاج، ويمد يد العون لكل من طرق بابه. كان بيته ملاذاً للمسافرين، وكان سخاؤه يفيض على من حوله دون أن يسأل عن مقابل. فقد شهد له القاصي والداني بكرمه وجوده، وكان كل من عرفه يحمل في قلبه ذكريات جميلة عن مساعداته ووقفاته النبيلة في لحظات الشدة.

لم يكن يفرق في إحسانه بين قريب أو بعيد، ولم تكن حاجات الناس تمر أمامه دون أن يسعى لسدها. كان رجل خير بأفعاله قبل أقواله، ولذلك كان رحيله خسارة فادحة لمن عرفوه، فقلّما يجود الزمن بأمثاله.

الوداع المهيب… شاهد على حب الناس

في الخامس من مارس 2025، أسلم حندي ولد آغا روحه إلى بارئها في مدينة ديجون الفرنسية، بعد أن خطّ اسمه في سجلات الرجال العظماء. لكن العظماء لا يموتون في قلوب الناس، بل تبقى ذكراهم حيّة، شاهدة على أثرهم الطيب.

لم تكن جنازته جنازة عادية، بل كانت مشهداً مهيباً يليق برجل أفنى عمره في العطاء. لقد جاء المعزون من كل حدب وصوب، رجالاً ونساءً، صغاراً وكباراً، كلهم جاؤوا ليودعوا الرجل الذي لم يبخل عليهم يوماً بمحبته وخيره. إن حجم الوفود التي توافدت للتعزية، كماً ونوعاً، كان شاهداً على مكانته في قلوب الناس، فما اجتمع هذا الجمع الغفير إلا حباً له وتقديراً لسيرته العطرة.

مقبرة الشهداء… رسالة وموعظة

حين دفن حندي ولد آغا في مقبرة الشهداء بترتلاس، كان في ذلك رسالة وموعظة لأولي الألباب. فقد عاش حياته فارساً في ميادين الكفاح، ورحل محاطاً بمحبة الناس، ثم اختتمت رحلته في جوار الشهداء، وكأن القدر أراد أن يضعه بين الذين خلدوا أسماءهم ببطولاتهم وتضحياتهم.

إن في وفاته عبرة لمن يعتبر : أن العظمة ليست في المال ولا في الجاه، بل في الأثر الذي يتركه الإنسان في حياة الآخرين. وأن المجد الحقيقي لا يُكتب في الصحف، بل يُحفر في القلوب، وهذا ما فعله حندي ولد آغا.

الختام… دروس من حياة رجل عظيم

إن قصة حندي ولد آغا ليست مجرد سيرة شخصية، بل هي درس ملهم لكل من يؤمن بأن النجاح وليد العزيمة، وأن العظمة لا تأتي لمن ينتظرها، بل لمن يسعى إليها مهما كلف الأمر. لم يكن طريقه سهلاً، لكنه مشى فيه بثبات، فوصل إلى حيث لم يصل كثيرون.

رحلة حندي هي رسالة لكل شاب طموح : لا تخف من البدايات المتواضعة، ولا تهاب العقبات، فالمجد لا يُهدى بل يُنتزع، ومن أراد العلا، فلا بد أن يتعب في سبيله. وقد تعب حندي ولد آغا، لكنه في النهاية، ربح الخلود في ذاكرة الناس وقلوبهم.

محمد عبد الله ولد احبيب

زر الذهاب إلى الأعلى