الملك الأسد.. ومسجد ولد داداه \ محمد ناجي أحمدو

تعرفون جميعا الهند الصينية، وهي عبارة أطلقها المستعمرون الفرنسيون قبل قرون على برزخ يضم شعوبا ليست صينية ولا هندية، وإن كانت تتأثر بالبلدين تاريخيا وجغرافيا.
المصطلح الدقيق والمحدد لعبارة الهند الصينية، يعني ثلاثة بلدان: هي: فيتنام وكمبوديا ولاوس.

فيتنام يعرفها الجميع عن طريق حروبها ومعاركها المستميتة من أجل طرد الأجنبي، ومن خلال أيقونتها هوتشي من..
ولاوس بقية مما أسأر المعكسر الشرقي من الحكومات الاشتراكية، فرغم مرور 34 سنة على عصف الرياح بالاتحاد السوفييتي، وتفكيكه إلى 16 دولة، فإن نظام فيينتان (العاصمة اللاوية)، ما زال يرسم في الدستور أن الجمهورية اشتراكية، وفيها حزب واحد هو حزب الدولة والشعب.
لم تنح سلطات لاوس منحى أبناء كيم في بيونغ يانغ، والذي يرمى الجميع عن قوس واحدة، وينابذ جهارا نهارا من لا يتقاسم مع الديكتاتور – الصنم أفكاره ورؤاه “المعصومة”، بل انخرطت عن وعي في المسار الدولي المشترك، وانضمت إلى منظمة التجارة العالمية، ووقعت اتفاقا تجاريا مع العم سام، والأمور تسير طبيعية في ذلك البلد، الذي يندر أن يرد في نشرات الأخبار أو برقيات وكالات الأنباء.
الضلع الثالث لمثلت الهند الصينية هو كمبوديا، هل تعرفون كمبوديا؟ من كانوا يتحلقون حول الإذاعة في الثمانينات والتسعينات يعرفون رجلا اسمه الأمير نورودم سيهانوك.
هذا الأمير – على الأصح الملك، حيث بويع بالملك (بويع بالملك عبارة تراثية مكانها الأصلي تاريخ الخلفاء للسيوطي) وهو لما يتجاوز الثامنة عشرة من عمره – هذا الأمير زار موريتانيا مرتين إحداهما في السبعينات خلال حكم الرئيس المؤسس المختار ولد داداه، والثانية في الثمانينات خلال حكم الرئيس محمد خونا ولد هيدالة.
كما زار المختار ولد داداه كمبوديا، واستقبله الملك نورودوم بحفاوة، وسعى الرئيس المختار – على الأغلب نتيجة طلب من عمداء الجالية المسلمة في كمبوديا – لبناء مسجد للمسلمين في بنوم بن، ووضع هو وصديقه سيهانوك الحجر الأساس للمسجد، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فقد تم الانقلاب على الأمير، وحول الخمير الحمر المسجد إلى حظيرة للخنازير، قبل أن يصبح مقرا عسكريا، وقبل أعوام تمكنت الجالية المسلمة عن طريق دعم فاعل خير إماراتي من بناء المسجد الحلم، بعد مسار من الانتظار وتداول الأرض بين المالكين والمغتصبين قارب الخمسين سنة.
نورودوم سيهانوك ، اسمه الشخصي سيهانوك، والقوم يقدمون الاسم العائلي على الاسم الشخصي، كما يفعل الكوريون، تولى الملك بقرار فرنسي مطلع الأربعينات، وهو في الثامنة عشرة، بعد وفاة جده، حيث تم تجاوز أبيه عمدا.
معنى اسم نورودم باللغة المحلية اسم الأسد، وكان الرجل أسدا عند الاقتضاء..
كان الفرنسيون يظنون أنهم عن طريق تنصيب الملك الطفل سيحصلون على ملك مطيع منفذ لأوامرهم، ولكن سيهانوك كان عكس ذلك، حيث سعى خطوات واثقة، حتى حقق بالسياسة والمراوغة والمفاوضة استقلال بلاده في 9 نوفمبر 1963.
بل شق لكمبوديا طريقا يبسا بين الولاء للمعسكر الغربي والبراء منه، وصدح في مؤتمر باندونج المشهود (1955)، داعما أقانيم عدم الانحياز: سوكارنو، نهرو، تيتو، ناصر.
بعد ما حقق الاستقلال تنازل الملك نورودوم سيهانوك لأبيه الملك نورودوم سوراماريت، واكتفى برئاسة الوزراء.
جاب رئيس الوزراء – الملك سابقا ولاحقا- الشرق والغرب، في إطار خدمة بلاده وتعزيز علاقاتها مع العالم.
لكن، فجأة أطاح الانقلابيون بالحكم الملكي، ورئيس الوزراء في زيارة لحلفائه الصينيين، عام 1970، ودخلت كمبوديا فترة حمراء قانية، الحمرة من الشيوعية والدم كليهما، كان حمام دم كبير بتوقيع متمردي الخمير الحمر، استمر أربع سنوات، وراح ضحيته ما لا يقل عن مليون شخص.
بعدها عاد الملك إلى قصره، واختاره الشعب رئيسا للوزراء ثم ملكا من جديد، ليتنازل للمرة الثانية عن العرش، هذه المرة لابنه الأصغر نورودم سيهاموني.
في 15 أكتوبر 2012 بعد عمر طويل قارب التسعين سنة شمسية ، توفي في بكين الأمير والملك ورئيس الوزراء نورودم سيهانوك، وأعلنت كمبوديا الحداد العام على بطل استقلالها، وأبرز عناوينها الكبرى خلال ما يقترب من ستين سنة.
ومن الصدف أن صديقه المختار ولد داداه توفي في 14 أكتوبر 2003، بفارق تسع سنوات ويوم واحد.
يجمع الرجلين أنهما كانا أبوي استقلال بلديهما، ويشتركان الثقافة الفرنسية الرصينة والمركزة.

زر الذهاب إلى الأعلى