“عدسة على فلسطين” في مسقط: حين تلتقط الكاميرا أنفاس الحقيقة

سيلينا السعيد – مسقط

في قلب مسقط، حيث تلتقي ظلال الجبال بصفاء البحر، انعقدت فعالية فريدة من نوعها جمعت بين الفن والقضية، بين السينما والإنسان، بين عدسةٍ لا تنسى وذاكرةٍ لا تموت.
ورشة تدريبية مكثفة نُظّمت على مدى يومين (13–14 يوليو 2025) تحت عنوان “صناعة الفيلم القصير”، برعاية قناة الاستقامة الفضائية وتنفيذ الجمعية العُمانية للسينما بالتعاون مع معهد زاجل، ضمن فعاليات المسابقة العالمية “عدسة على فلسطين”.
لم تكن الورشة مجرّد تدريب تقني، بل كانت مساحةً روحية، ونداءً بصريًا يلامس جوهر المقاومة والكرامة.

اليوم الأول – من الفكرة إلى الضوء

في الأحد الموافق 13 يوليو، افتتحت الورشة بكلماتٍ تنبض بالشغف، وتنوّعت بين محاضرات تقنية وسردية وروحانية، قدّمها ثلاثة من أبرز صُنّاع السينما العرب:

أ. مراد أبو عيشة
من الأردن، المخرج الذي صنع اسمه عالميًا من خلال أفلامه القصيرة الحاصلة على جوائز مرموقة، تحدّث عن الفكرة التي تشعل الشاشة، وكيف تتحول القصص الصامتة إلى أفلام تُعرض على منصات العالم. كانت كلماته كمن يشعل كاميرا في قلب الليل:
“لا تبحث عن فيلم ناجح، بل ابحث عن حقيقة لم تُروَ بعد. الكاميرا ليست سلاحًا، بل شهادة حُبّ للحياة.”

د. سعد عتمان الكريم
توقّف بنا عند فلسطين… لا بوصفها جغرافيا، بل كحكاية ممتدة من الألم والبطولة. في محاضرته “فلسطين في السينما: أسئلة السرد والمقاومة”، قال:
“الفيلم الفلسطيني ليس فقط وثيقة، بل هو أيضًا نشيد. كل مشهد فيه يُقاوم، وكل لقطة تُنقذ ما تبقّى من الذاكرة.”

أ. أحمد بن عامر الحضري
المخرج العُماني المرموق، قدّم خلاصة تجربته الطويلة من الفكرة إلى الإخراج، متحدثًا عن التحديات الفنية وكيف تُصاغ الرؤية البصرية في عالم مزدحم بالشاشات. قال:
“الفكرة الجيّدة لا تموت… لكنها تحتاج من يُنقذها من النسيان بالحبّ والصبر والمعرفة.”

اليوم الثاني – من الكلمة إلى الصورة

في الإثنين 14 يوليو، امتدّت الرحلة نحو مزيد من الإلهام العملي والتقني والفني:

أ. مراد أبو عيشة (مجدداً)
عاد المخرج الأردني في اليوم الثاني بمحاضرة تطبيقية حول كيفية صناعة فيلم يصل إلى المهرجانات العالمية، وتناول الجوانب الإبداعية والإنتاجية، مؤكدًا أن الطريق يبدأ دائمًا من صدق الحكاية، مهما كانت إمكانياتك.

م. جميل بن سعيد اليعقوبي
تحدّث عن “أفلام النص بملامح درامية”، وكيف أن الحقيقة حين تنطق بلغة الفن، تصبح أكثر أثرًا من أي خطاب سياسي. قال:
“الفيلم الذي لا يُبكينا، لم يُصنع لنا… السينما ذاكرة وأمل.”

أ. يوسف بن يعقوب السعدي
اختتم اليوم الثاني بمحاضرة بعنوان “الفكرة إلى الصورة: التحديات الإنتاجية في صناعة الفيلم القصير”. أضاء فيها على تجربة سلطنة عُمان في الإنتاج السينمائي، وركّز على أهمية التعاون والتخطيط، قائلًا:
“حتى أعظم الأفكار قد تفشل إذا لم تُدار بروح الفريق وذكاء التنفيذ.”

بين الضوء وفلسطين… وعدسة لا تنطفئ

في كل زاوية من زوايا الورشة، كانت فلسطين حاضرة. في السيناريوهات، في العدسات، في التفاصيل الصغيرة.
شارك شبابٌ عُمانيون وعرب بأفكارٍ عن لاجئين، عن أطفال يحلمون، عن بيوت مهدّمة تظلّ واقفة في الذاكرة.
ورغم تنوّع الخلفيات، جمعهم سؤال واحد: كيف نصنع فيلمًا يكون قلبًا نابضًا بفلسطين؟

“عدسة على فلسطين”… وأكثر من مهرجان

لم تكن الورشة مجرّد محطة تدريبيّة، بل خطوة أولى في مشروع سينمائي طويل النفس، يرى في الفنّ وسيلة لتحرير الذاكرة، وفي الكاميرا جسراً بين الحقيقة والوعي.
وقد عبّر المشاركون عن امتنانهم للجمعية العمانية للسينما على هذا الدعم المتميز، الذي أتاح لهم التعلّم من نخبة من المحترفين العرب، في فضاءٍ إنساني لا يُشبه إلا فلسطين.

في الختام…
في مسقط، لم تُرفع الكاميرا لتُبهر، بل لتُوثّق. لم تُدار الورش لتُعلّم فقط، بل لتُوقظ.
وفي فلسطين، حيث لا تزال العدسة تصوّر من وراء الدخان، كان لورشة “عدسة على فلسطين” صدى… كأنها رسالة تقول للعالم: “نحن لا ننسى، ونحن نصوّر.”

زر الذهاب إلى الأعلى