حظر التطاهرات الفئوية… القرار الحاسم “
الموريتاني : إعمل بحيث تعامل الإنسانية في شخصك وفي أي شخص آخر كغاية وليس كوسيلة” ـ محمد عابد الجابري لا شك أن افتتاح قمة دول الساحل الخمسة في نواكشوط وبرئاسة موريتانيا وسط حضور نوعي من الدول الغربية والعربية والمنظمات الدولية في جو من الأمن ووسط تنظيم على مستوى عالي من الدقة هو دليل ساطع على الثقة الكبرى التي يضعها العالم في بلادنا وقيادتها، ثقة تحاول بعض القوى المضطربة أن تشوهها لحسابات ضيقة خارجية وبلبلة داخلية لبلوغ أهداف أقل ما يمكن قوله عنها إنها لا تخدم السلم المجتمعي ولا استقرار البلد. في قاعة قصر المؤتمرات “المرابطون” كانت موريتانيا مُبهرة بتنوعها العرقي وسلمها مضرب المثل وهدوء شعبها المعروف؛ تنوع زاده بهاء طيف الضيوف الملون من الأفارقة والأوروبيين والعرب بعيدا عن ملامح الميز العنصري أو علامات الفصل بين الأعراق كما كان يحدث في جنوب إفريقيا قبل من أن ينتصر المناضل الكبير “نيلسون مانديلا” الذي ضرب أروع مثال في الشجاعة حتى انتصر الحق وفي الإنسانية عندما رفض أن يعامل البيض بمثل ما كان يفعل بعضهم. وتثبت هذه اللوحة بالتأكيد ألا “آبارتايد” تمارس في بلاد يَجمع دين الإسلام الحنيف كل مكوناتها وشرائحها وإن كان الكثير من الأفراد فيها لا يزال يعاني في عقله وسلوكه من بقايا رواسب النظم المجتمعية التقليدية المتجاوزة بكل سلبيات ممارساتها. وليس العالم من حولنا بجاهل حقيقتنا سواء في الجوار القريب جنوبا الذي نتقاسم معه العادات والتقاليد واللغات في مالي والسينغال، وشمالا مع الجزائر والمغرب، وفي العمق القاري الذي نحن امتداده بما أسهم أجدادنا في نشر الإسلام بربوعه، وفي المشرق الذي لعب فيه علماؤنا أدوارا مبهرة في التعليم وإحياء موات الأدب. كما يعلم الغرب، وعن طريق الدولة الفرنسية التي كانت من استعمر للبلد وأسس دولته، من نحن وكم هو بعدنا عن “التمييز العنصري” وإن كنا ـ ولسنا بدعا في ذلك ـ مجتمعا قبليا وإثنيا طبقيا، ولكن ما إن غشاه نور المدنية وثقافة الحداثة حتى بدأ يتحلل من مساوئه ويعترف بظلم تركيبته حيف منظومته التعاملية، وهو المسار الذي ترافقه الدولة بصرامة وتسن من أجل نجاحه القوانين للتخلص من شوائبه. وما القرار الأخير بحظر التجمعات والتظاهرات ذات الطابع: ـ القبلي، ـ أوالإثني، ـ أوالشرائحي، ومنع الترخيص لها إلا القرار الشجاع والخطوة الصحيحة الحاسمة التي غُيبت طويلا بشكل متعمد تحت وطأة إرث الماضوية السقيمة، ودليلا قاطعا على مضي الحكامة الجديدة في هذا التجاه الذي يريد دولة المواطنين التي تحفظ وحدتهم والمساواة بينهم وتنبذ كل وجه يعتمد التمييز أو التفرقة. هو إذن المنعرج الكبير والدقيق الذي تسلكه بشجاعة الدولة الموريتانية لبدأ في هذا العهد القطيعة النهائية مع الطائفية والفئوية ومنطق التنظيمات التمييزية في العمل والخطاب والتوجه والمقاصد التجزيئية؛ منعرج حاسم سيؤدي فحتما وفي النهاية إلى إرساء قواعد التوازن وأسباب الاستقرار وتصرف إلى التفرغ لعملية البناء بكل السواعد معا.