محمد فال ولد بلال لموقع الفكر: الرئيس الغزواني أعاد للرئاسة معناها وبلدنا مهدد بانهيار حضاري عميق( مقابلة)

قال الوزير السابق المفكر محمد فال ولد بلال إن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني أعاد لمؤسسة الرئاسة معناها، باعتبارها مؤسسة فوق التخندقات والخلافات، بعد أن كانت مؤسسة تختصر فيها الدولة، ودعا ولد بلال إلى تخفيض سقوف الطموح، حتى تتجاوزنا الأزمات التي غرقت فيها عدد من دول الإقليم.
وأضاف ولد بلال في مقابلة خاصة مع موقع الفكر أن وسائط التواصل الاجتماعي تهدد موريتانيا بانهيار حضاري عميق، وتصنع سقفا من قيم التفاهة، وعلينا أن نسرع في ضبطها ومواجهتها بما يضمن استقرار هوية موريتانيا..
نص المقابلة
موقع الفكر: يسود في الساحة خطاب تسطيحي في مضامينه، إشكالي في أطروحاته، وصاخب جدا في لغته وأسلوبه، ويمكن القول إن لغة الشتيمة والسباب ومواضيعها، باتت الأكثر ترددا في الخطاب السياسي والإعلامي الوطني وغاب إلى حد كبير الطرح والنقاش الموضوعي، كما غابت اللغة الهادئة والأسلوب المذهب فما أسباب تراجع هذا، وتصاعد ذلك؟
محمد فال ولد بلال: بودي أن أشكركم أولا، وأنا سعيد بمقابلتكم لأنكم تمثلون الفكر، وتحملون بجدارة هذا العنوان، والحقيقة أن الوضع السمعي البصري موبوء وملوث، والإشكال عميق جدا، وقد عرفنا هذا المجتمع غيورا على مجده وكرامته وشرفه، يعتبر المكانة وحسن الصيت، والأخلاق والسلوك مطلبا فطريا للإنسان، وأمرا علويا ينبغي التصاعد نحوه، والوصول إليه.
وكنا نعتقد أن الإنسان – أي إنسان – يحتاج دائما إلى محاذاة قدر من السعي إلى الكرامة وحسن الصيت والشرف، ولكننا مع بداية الألفية الثالثة هذه، ومع عقديها الأخيرين، بدأنا نلاحظ تحولات اجتماعية رهيبة، يرافقها سقوط مدو لأخلاقيات المجتمع، وانقلاب جدي في سلم القيم، وهكذا لم يعد الشرف ولا الكرامة ولا الشهامة محل طلب من أي أجد.
وأصبحت المكانة هي المطلوب فقط، وهي مكانة مرتبطة بالمكان من كرسي أو مال أو جاه أو الإعلام البديل، وهذه كارثة مجتمعية، وهي الخلفية الإيديلوجية الحقيقية لما ذكرتم من سقوط لفظي وعقلي ومن خطاب كراهية سائدة اليوم.
أدري أن وسائل التواصل الاجتماعي ضرر أو شر لا بد منه، يفرض نفسه وندري، أنها سلاح ذو حدين، قد يفيد في إنارة المجتمع ومراقبة الحكومات، ووضع الأصابع على محل الخطأ، إلا أنها بالقدر ذاته، قد تكون أداة هدم للمجتمع، ونيل من أعراض الناس، وتفتيت وهدم للثوابت، وعليه لا بد من وضع رقابة على هذه الشبكات، ولا بد من ضبط الساحة المرئية المسموعة في البلاد.
وهكذا رأينا – حتى في الديمقراطيات الغربية العميقة- بدأوا محاسبة أنفسهم على هذه الشبكات، ووضع اليد عليها، وهكذا فإن التيك توك الذي هو أسوء هذه التطبيقات أصبح ممنوعا في الهند، ذات التاريخ الديمقراطي العميق، كما أنه أيضا ممنوع في أمريكا، وهو بصدد التحريم إذا لم تستوعب تيكتوك الأمريكي خطر تيكتوك الصيني، وهو أيضا محرم على الموظفين في فرنسا وبريطانيا، وعلى أعضاء البرلمان والمفوضية الأوربيين، إلى غير ذلك من الدول التي بدأت محاولات ضبط هذا الفضاء المبعثر، لأنها تواجه من خلالها خطرا يهدد الصيرورة العامة للمجتمعات.
ومع ما يجري من الإثارة لم يعد مطلوبا من الإنسان أن يتميز في المجالات التي كانت ميدان تنافس بين العقلاء، يكفي أن يكون مدونا وأن يكون رائعا، وأن يكون كاتبا بارعا في لغة الهجاء والذم، وليكون مثيرا ونجما في سماء الفضوليات.
ولذلك تجد اليوم صعوبة شديدة في تربية الأطفال تربية صحيحة، فهم مسلوبو الإرادة، فعندما تقول لهم إن الوصول إلى النجومية أو التميز يتطلب منكم التميز في الدراسة، يتطلب الأخلاق، القيم، الشرف، الثبات، الالتزام، يقولون لك: أين هذا مما نراه من حولنا، وهنا لن تجد جوابا، لأن ما يرونه حولهم ممن بلغ النجومية، هم أشخاص لا يحملون بضاعة غير التفاهة والسخافة.
وعندما تقول للأطفال إن الوصول يتطلب الجهد والعمل، لأن من سبقوكم عملوا وضحوا، سيردون بهدوء: أين هذا مما نراه، لأنهم يرون من حولهم أشخاصا حصلوا المراتب العليا والمكانة المالية والمجتمعية، ولكن مقابل التنازل عن الكرامة والشرف.
الأمر إذا بالغ الخطورة، ويحتاج إلى معالجة سريعة، لأن الحضارات لا تباد بالحروب ولا الأوبئة، إن الحضارات لا تغتال، وإنما تنتحر من داخلها، وتبني ومسايرة الغزو الفكري والتفاهة هو نوع من الانتحار بالنسبة للحضارة الموريتانية، خاصة أن مصدر هذا التفاهات بدأ يراجع نفسه، وبدأ يصرخ من ألم من آلت إليه هذه الفوضى وصدارة التفاهة
موقع الفكر: ما أكبر تحد تواجهه الثقافة الموريتانية؟
محمد فال ولد بلال: التحديات داخلية، وتتعلق بإدارة ثوابت ومتغيرات المجتمع الموريتاني، بحيث لا تجرفه العولمة، ولا تمحو خصوصيته، وكثير من الناس لا يهتم بهذا المعطى، يعيش حياته دون اهتمام بالموقف من الهوية، وهل يعرف بالفعل أن هذه الهوية تمرض وتتأثر وقد تضيع وتفقد.
موقع .الفكر: ما أهم ملاحظاتكم على قانون الأحزاب؟
محمد فال ولد بلال: السؤال الأول هو هل نتاج فعلا إلى قانون للأحزاب؟.
ففي بعض الدول لا يوجد قانون للأحزاب، نظرا لأن المواطن بلغ درجة من النضج والتسيس وحسن إدارة الشأن العام، ما أغناه عن قانون يؤطر أداء الأحزاب والنشاط السياسي للمواطن، ففي بريطانيا لا يوجد قانون للأحزاب السياسية، حيث أن الأحزاب تسير نفسها ذاتيا وتعرف ما لها وما عليها.
توجد أيضا دول مثل الكويت تنظم انتخاباتها، ولا توجد فيها أحزاب سياسية، وانتخاباتها من أحسن ما تكون، والحالة السياسية تضبطها مؤسسة دستورية ذات معالم محدودة ومعرفة
ولأننا طبعا لم نصل في أدائنا وممارستنا السياسية إلى أي من الحالتين، فنحن بالفعل بحاجة إلى قانون لتنظيم الأحزاب السياسية، خصوصا بعد قرابة ثلاثة عقود ونصف، من إقرار التعددية السياسية، وهو ما يدعونا إلى مراجعة أنفسنا وتقييم مسيرتنا الثلاثينية، من حيث تأسيس الأحزاب، وشروط عملها واستمرارها، تمويلها، تأطير ولوجها في الساحة، و هنالك إذا الكثير مما ينبغي أن يراجع..
وقد كانت هذه المراجعة مطلبا للجميع، ونحن الآن أمام قانون جديد، ولا أقول إنه كامل وتام، لكن أقول أنه قابل للتجريب، حتى تظهر فوائده، وتظهر أيضا مواطن الخلل فيه من خبرة سياسة ومن كياسة، ومن معرفة بأطراف المشهد السياسي، وهو ما يؤهله للقيام بهذا الدور.
وأعتقد أنه مجحف في بعض شروطه، وخاصة شرط خمسة آلاف شخص للتزكية، وهو عدد كبير جدا، وتكفي ما بين 2.500-3.000 شخص لتزكية حزب سياسي.
وحسب ما قيل لي فإن هنالك أربعة أحزاب دخلت فعلا إلى المنصة بعد أن اجتازت مرحلة تزكية 5.000 مواطن، ومن بينهم حزب جمع الذي أنتمي إليه برئاسة الأخ محمد جميل ولد منصور، وأحزاب أخرى..
وفي كل حال فلا يوجد قانون إلا وهو قابل للقراءة بشيئ من الصرامة أو شيئ من المرونة، وضمن قراءات وتطبيقات القانون يجد كل الراغبين في تشكيل الأحزاب بعض ما يريدون.
وبشكل عام أنا لست مقتنعا بأن على كل سياسي أن يكون له حزب، بل هو مظهر متخلف، و يظهر الطموحات الفردية، أكثر من الطموح المجتمعي، الذي يتطلب الألفة والتكامل والاجتماع، وإذا سلمنا بأن الحصول على حزب سياسي هو حق، فإنه بالضرورة أيضا ليس واجبا، على كل أحد، ولدينا على سبيل المثال بعض الدول التي لايزيد عدد الأحزاب فيها على الاثنين..
والحقيقة أن هذه الأهمية التي تمنح للحصول على الأحزاب السياسية، لو بذل نصفها في جمع الأحزاب السياسية وتقاربها، لكان العائد الديمقراطي والفكري أكبر
موقع الفكر: دعوات الحوار السياسي متواصلة منذ عقود، فهل هنالك ضرورة بالفعل إلى حلقة جديدة من الحوارات؟
محمد فال ولد بلال: الحوارات السياسية تنعقد لإنهاء حالة أزمة، أو حالة حرب، أو حالة نقص في المؤسسات، وهذه هي القاعدة العامة، لكن مالذي يمنع مجتمعا أو دولة أن يجتمع في ظروف السلم والأمن والأمان، لتقييم أحواله الداخلية والأمنية، واستخراج الإجراءات والأطروحات التي يحتاجها للتحسين والتطوير، لا أرى مانعا في ذلك.
إن الحوارات التي تنعقد تحت سماء هادئة، تكون فيها القلوب أكثر انشراحا وانتباها، وتكون النتائج المتوقعة أفضل، ورئيس الجمهورية بدعوته هذه يلبي مطلبا طرحته القوى السياسية منذ أكثر من عقود، ويفتح الباب لنقاش حول ما ينبغي أن نكون عليه في مختلف المجالات سياسيا وإداريا وتنمويا، حتى نصل إلى حكامة ناجعة
وبهذا أعتقد أن الحوار قيمة معنوية مهمة، وأدعو الجميع إلى حضوره وتجريبه، وعندما ألقى نظرة إلى الوراء، أذكر أن نظام الرئيس السابق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، ولن تجد نظاما أقوى منه أمنيا وسياسيا وعسكريا وحضورا واكتساحا للساحة، ولكن هذا لم يساعد على البقاء، وفي الطرف الآخر لن تجد حركات سياسية وأكثر انتشارا وتضحية وأقوى وأصدق فيما عندها من جبهة أحزاب المعارضة، ومن لاكود، ومن الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية، ومن منتدى أحزاب المعارضة، هذه حركات قوية ناضلت وطرحت رؤاها وصمدت، ولها قادة عظام ومؤثرين لن تجد لهم مثيلا، أحمد ولد داداه، مسعود ولد بلخير، المصطفى ولد بدر الدين، محمد ولد مولود، حمدي ولد مكناس رحمه الله تعالى، أحمد ولد سيدي باب وغيرهم من الرموز الكبار، لكنهم لم يصلوا إلى ما يريدون، لأن الأزمة أزمة نظام سياسي، والحل دائما في الحوار وصناعة القيم والثوابت المشتركة، وبغياب هذه الحوار وتلك الثوابت لا بد أن يسقط النظام دون أن تصل المعارضة.
علينا أن نضع مواضيعنا على الطاولة وأن نتبادل فيها الرأي والنقاش بعقلية لا غالب ولا مغلوب، ونحول اتفاقنا إلى قرارات قابلة للتطبيق ونتابع تطبيقها، ونحدد ما اختلفنا عليه لتواصل الأجيال النقاش حوله.
وأعتقد أن الجو مناسب لذلك، وأن رئيس الجمهورية أحسن الاختيار بتعيين موسى افال منسقا للحوار لما يملكه من مؤهلات..
وأعتقد أننا في مرحلة استطلاع الآراء، من سيشارك وماهي المواضيع، وما هي صلاحيات هذا الحوار، وكيف ستتم متابعته، وعندما تظهر كل الآراء، ينبغي لجهة الإشراف أن تصوغ الآراء التوافقية والخلاصات النهائية لندخل في عملية الحوار
موقع الفكر: تثار قضية الوحدة الوطنية ومشاكلها، ومخلفات الرق، وأزمات الإرث الإنساني، وهنالك من يقول إن هذا الخطاب تجاهل الضرر الذي لحق مثلا بالموريتانيين في السنغال جراء أحداث 1989؟
محمد فال ولد بلال: أنا لست ممن يخافون على الوحدة الوطنية، لأنها راسخة رسوخ التاريخ والإسلام والأرض، وإنما أخاف على الحضارة والانهيار الداخلي والمجتمعي، وهو انهيار لكل مكوناته، المؤكد أن المصير موحد، وأن ما يتعرض له هذا المكون سيتعرض له الجميع.
وفي تاريخ هذا البلد لم يعش حربا أهلية عرقية، بين طوائفه، وفي المدارس والثكنات العسكرية، تقع مناوشات وخلافات طبيعية، لكن ركائز هذه الوحدة لم تتضرر على مدى التاريخ، ذلك أن هذا الشعب شعب عظيم وعاقل، وأتعجب من يقول أو يصفه ب عبارات مثل ” أهل لخيام، الدخن” متجاهلا أنه شعب من أعظم شعوب المنطقة.
لما تشكلت هذه الدولة سنة 1960، قيل إنها لم تصمد عاما واحد، فلم تكن تملك كلم واحدا معبدا، ولا عشرة أطر يتحدثون غير لغتهم الأم، ولا حتى عاصمة، لم يكن هنالك وجود ولا إرشيف، وقد وصلت إلى ما وصلت إليه الآن ثابتة الوجود والأركان، والحروب من حولها والتوترات والأطماع الإقليمية، والفضل في ذلك يعود إلى الشعب، وهو شعب يعرف متى يصعد، ومتى يخفض، صبور جدا، ويعرف كيف يتكيف مع كل الأوضاع.
فقد مرت به أوضاع صعبة مثل الجفاف، وحرب الصحراء، ووباء الكوليرا، وتصدى لها بهدوء، والعار اليوم على الشباب، فبدل النبذ والشتم، ينبغي أن نرفع صوتا جديدا من أجل الوطن.
وعلى كل حال من الأمثال والقيم الشهيرة عندنا أن ” الأجواد الا عن شي طرش” ولدينا مبدأ إسلامي عظيم هو مبدأ الإعراض ” وأعرض عن الجاهلين”
والناس تعرف كلها، سواء نطقت بخطاب جارح أو ساقط أو بكلام حكيم وعاقل، أن مصير البلد واحد.
إن التحدي العميق ليس بين الأعراق، وإنما هو بين الفقر والهشاشة وبين السياسات الحكومية، لن يضيع شيئ إذا هتف الحراطين نحن حراطين أو هتف الزنوج نحن زنوج.
حياة هذا المجتمع تكاملية تشبه تضاريسه التي تتشكل من روافد ومصاب، وكذلك فإن مختلف الأعراق والقوميات إنما هي روافد ومصاب لبعضها وبعض.
وقد أكدت التجارب أن أسوء ما يكون في السياسة هو المواجهة بين اثنين، وعندما تتعدد الأطراف على الطاولة تتعدد الآراء ومجالات التفاوض، وفرص الحل، وكما تعددت الألقاب والجهات فإن الأمر سيكون أفضل
بودي أن أقول إن عدم خوفي على الوحدة الوطنية يتضمن أيضا ضرورة بذل الجهد في إصلاح المظالم ورفعها، وبذل كل الجهود لتضييق الفوارق الاجتماعية بين الفئات والشرائح، ولا بد في ذلك من مجهود يحتمل التمييز الإيجابي، بحيث يبقى الغني في مستواه أو يرتفع، وترتفع الفئات الهشة أو المهمشة إلى مستوى تكريمي يليق بها.
وفي اعتقادي واتصالاتي أن لا خلاف حوله، ولا خلاف في وجود مظالم تاريخية وأخرى حديثة، وأنها محتاجة إلى عمل وإصلاح، ولا خلاف أيضا في أن الموريتانيين مستعدون للنقاش والتفاوض حول كيف يمكن أن تعالج كل هذه الإشكالات والمظالم والمطالب من جميع الفئات والهيئات والجهات، وعندها سوف نصل إلى تسوية وخارطة طريق، وإذا ازدحمت العقول خرج الصواب، وذلك عندما نتقاسم قناعة بأن الحقيقة موزعة بيننا وإن اجتماعنا يقربنا من الصواب دائما، وبهذه الطريقة نخدم بالحوار الوحدة الوطنية، ونرسخها
موقع الفكر: ما تقويمكم لأداء الدولة في مواجهة الهجرة، خصوصا في ظل خطاب رسمي يقول إن موريتانيا لن تكون وطنا بديلا للمهاجرين، ودعوى بعض النواب أن ما يجرى هو تصفية لونية للمهاجرين، وقول بعض المدونين أن موريتانيا باعت أرضها للأوربيين؟
محمد فال ولد بلال: أولا، قضية الهجرة قضية عالمية، والعالم الآن يعيش حركية وحرية في التنقل في الأفكار والصفقات والبضائع والأذواق والمعلومات، والأوبئة إلا الإنسان فحركته مقيدة، وهو تقييد متناقض مع حرية الحركة العالية، وهو أيضا متناقض مع فكرة العولمة ومساراتها.
وقد بلغ من الخطورة أنه أصبح أداة حرب، ويمكن أن تغزو وتجلب ضررا لبلد ما، بتوجيه جحافل المهاجرين إليه، فتركيا على سبيل المثال، استخدمت المهاجرين من سوريا كأداة ضغط على الاتحاد الأوربي، كما فعلت ذلك أيضا بيلاروسيا مع بولندا، الموضوع بالغ الخطورة، وينبغي النظر إليه بعيدا عن سؤال اللون.
الموضوع الآن: هل البلد قادر على حماية حدوده، وضبط الإقامة أم لا، وكل دول العالم اليوم تأخذ حذرها من تسرب المهاجرين غير الشرعيين، وموريتانيا ليست بدعا من ذلك، ولها أن تحدد المعابر وشروط الإقامة مثل كل دول العالم، خصوصا أن بلدنا يستقبل ثلاثة أنواع تقريبا من المهاجرين هم:
- اللاجئون الفارون من الحروب والمجاعة، وموريتانيا تقوم بدورها في هذا المجال وفق الاتفاقيات الدولية وتنسيقا مع الهيئات المعنية.
- مواطنو الدول التي لا تشترط تأشيرة، ولنا أن ندرس معهم ومع دولهم ثنائيات العلاقة بيننا.
- حاصلون على تأشيرة من قنصليات موريتانية.
أما العنصر الذي يثير الزوبعة، فهو عنصر لا ينتمي إلى أي من الدوائر الثالثة، وهم متسللون متسربون إلى الوطن، وفي مواجهتهم ينبغي أن نؤمن الحدود ونحميها فنمنع التسرب، وبعد دخولهم علينا أن نعاملهم معاملة حسنة، وفاء لقيمنا حتى يتم إعادتهم خارج الحدود، أما التفسيرات الأخرى، ومحاكمة النيات، والسير في جدل مستمر حول الأمر، فهو جزء من التلوث السمعي – البصري القائم ولا عبرة به
موقع الفكر: ما تقويمكم لأداء الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، وما تقويمكم للمأمورية الحالية؟
محمد فال ولد بلال: في تصوري أن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني أبلى بلاء حسنا في نظام الحكامة التي يحكم بها، وقد أرجع منصب الرئاسة إلى فحواه ومعناه الحقيقي، وأنه أصبح بالفعل منصبا فوق الخلافات والتخندقات، ويسير ويراقب ويوجه المؤسسات، وكنا في حاجة ماسة إلى الوصول إلى رئيس من هذا النمط، وقد كانت الرئاسة قبل هذا الرئيس هي القطب الوحيد في الدولة والوطن، وتتلخص فيها كل المؤسسات.
لكن يجب الاعتراف للرئيس الغزواني أنه جاء بنظام رئاسي يتماشى مع الدستور، مع خكومة بوزير أول ينسق عملها، وبرلمان يعمل، وبانفتاح على كل الأحزاب والحساسيات والطيف السياسي، وهذا الاستقرار واليد الممدودة دائما للحوار لا تقدر بثمن، وعندما تنظر إلى العواصف التي تعصف بالبلدان من حولنا وبالمنطقة، تجد أن هذا الثبات والسلم والنقاش الإيجابي هو مكسب بالغ الأهمية، وهو مكسب لم يتحقق تلقائيا، بل كان نتيجة لمجهود لتدوير الزوايا، وأظن أن الرئيس الغزواني قطع نصف الطريق إلى النجاح والفوز وتحقيق مهامه، وأن النصف الثاني سيتحقق من خلال الحوار المرتقب.
وبشكل عام لا يمكن أن نصل إلى نصف هذه المأمورية، دون أن نصل إلى القواعد التي سيتم بها تنظيم المأموريات والآفاق القادمة.
وأختم بأن الطموحات تختلف من فترة إلى أخرى، وعلينا أن نأخذ من ثقافتنا كيف نتصرف مع الأزمات التي تحيط بالمنطقة، وتقليديا فإننا عند مواجهة العاصفة ومع تلبد الأجواء، وهدير الرعود والزعازع فإننا نقوم بخفض الخيام وشد الأواخي، وهو ما يعني في وقت الأزمات المحيطة أننا ينبغي أن نخفض سقوف الطموح، وأن نعزز الأوتاد، وأن نسيطر على جوانب الشغب، ونحني للعاصفة، ومن ينظر في الجوار سيرى خفق البروق السياسية وهدير الرعود الأمنية، وحركة العواصف المجتمعية، وما أنصح به هو تخفيض السقف حتى تتجاوزنا العاصفة، وأعتقد أن سلوك الرجل وحكامته يساعد كثيرا على ذلك، ولا أدخل في تفاصيل المأمورية في حد ذاتها، لكنني أعتقد أن الكأس لن تكون ممتلئة تماما ولا فارغة تماما، وبين ذلك سيكمل القائد ما كان من نقص
موقع الفكر: هل من كلمة أخرى؟
محمد فال ولد بلال: أقول شعبي العزيز، نحن في خير مقارنة بما يحيط بنا، و”الحاكم الله أعظم” مما نحن فيه، وهنالك نقاط ضعف وخلل، لكن يوجد بيدنا ما يمكن أن نفعله عبر توحيد جهودنا، وحذاري حذاري من الهوية الطاردة والأنا الطارد للآخر، أيا كان هذا الآخر، وأجدد ما بدأت به من خطر وسائل التواصل الاجتماعي ما لم نكيفه مع قيمنا الأصلية، ولا شيئ يفرض علينا التخلي عن قيمنا الأصيلة، ولا أن نكون إنسانا ومجتمعا بديلا، إلا إذا أسلمنا إليها قيادنا
ولنا أن نقول مع الإمام الشافعي
نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عير سوانا
ونهجو ذا الزمان بغير عيب ولو نطق ذا الزمان لنا هجانا
وإذا عجزنا عن الاستفادة من بعض قيم الحداثة، فإن لنا في قيمنا التي تتضمن التسامح وأن الحكم للأكثر، وتتضمن حقوق الجوار والتعايش.. العالم اليوم وغدا يقوم على الجدارة وليس على العدد و لاعلى لكثرة، فالسنة أقلية في العراق، وقد حكموه وبنوه، لأن الجدارة كانت معهم…