أَزِمَّـة الـسـلـطـة الـسـبـعـة

سيد أحمد أعمر محم

الموريتاني : في مطالعة لكتاب المؤلف الأمريكي بيتر غرين بعنوان: (ثمانية وأربعون قانونا للقوة، The 48 Laws of Power)الصادر في 1998 والذي نال شهرة واسعة، وبيعت منه أكثر من مليوني نسخة في أمريكا وحدها، تحتار في أي القواعد تصلح للإفادة والإسقاط على الحالة الموريتانية.

لقد طالعت هذه القوانين بتفاصيلها، وما ساقه الكاتب من تجارب وأمثلة لتدعيم أرائه. ونظرا لأني لا أحب الإطناب ولا الإطالة، فقد ارتأيت أن أقتصر منها في هذه القراءة على سبعة قوانين، أزعم أنها تصلح للعبرة والدرس في المثال المحلي.

1*كــن على حـذر مـن الأصـدقـاء واسـتـفـد مـن الأعـداء

يقول الكاتب بيتر كرين إن ”أول من يخونك بدافع الحسد هم الأصدقاء، وهم الأخطر إذا ما قرروا إيذاءك، بعكس لو اتخذت من عدوك صديقًا، فغالبًا سيفعل الكثير ليثبت ولاءه لك“.

ويسوق مثالا من التاريخ القديم فيقول ”كانت الصين منذ سنة 222 م مركزًا للانقلابات العسكرية، فما كان يصعد ملك للسلطة ويظل حاكمًا للبلاد سنتين أو ثلاثة حتى يتمكن أحد قواد الجيش من قتله ويأخذ مكانه، حتى كان مجيء الملك شاو ين سنة 959 بانقلاب عسكري بمساعدة أصدقائه في الجيش“.

ولكون الحاكم الجديد على معرفة بأصحابه، وما انطوت عليه نياتهم واشتملت عليه طوياتهم، فـقد”جمعهم ووعدهم بالرخاء المادي حال تقاعدهم، فوافقوا جميعًا وتنحوا عن مناصبهم”. ويختم الكاتب بالقول: “وكانت من أشهر قصص السيطرة على الأصدقاء/ الأعداء المحتملين“.

2*اكـتـم سـرك فـهـو يـعـنيك على بـلوغ مـرامـيك

يقول الكاتب: ”تكتم على مقاصدك حتى تربك من حولك وتمنعهم من الكيد أو الاستعداد لك، لا تظهر خطتك حتى إذا ما بدأوا في تفسيرها يكون الأوان قد فات“.

ويواصل الكاتب مستذكرا تجربة من التاريخ فيقول: ”كان الدوق مارلبورو قائد الجيش الإنجليزي سنة 1711 يرغب في تحطيم قلعة فرنسية لأنها تحمي طريق يمكنه من خلاله التوغل داخل فرنسا، لكنه كان يعرف أنه لو دمر القلعة فسيعرف الفرنسيون بنيته في التوغل من ذلك الطريق، لذلك استولى عليها فقط، وترك بعض الجنود الفرنسيين لتظن فرنسا أنه مهتم بالقلعة لسبب ما“.

ولما استعاد الفرنسيون السيطرة على القلعة من الدوق دمروها بأنفسهم خوفًا من أن يستخدمها مرة أخرى. وحصل الدوق، من خلال هذه المناورة، على ما كان يقصد، فبات الطريق إلى قلب الأراضي الفرنسية خاليًا من أي قلاع تحميه.

3*ابـسـط يـدك وفـاجئ الـنـاس بالـعــطـيـّات

يقول الكاتب : “الهدية التي تقدمها في الوقت المناسب قد تكون كحصان طروادة لك. الهدايا تفتح لك قلوب الكثيرين، لتفعل بهذه القلوب ما تريد بعد ذلك“.

ويسوق الكاتب كمثال على هذه القاعدة حصار الرومان لمدينة رغبة في إخضاعها لسطوتهم، وفي إحدى مرات حصار القائد لها، تمكن من أسر معلم ومعه أطفال، عرف القائد أن أسره للأطفال لن يفيد بشيء، فتركهم. فكان ذلك نقطة له جعلته يكسب ثقة شعب هذه المدينة، ويخضعون لسطوته وسلطته.

4* كــوّن لـنـفـسـك سـمـعـة طـيـبـة واحـمها

يقول المؤلف: “سقوط سمعتك يعرضك للضربات من كل جانب، حافظ على سمعتك واحمها من أي خطط تحاك ضدها. وتعلّم تدمير خصومك بالهجوم على سمعتهم، واتركهم للعوام ينصبون لهم المشانق“.

وكإجراء تمهيدي، ينصح المؤلف بضرورة ترسيخ سمعة حسنة تقوم على الخصال الحميدة والشمائل الجليلة (الذكاء، الكرم، الأمانة)، والتي تميز الفرد، وسيتحدث الناس عنها، وستنتشر كالنار في الهشيم مع علو سطوتك ومنزلتك.

5* تجاسرك يكسبك النجاح والمهابة

ويقول الكاتب”إذا لم تك متأكدا من سياق عمل ما، فلا تحاوله. إذ أن حالات الشك والتردد عندك ستنتقل بعدواها إلى أدائك في التنفيذ. والأفضل هو الشروع في العمل بجرأة، لأن أي أخطاء ترتكبها عن طريق الصفاقة، يمكن تصحيحها بالمزيد من الصفاقة. الجميع يعجبون بالجريء، ولا أحد يكرم الرعديد المثلوم الفؤاد“.

6*دغـدغ مـشـاعر الـنـاس وسيطر على أبـصـارهم وبـصـائـرهـم

يقول المؤلف: ”انبهار عيون الآخرين بمظهرك وأدائك يشغلهم عن تحركاتك من أجل السطوة والسلطة، لذا يجب عليك أن تتعلم فنون إبهار عيونهم، حينها تستطيع امتلاك ألبابهم، حيث الكلمات ليس لها المفعول السحري الذي قد تفعله المشاهد، فإدراك البعض لأهمية البصر وتفضيل مخاطبته على باقي الحواس جعلهم من أقوى حاكمي عصورهم“.

 ويورد في الكتاب هذا الاقتباس من كتاب –مكيافيللي (المعروف بالأمير)“يتأثر الناس كثيرًا بالمظاهر السطحية للأشياء. وعلى (الحاكم) دائمًا أن يخصص أوقاتًا من السنة لشغل أذهان الناس والتسرية عن واقعهم بالاحتفالات والمشاهد المبهرة”.

7*لا تـقـلد أحـدا ولا تـسـر على خـطـاه وكـوِّن مـسارك الخاص ومـآثــرك

يقول الكاتب : “الناس تحب الأصل وتكره ما هو تقليد له، لذلك حاول أن تدفن تراث أي رجل عظيم سبقك وأسس لهويتك الخاصة بتغيير مسارك عمن سبقك، وتعلم أنك إذا أصبحت خلفا لرجل عظيم فسيكون عليك أن تبذل أضعاف جهده حتى لا تضيع صورتك في ظلاله”.

ويسوق المؤلف كتعضيد لهذه القاعدة حياة الإسكندر الأكبر، وهو ابن أحد أشهر ملوك الإغريق، فقد كان ينفر من أبيه ومن طريقة حكمه. وقد أصر أن يصنع مجده الخاص الذي يستطيع أن يذكره التاريخ له. وبالفعل قرر الإسكندر، بعد وفاة أبيه، أن يتقدم إلى آسيا وخاطر بجرأة وجسارة فقاتل الفرس، وتغلب عليهم. وبعكس التوقعات، فإن الإسكندر الأكبر هزم الفرس، واستطاع توسيع مملكته إلى الهند وهو ما لم تستطع أي مملكة قديمة أن تفعله.

زر الذهاب إلى الأعلى