محاضرة بعنوان ” خطر الفتوى بالهوى “
للدكتور سيدي ولد عبيد
الموريتاني : في إطار انشطة مؤسسة رسالة السلام العالمية بالمعرض الدولي للكتاب بالدار البيظاء في نسخته ال 26 ألقى الدكتور سيدي ولد محاضرة صباح اليوم الخميس13 فبراير 2020 نقلتها إذاعة العيون المغربية. من القاعة مراكش بالجناح الموريتاني بالمعرض.
الدكتور ولد عبيد تحدث عن خطر الفتوى بالهوى عبر العصور .
وهذا نص محاضرته كاملا:
الحمد لله رب العالمين والصلاة و السلام على سيد المرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين .
أيها الإخوة الكرام من باحثين عظام و مثقفين كرام و إعلاميين طيبين خيرين وطلاب علم نابهين أود في البداية أن أمهد للموضوع باستطراد لدلالة مفهوم ” الفتوى ” لغة و اصطلاحا قبل أن أوضح إمامكم ضوابط الفتوى و آليات صدورها والشروط التي يلزم توفرها في من تصدر عنه و ضرر التسارع إلى الفتوى بدون علم و خطر الفتوى بالهوى و تبعات ذلك على الأمة قديما وحديثا , موضحا في الختام ضرورة التقيد في الفتوى على الإفتاء بالوحي المنزل المعصوم الآخذ به من الزلل والزيغ والضلال .
1 ـ الفتوى لغة هي : اسم مصدر بمعنى الإفتاء، وتجمع على : فتاوى.
يقال: أفتيته فَتْوى وفُتْيا: إذا أجبته عن مسألته و الفتيا: تبيين المشكل من الأحكام، وتفاتَوْا إلى فلان: تحاكموا إليه وارتفعوا إليه في الفُتيا .
2 ـ الفتوى اصطلاحا هي : الإخبار بالحكم الشرعية في نازلة معينة على غير سبيل الإلزام .
فمما سبق يتضح أن المفتي هو الله جل جلاله بدليل قوله تعالى :
” يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ , إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ ۚ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ , فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ , وَإِن كَانُوا إِخْوَةً رِّجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ , يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّوا , وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (الآية 176 من سورة النساء ) .
وقال أيضا :” وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ ,قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُوا لِلْيَتَامَىٰ بِالْقِسْطِ, وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا (الآية 127 من سورة النساء .
وهو ما يعنى أن التجاسر على الفتوى أحد المهلكات الممحقات على المفتى و على المقتدى به معا .
و بما أن الفتوى هي ” : الإخبار بالحكم الشرعية في نازلة معينة على غير سبيل الإلزام ” فيلزم للمتصدر للفتوى التقد بما ورد في القرآن الكريم و عدم الفتوى بالهوى و أو فيما جهل المفتى حكمه واصله من القرآن الكريم و لذلك ألزم القرآن الكريم الأمة أن تُفرِّغَ من ابناها عددا ممن تتوفر فيهم أهلية طلب العلم لإتقان القرآن الكريم و طرق استحضار الفتوى منه فقال جل من قائل كريم :
” وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً ,فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُون ( الأية 122من سورة التوبة ) .
ويشترط في المتصدر للفتوى التالي :
ـ الفطنة التامة , ـ التمكن من زمام لغة العرب , حصوله على رتبة الاجتهاد المطلق , ـ وأم يكون عارفا بمجتمعه الذي يعيش فيه , ـ التمكن من ضبط جميع آيات الأحكام عدا وحصرا .
فمن حصل تلك الشروط و كانت له ملكة في الاستحضار التام للآيات وتعينت عليه الفتوى جاز له ربط مستفتيه بحكمه من القرآن الكريم دون الزيادة على ذلك بجلب فهمه هو للقرآن أو فهم غيره فالفتوى بالوحي المنزل فقط .
وهذا ما يفسر عدم تجاسر الصحابة رضوان الله عليهم على الفتوى فقد كان عددهم يزيد على 124 ألف صحابي لم يتصدر منهم للفتوى و الإفتاء سوى 18 فقط , لمعرفتهم بخطر وضرر الإقدام على تصدر المجالس و إفتاء الناس بدون علم, لأن الرسول الكريم صل الله عليه وسلم رباهم على أن الفتوى توقيع عن رب العالمين ولذلك كانوا يخافونها اشد الخوف ومنها يفرون فرار الغنم من الذئب ومانقل عنهم ـ جميعهم ـ من الفتاوى لم يتجاوز الـــــ 400 فتوى طوال القرن الأول كاملا ,
لكن الطامة الكبرى و علة العلل أن من جاء بعدهم تجاسر على الفتوى واستسهل أمرها فصار في كل مصر من أمصار الإسلام عددا لاينتهى ممن يصفون أنفسهم بالمفتين و يجتمع عليهم الناس وعن رأيهم يصدرون فتشعبت الفتاوى و تعددت و تسيست فكثرت المذاهب و الفرق بتعدد المفتين و المتصدرين لمجالس الإفتاء فنتج عن ذلك تخبط الأمة في بحر لجي من الظلام و الظلمات و الويل و الويلات فاستبيحت الدماء و الفروج و انتهكت الأعراض و شنت الحروب و ضاعت الأوطان بسبب فتاوى شاذة صدرت من مفتين جاهلين تصدروا المجالس في غرة من الزمن و تراجع لوجود الأئمة الأعلام ” خدام الشريعة “
فوجدنا من أتباع المدعو ” بن تيمة ” مثلا و ” ابن القيم ” من يحلل قتل الناس و إزهاق ارواحهم وبه يفتى استنادا على فتاوى صادرة من هؤلاء القوم لا تستند إلى ركن ركين من القرآن الكريم بل لفهم سقيم غذته النزاعات الضيقة و أتباع الهوى و شهوة التصدر حتى ألجوا القائل الحكيم لقول :
إن ابن تيمة و ابن القيم ,,, منهجهم ليس بنهج قيم .
في الختام أخوتي الكرام أعود فأقول أن الفتوى هي حق محض لرب العالمين جل جلاله فهو الفتوى بنص القرآن الكريم ” قل الله يفتيك ” والاعتداء على ذلك الحق زيغ وضلال ومضلة ومهلكة فيلزمنا تجاه هذا السيل الجارف من الفتاوى الضالة و المضلة و البعيدة كل البعد عن القرآن الكريم نصا وروحا التالي :
1ـ العمل على كشف أكاذيب أولئك المفتين بهواهم وفضح أمرهم للناس حتى لايغتر بهم 2ـ العودة للقرآن الكريم كطوق نجاة ومصدر تشريع و إفتاء والاقتصار عليه دون غيره .
3ـ تبسيط و تسهيل التعاطي مع القرآن الكريم تدريسا و دراسة وعملا وتطبيقا .
4 ـ ضبط الفتوى و العمل على رسمنتها و طرد المفتين بالهوى من المنابر و فضحهم أمام الناس و تعرية خططهم الخبيثة .
5 ـ العمل على غربلة كتب التفسير من الكثير مما علق بها من التفسيرات الفاسدة و الأحاديث المكذوبة الموضوعة المختلقة و الإسرائيليات المدسوسة فيها و إخراجها للناس في ثوب قشيب صقيل مشذب مهذب مبسط يفهمه الجميع وفي متناولهم .
6 ـ العمل على إشاعة فكرة الرجوع للقرآن الكريم كمرجع ونبراس يهتدي به و عدم الإلتفات لماسوى ذلك , من أمور يسعى ويعمل دعاة المذاهب الهدامة على لصقه بالقرآن الكريم .
7 ـ نشر كتب الفكر المستنير في صفوف الشباب المسلم الصاعد تلك الكتب التي تدعوا للخير و تطالب بالرجوع للمنبع الصافي ” القرآن الكريم ” الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه الذي من تمسك به نجا و من دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم ومن تلك الكتب الهادفة الجادة التي تدعو لذلك الهدف النبيل و تطالب بالرجوع للقرآن الكريم والعمل به وتكشف ضرر وخطر وزيف ترهات أصحاب المذاهب الهدامة و الأهواء الضالة المضلة كتب المفكر الإماراتي المستنير الأستاذ على محمد الشرفاء الحمادي التي ذاع أمرها و اتسع نطاق تداولها لله الحمد و المنة وما تواجدنا هنا في هذا المعرض المبارك إلى من أجل نشرها وإيضاح أمرها للناس وتبسيط مافيها وشرحه لهم ليهتدى من اهتدى عن بصيرة ويضل من ضل عن بينة و لايظلم ربك أحدى .