الإعلام الموريتاني.. تراجع مستمر في التصنيف وتصاعد في الشعبوية..

لم يتوقف الحقل الصحفي في بلادنا عند تراجعه 17 درجة، عما كان عليه في العام الماضي، رغم تصدره في نقاط أخرى.
يأخذ هذا التراجع أكثر من لون مع تسيد الفجائية واللامهنية للحقل الصحفي، وتصاعد قوة وسائط التواصل الاجتماعي، وتسيد الشائعات وغياب روح الإنتاج الإعلامي..
لقد أخذت الصحافة قوتها أيام كانت موجهة بروح فكرية وتطويرية، كان للدولة إعلامها وللتيارات السياسية والفكرية والنقابية إعلامها، كان يومها رغم ما يقال عنه من إديولوجية كان إعلام قضية وسجال نخب وإنتاج أقلام مبدعة، تحدت الأحادية وسلطة العسكر، وظلت تتوثب بقوة من أجل مد بساط الحرية.
ثم جاءت حرية على مقاسات محددة منتجة للعشوائية، مثمرة للسطحية والتمييع، ومع ذلك ظلت الصحافة تقاوم، ثم جاء الطوفان العظيم بعد ذلك مع فوضى وسائط التواصل الاجتماعي، عندما ارتفع سقف الحرية، وهبطت المسؤولية والمهنية.
إن المؤلم الآن أن الإعلام هو الحامي الأول لنقاط الضعف وممارسات الفساد، فلكل مفسد جيش من الإعلاميين، ولكل مراب وممتص لدم الشعب وعرقه، وكل مثر من التمكين للخرافة والدجل جيش من الإعلام.
أصبح أيضا للعنصرية والتفرقة الاجتماعية، أذرع إعلامية متعددة، وللخروج على القيم الإسلامية والوطنية دفاعات إعلامية بل وهجومات إعلامية قوية.
لم يبقى من روح الإعلام سوى الحرية الوهمية، التي تتقلص بين الحين والآخر، أما تمهين القطاع والرفع من مسؤوليته، وتمكينه من فرص التنافس النوعي، والاستثمار في المؤسسات الإعلامية الجادة، فكل ذلك غائب “عجل الله فرجه”.
هنالك صرف هائل باسم الإعلام لا ينال منه الإعلام نصيبا سوى الفتات الممزوج بمرق الأمن والأى، الذي يأتي عبر صندوق دعم الصحافة، أما الزبونية الخاصة والمصالح الضيقة فتستنزف سنويا مئات الملايين من المال العام دون جدوى.
دعوكم من الخرجات الكرنفالية والمهرجانات فلم يسلم مهرجان واحد من النقد الوجيه ونقاط القصور والترهل وتهم بإذكاءالزبونية رغم إنفاق المليارات.
لقد ظل وزراء القطاع في السنة الأخيرة يتغنون بتقرير صادر من منظمة عادية يعطي لموريتانيا بعض النقاط ويرفعها في ظل تصنيفه.
واليوم عادت نفس المنظمة لتخفض تصنيف موريتانيا 17 درجة على سلمها، فما أنتم فاعلون أيها الوزراء..
الحقيقة أنكم أدرى بالقطاع وبواقعه وتحدياته ولستم بحاجة لمحاضرة من أحد أو تزكية من منظمة مغمورة لايسلم عرضها من الغمز واللمز.
وتدركون أن جوهر المشكلة غياب السياسة الوطنية الموحدة تجاه الإعلام، ولذلك لم يعد سرا ولا غريبا أن يشكو النظام من ضعف إسناده الإعلامي لأنه ترك لوبياته السياسية والمجتمعية تستثمر في الإعلام لترسيخ تناقضاتها، وحساسيتها ولتضخيم مواقعها ونفوذها وأدائها الصفري في أعين المواطنين..
دعونا نتفق على أن ما ينقذ الإعلام هو المهنية والمسؤولية، التامة والاستثمار الحر والتنافسية الفعالة، وليس صراع اللوبيات وخلق الأوزان الإعلامية المختلة، ممن لا يقيم للمهنية ولا للحقيقة وزنا..
موقع الفكر