ولد سيدى ميله : لا توجد عنصرية في موريتانيا

الموريتاني : إن نظرة، ولو خاطفة، على تاريخ موريتانيا تؤكد أن الشعب الموريتاني لم يكن أبدا عنصريا، خاصة منه الشريحة التي تلصق بها هذه التهمة من وقت لآخر.

وللتدليل على ذلك، فإن منحييْن أساسيين كانا يمثلان الشغل الشاغل للموريتانيين ولغيرهم من الشعوب والأمم عبر العصور، وهما المنحى الأخروي والمنحى الدنيوي. فبالنسبة لجانب الآخرة، نجد أن غالبية البيظان إما مريدون للشيخ إبراهيم انياس أو للشيخ أحمدّ بمبه أو للشيخ الحاج مالك سي، وهم زنوج دونما شك. ولا حاجة لتعداد كبريات قبائل ورموز الزوايا والأفراد الفاعلين المريدين لهؤلاء المشايخ الأجلاء. ما يعني أن غالبية البيظان أوكلوا الجوانب الباطنية من حياتهم الروحية لرجالات من الزنوج، وهو ما يدل دلالة قطعية على أنهم لم يكونوا أبدا عنصريين، وإلا لما أوكلوا آخرتهم إلى زنوج.

وعكسا لما سلف، هناك زنوج كُثْرٌ مريدون لأهل الشيخ سيديا وأهل الشيخ حماه الله وأهل السيخ سعد بوه وأهل الشيخ المستعين، ما يعني، من جانب آخر، أن الزنوج لم يكونوا متحسسين من البيظان الذين اختاروهم للتربية الروحية والإعداد لما بعد الدنيا.

إذن يتضح أن البيظان والزنوج كانوا، على مستوى الاعتقاد الروحي الأخروي، يتبادلون التعظيم، كما كانوا يتبادلونه على مستوى الاعتقاد الدنيوي الذي تُجَسد السياسةُ أهم مرتكزاته. إذ نجد البيظان يختارون، غير مكرهين، قائدا زنجيا، ويختار الزنوج، غير مكرهين، قائدا بيظانيا دون أن يثير الأمر أية ردة فعل عنصرية. ففي أول انتخابات تعرفها موريتانيا في أواخر الأربعينات وأوائل الخمسينات، ضرب التنافس أطنابه بين زنجي وبيظاني، هما سيدي المختار يحيى انجاي وأحمدو ولد حرمه ولد ببانه، فكانت شعبية ولد حرمه وخزانه الانتخابي الأساسي في ضفة نهر السينغال (وأساسا البراكنه وكوكول وكيديماغا). وقد صوت له أكثر من 80% من الزنوج، بينما صوتت الأكثرية الساحقة من البيظان لولد يحيى انجاي وحملته، عبر صناديق الاقتراع، إلى الجمعية الوطنية الفرنسية. ولو أن البيظان، المتهمين اليوم بالعنصرية، كانوا عنصريين بالفعل لما صوتوا لزنجي.

أضف إلى ما سبق، أن شباب البيظان هم أول من نادوْا بتحرير العبيد في آخر ستينات القرن الماضي وبداية سبعيناته. وقد تغنوْا بذلك في مقاطع مشهورة، منها:

ماني عبدك= مانك عبدي

وألا كدك= وأنت كدي

ومنها:

حرو لعبيد= ياهل النضال

الانسان ابعيد= من يبق مال

إنها ثقافة انعتاقية حملها شباب البيظان وروّجوا لها في حركة الكادحين، وكانت بمثابة الشرارة التي انطلقت منها حركة الحر، ومن ثم باقي التنظيمات اللاحقة عليها في هذا المجال.

أما بالنسبة لوصف موريتانيا بـ”لابرتايد”، فيجب أن نعود قليلا إلى الوراء لنعيد إلى الأذهان مضامين لقاء المناضل الراحل نلسون مانديلا لمّا اتصل به قادة من جبهة “أفلام” أملا في استعطافه وسعيا لمساندته لهم. فسألهم حينئذ: هل تدرسون في نفس المدارس مع البيض الموريتانيين (البيظان)، فأجابوه: نعم. فأردف يقول: هل تتسوقون معهم في نفس الأسواق؟ فردوا عليه: نعم.. فقال لهم: هل تركبون معهم نفس الباصات؟ فأجابوه: نعم.. فقال: هل تسكنون معهم في نفس الأحياء؟ فقالوا: نعم. فقال لهم: هل تصلون معهم في نفس دور العبادة (المساجد)؟ قالوا: نعم. قال لهم: إذن، لا توجد عندكم لابارتيد.. لأن لابارتيد هي نظام الفصل العنصري، وهذا غير موجود عندكم.

والحقيقة أننا متفقون أن الأمر ربما يتعلق، في بلادنا، باختلالات في الدولة يمكن البحث لها عن حلول توافقية خاصة، دون أن تصل درجة العنصرية أو نظام الفصل أو الميز العنصري (آبارتايد).

ديدى ولد سيدى ميله

زر الذهاب إلى الأعلى