مهرجان أطار الثقافي… آدرار تربط الماضي بالحاضر وتصنع المستقبل

في قلب الصحراء، حيث تسكن الجبال والوديان ذاكرة التاريخ، أضاء مهرجان أطار الثقافي شعلة جديدة تربط الماضي بالحاضر وتستشرف المستقبل.
وبرغم إمكاناته المحدودة مقارنة بغيره من المهرجانات الوطنية، فقد فاجأ شباب أطار الحضور بتنظيم استثنائي جمع بين الأصالة والابتكار.
على خشبة المسرح، امتزجت عادات السكان مع سكتشات هادفة عالجت قضايا الهجرة وضرورة العودة إلى السياحة الداخلية بدلًا من الارتهان للخارج. وتنوعت فقرات المهرجان بين فرق المديح النبوي – التي يعد أطار مهدًا لها – وبين الغناء والفلكلور باللغات الوطنية: السوننكية، الولوفية، والبولارية، في لوحة آدرارية جامعة جسدت وحدة المجتمع وتكاتفه.
اللافت أن نجاح المهرجان لم يكن ثمرة اللجنة المنظمة وحدها، بل حصيلة تضافر جهود أبناء أطار: من أعيان ورجال أعمال ومثقفين وأطر وشباب ومنتخبين، في مشهد يعكس أصالة المدينة وروحها الجماعية، ويذكرني بتجربة مدينتي الجميلة أزويرات في مثل هذه المناسبات.
آدرار والمقاومة الوطنية: ذاكرة حية
حمل المهرجان هذه المرة بعدًا تاريخيًا بارزًا، إذ أعاد تسليط الضوء على ذاكرة المقاومة الوطنية، الغائبة عن كثير من التظاهرات السابقة.
فآدرار لم يكن يومًا مجرد فضاء جغرافي، بل سجل ناصع للبطولة والصمود، ارتوت رماله بدماء الشهداء. وفي وديان الخروب بتيرس يرقد الأمير الشهيد سيد أحمد ولد أحمد عيده، الذي خاض معارك استنزاف العدو على شكل حرب عصابات في آدرار والحوضين ولعصابة وتكانت، قبل أن يقع أسيرًا بيد الاستعمار الفرنسي في تيشيت بعد إصابته بجراح واستشهاد مرافقه سيد أحمد ولد مكية.
وهو بذلك أكمل الطريق الذي رسمه الشريف سيدي ولد مولاي الزين حين انطلق من آدرار مع رفاقه ليقتل منظر الاستعمار في غرب إفريقيا، كبولاني.
بهذا الحضور الرمزي، يثبت المهرجان أن المقاومة ليست تاريخًا منسيًا، بل هوية جامعة تلهم الحاضر والمستقبل.
إلى جانب الثقافة والمقاومة، يفتح مهرجان أطار آفاقًا واعدة للسياحة العلمية والثقافية، فآدرار يزخر بكنوز معرفية وطبيعية فريدة تنتظر الاهتمام والاستكشاف:
- قلب الريشات (عين الصحراء) قرب وادان، أعجوبة جيولوجية تجذب أنظار العلماء والباحثين.
-آزوكي: عاصمة المرابطين ومهد التاريخ العلمي والحضاري. - آمكجار: موقع أثري يضم بقايا حضارات قديمة سبقت الديانات السماوية.
هذه المواقع تمنح موريتانيا فرصة لأن تكون قبلة للباحثين والمستكشفين، حيث تلتقي المقاومة والتاريخ والعلوم في لوحة واحدة، تعزز التنمية المستدامة من خلال السياحة العلمية والثقافية.
إن مهرجان أطار الثقافي حدث وطني بامتياز، أعاد للمدينة إشعاعها الثقافي، وربط الماضي بالحاضر وفتح آفاق المستقبل.
فآدرار اليوم لا تستعيد مجدها فحسب، بل تصنع مستقبلها من جديد، مؤكدة أن الثقافة والمقاومة والسياحة يمكن أن تجتمع في بوتقة واحدة لصياغة موريتانيا متجددة.
وهكذا يثبت مهرجان أطار أن الثقافة ليست ترفًا، بل وسيلة لبناء الهوية وتجديد الأمل وصناعة الغد. - اطار : المرابط ولد محمد لخديم