مستقبل الأحزاب السياسية في موريتانيا في ظل مشروع القانون الجديد .. تقرير الموريتاني

في خطوة أثارت جدلاً واسعاً في الساحة السياسية الموريتانية، صادقت الحكومة مؤخراً على مشروع قانون جديد يتعلق بتنظيم الأحزاب السياسية، معلنة أن الهدف منه هو “تعزيز النظام السياسي، وضمان الشفافية والديمقراطية، وتشجيع المشاركة الفاعلة للمواطنين”.

إلا أن مضمون المشروع الجديد وتوقيته طرحا تساؤلات عميقة حول ما إذا كان يمثل تقدماً ديمقراطياً أم تقييداً غير مباشر للممارسة السياسية، خصوصاً في ظل هشاشة التعددية الحزبية والتحديات المتراكمة في البيئة الديمقراطية الموريتانية.

أولاً: أبرز التعديلات المثيرة للجدل

يتضمن مشروع القانون جملة من الشروط الجديدة التي تشكل تحولاً جوهرياً في طبيعة تأسيس الأحزاب ونشاطها، من بينها:

رفع الحد الأدنى لعدد أعضاء الجمعية العامة التأسيسية من 20 إلى 150 عضواً، مع وجوب تمثيلهم لكافة الولايات.

الحصول على تزكية 5000 مواطن، من نصف ولايات البلاد على الأقل.

اشتراط وجود ما لا يقل عن 10% من منتسبي الحزب في كل ولاية من الولايات الممثلة، وهو ما يعزز البعد الجغرافي والتمثيلي.

فرض نسبة تمثيل نسائي لا تقل عن 20% من العدد الإجمالي للأعضاء.

الالتزام بالثوابت الوطنية والدينية، والوحدة الترابية ومبادئ الديمقراطية.

فتح مقرات في نصف ولايات البلاد خلال ستة أشهر من الترخيص.

ثانياً: قراءة تحليلية في خلفيات المشروع وأهدافه

من الواضح أن القانون يسعى إلى تقنين المشهد الحزبي الذي يعاني، بحسب بعض المراقبين، من التشظي وكثرة الأحزاب الهامشية التي لا تتمتع بقاعدة جماهيرية حقيقية. فعلى مدى العقدين الماضيين، شهدت موريتانيا تسجيل العشرات من الأحزاب، كثير منها لم يشارك فعلياً في الاستحقاقات أو لا يتجاوز دوره التنظير الإعلامي.

غير أن الطريقة التي اختيرت لتنظيم المشهد الحزبي أثارت المخاوف من أن تكون هذه الشروط آلية إقصاء غير مباشرة، خصوصاً للأحزاب الناشئة أو الصغيرة، التي يصعب عليها تعبئة 5000 تزكية أو فتح مقرات في نصف الولايات خلال أشهر معدودة.

وهذا ما اعتبره البعض انتكاسة للتعددية السياسية ومحاولة لـ”تنظيف الساحة” لصالح الأحزاب الكبرى أو الموالية.

ثالثاً: تأثير القانون على المشهد الحزبي في المستقبل

إذا ما تم اعتماد القانون بصيغته الحالية، فإن عدد الأحزاب في البلاد سيتقلص بشكل كبير، وسيجد العديد من التشكيلات السياسية نفسها خارج اللعبة القانونية، إما بسبب العجز عن استيفاء الشروط، أو بسبب عدم قدرتها على التوسع التنظيمي والجغرافي المطلوب.

في المقابل، قد يُفضي هذا التقليص إلى تقوية الأحزاب المتبقية، من خلال زيادة مسؤولياتها التنظيمية، وتحفيزها على الانفتاح الحقيقي على القواعد الشعبية.

لكن هذا السيناريو الإيجابي يبقى مرهوناً بشرط أساسي: أن يتم احترام مبدأ التعددية وحرية التنظيم بشكل فعلي، لا شكلي.

رابعاً: المواقف المتباينة بين الفاعلين السياسيين

الحكومة تعتبر المشروع إصلاحاً ضرورياً لتنظيم العمل الحزبي، وتحقيق توازن سياسي وتمثيل جهوي ووطني أكثر عدلاً.

المعارضة تُبدي قلقاً واضحاً، وتخشى من أن يُستخدم القانون لتصفية الخصوم، عبر معايير صعبة التطبيق على الأرض.

الناشطون والمجتمع المدني يرون أن تعزيز الديمقراطية لا يكون بالتضييق، بل بتوفير بيئة سياسية صحية وتنافسية تقوم على حرية التعبير والمشاركة الشاملة.

خامساً: سيناريوهات المستقبل

السيناريو الإقصائي: يتم تطبيق القانون بصرامة، ما يؤدي إلى حل عدد كبير من الأحزاب، ويخلق نوعاً من “التوحيد القسري” للمشهد السياسي، مع احتفاظ الحزب الحاكم وحلفائه بسيطرة تنظيمية واسعة.

السيناريو الإصلاحي التوافقي: يتم تعديل القانون ليشمل مرونة أكبر، ويُطرح للتشاور مع كافة الفاعلين السياسيين، مما يؤدي إلى تنظيم المشهد دون تهميش الفئات الأضعف.

السيناريو المأزوم: يؤدي الخلاف حول القانون إلى توتر سياسي، وتراجع في الثقة بين الأطراف السياسية، مما ينعكس سلباً على الانتخابات والاستقرار السياسي مستقبلاً.

ختاما:

بين الطموح لتنظيم الحياة السياسية والخشية من تضييقها، يقف مشروع قانون الأحزاب السياسية الجديد في موريتانيا عند مفترق طرق دقيق.

ورغم ما يتضمنه من أهداف نبيلة على مستوى الورق، فإن نجاحه سيعتمد على كيفية تطبيقه، ومدى انفتاح السلطة على الحوار، والضمانات المقدمة لحماية التعددية وحرية العمل السياسي.

فالمطلوب ليس فقط تنظيم الأحزاب، بل تعميق الثقافة الديمقراطية وضمان التمثيل العادل لكل صوت وطني، أياً كان حجمه.

زر الذهاب إلى الأعلى