ماذا تريد الجزائر من موريتانيا.. آفاق ومخاوف بين الاقتصاد والأمن والسياسة

تتصاعد مؤشرات العلاقات بين موريتانيا والجزائر، وخصوصا في الفترة الأخيرة التي وصل فيها الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني إلى الحكم، ضمن مساعيه للانفتاح الدبلوماسي على الإقليم والجوار، في سير بين تناقضات العلاقات المتأزمة بين المحاور الكبرى.
ومن أهم تلك المؤشرات علاقاته المتصاعدة مع الجزائر، والتي أخذت مناحي متعددة، وظهر أن رغبة الجزائر في توطيد العلاقة، وفي توسيع دوائرها والحصول على أكبر نصيب ممكن من التأثير في الساحة الموريتانية هو هدف استيراتيجي، بينما تعمل موريتانيا على إدارة متوازية في علاقاتها مع مغرب تتجنب مضاره، وجزائر ترجو منافعها.

خاصة أن الجزائر بدأت في السنوات الأخيرة وبعد التعافي سبيا من العشرية السوداء وما خلفته من آثار سلبية- بدأت تفتح عيونها على الأسواق الأفريقية لأكثر من سبب، ومن هذا المنطلق يثرض الموقع الموريتاني نفسه كهمزة وصل مع افريقيا والمعبر الوحيد الذي يمكن وصفه بالآمن.

من هنا فالجزائر والمغرب يدركون أهمية موريتانيا بالنبة لهم..
غزواني ضيف دائم في الجزائر
زار الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني منذ وصوله إلى السلطة الجزائر خمس مرات، فيما زار تبون موريتانيا لمرة واحدة سنة 2023، لتكون أول زيارة لرئيس جزائري إلى موريتانيا منذ العام  1987 آخر زيارة لرئيس جزائري إلى موريتانيا.
وقد ركزت الجزائر على مسارات متكاملة في علاقتها مع موريتانيا شملت الاقتصاد والأمن والدعم المؤسسي، ومكنت من إحياء عدد هائل من الاتفاقيات الثنائية التي أبرمت بين البلدين منذ حقبة السبعينيات حيث كانت الجزائر داعما أساسيا للتحولات الاقتصادية التي نفذتها موريتانيا، إلا أن حرب الصحراء قلبت المعادلة وأرجعت التفاهم إلى حافة المواجهة والهاوية.
وتراهن نواكشوط على الجزائر في صناعة تحولات متعددة خصوصا في مجال الطاقة، وفي تنويع الشراكة الاقتصادية ودعم الأمن الغذائي للبلاد، ودعم قدرات الجيش الموريتاني.
وبشكل خاص فقد كانت الجزائر سباقة في دعم نوعي لموريتانيا من خلال إنجاز طريق تيندوف ازويرات، مع الاستعداد لبناء مستشفى بير أم أكرين المركزي بسعة تقترب من 400 سرير
عقبات ومحاذير موريتانية
في تدبير العلاقة بين البلدين فإن نواكشوط أيضا تقيم مطبات كبرى أمام توجهها إلى الجزائر، ومن أبرزها:
–    الموقف من الصحراء: حيث تعمل الحكومة الموريتانية على ترسيخ موقفها بالحياد الإيجابي بعيدا عن الموقفين الجزائري والمغربي.
–    تناقض المحاور الدبلوماسية للطرفين: حيث تعتمد نواكشوط على علاقات وطيدة مع محور الإمارات – فرنسا – السعودية، وهو المحور الذي تترنح علاقاته كثيرا مع الجزائر التي لا تخفي عداءها وأزماتها السياسية والدبلوماسية مع الإمارات بشكل خاص ومع فرنسا بشكل دائم.

إن وجود موريتانيا في هذا المحور يعني من بين مايعني توطيد العلاقة مع المغرب ودعم خياراتها  الاستراتيجية..
مخاوف جزائرية دائمة
رغم الانفتاح الجزائري على موريتانيا فإن سلطات تبون تعتقد أن موريتانيا لن تجازف كثيرا بالوصول إلى ما يريده الجزائريون بشكل كامل، ويرى محللون جزائريون أن هنالك أربع مؤشرات أساسية تجعل الجزائريين متوجسين شيئا ما تجاه علاقتهم بنواكشوط، رغم اعترافهم أن ما تحقق من هذه العلاقات كان فوق المتوقع بكثير ومن أبرز هذه المؤشرات:
–    التضييق الموريتاني على تحركات البوليساريو: في منطقة التداخل الحدودي، خصوصا مع تشدد البوليساريو في استهداف المنقبين الموريتانيين، وهو ما ترتب عليه إغلاق موريتانيا لسوق البريكة الواقع داخل الأراضي الموريتانية رغم السيطرة التامة عليه من التجار الصحراويين، كما تفيد أنباء متعددة عن مصادرة الجيش الموريتاني لمعدات عسكرية وأسلحة تتبع للبوليساريو في منطقة تداخل حدودي بين الطرفين، في المقابل لزومها للصمت حيال القتل المتعمد والممنهج من السلطة المغربية تجاه كل عابر للحدود ولوكان العبور من الصحراء التي لا تعتبرها موريتانيا للمغرب.
–    إمكانية إنجاز طريق بيرم أم اكرين – السمارة، وهو ما يعني إذا ما تم إنجازه بداية النهاية للحياد الموريتاني تجاه قضية الصحراء، لأنه سيعبر ما يعرف  بالأراضي المحتلة، ورغم ذلك فإن هذا الطريق إذا تم إنجازه لن يكون مختلفا عن الطريق الرابط بين البلدين والعابر لمنطقة الكركارات التي تعتبرها البوليساريو، أراضي صحراوية محتلة.
–    إمكانية الفصل بين الملف الصحراوي والجزائري في تدبير العلاقة بين الطرفين: وهو الخيار الذي قد تتجه إليه الحكومة الموريتانية إذا لم تتمكن من إدارة علاقة ثنائية بذات الشروط المطلوبة جزائريا والمرفوضة مغربيا..

مشاريع استراتيجية معلقة..

كانت موريتانيا حتى عهد قريب تربطها مع دولة الجزائر اتفاقية لتوريد المواد النفطية لموريتانيا حتلى مطلع الألفية، ومع أن تلك الاتفاقية منقوصة حيث ظلت موريتانيا لعقود من الزمن تعالج الحديد بلفيول وغيره من مصادر الطاقة الملوثة للبيئة في الوقت الذي تصدر الجزائر الغاز الطبيعي المسال لدول العالم المختلقفة.

وبدلا من تصحيح الخلل وتنويع الورادات وتوسيعها لتشمل الغاز الطبيعي انهيت تلك الاتفاقية واعتمدت موريتانيا على التزود من السوق الدولية بنفس المواد التي كانت تطلبها من الجزائر.

ومع تجدد الأزمات وارتفاع فاتورة المواد النفطية تجدد الأمل في أن تعتمد موريتانيا على الجزائر في سد احتياجاتها النفطية لكن شيئا من ذلك غير التفاؤل لم يحدث.

واكتفى وزير النفط السابق الناني ولد اشروق بالقول إن الشراكة بين البلدين في مجال النفظ موضع الدراسة..

رغم الزيارات المتبادل بين شركات المحروقات في البلدين و كذا الشركات الأخرى والمعارض المنظمة بالتعاون والشراكة فإن مستوى التكامل بين البلدين مازال بعيدا.
وبين المصالح والمخاوف، تبدو العلاقات بين الطرفين أكثر عمقا وصعوبة وتمددا، خصوصا أن الجزائر تدرك أن طريقها إلى إفريقيا يمر حتما عبر موريتانيا،  التي ترى في الجزائر صديقا شهما، رغم سرعة تحولاتها السياسية والأمنية الداخلية..

موقع الفكر

زر الذهاب إلى الأعلى