فضيلة الشيخ الدكتور / صالح بن حميد – في خطبة الجمعة : فاتقوا الله – رحمكم الله – وافقهوا وصايا الوحي ، واعتبروا بدروس الحياة ، ورصيد التاريخ ، عبر الزمان

عمر شيخ – مكة المكرمة .

الموريتاني : أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام معالي الشيخ الدكتور / صالح بن عبدالله بن حميد – بتقوى الله عز وجل لمنال الخير كل الخير والسعادة ، والعمل الصالح : مِنْ جَهْل يُرفع ، وعلم ينُشر ، ومحتاج يعان ، ومعروفٍ يُفعل ، ومنكرٍ يُغير ، الدنيا خلقت لكم ، وأنتم خلقتم للآخرة خلال خطبة الجمعة اليوم في الحرم المكي الشريف . وبدأ معاليه خطبته قائلاً : أيها المسلمون القصص في كتاب الله فيها متعة وتسلية ، ولكنها كذلك تقرع بمواعظها القلوب ، وتزكي بدروسها النفوس ، وترسخ بأحداثها الإيمان ، ويبرز في رجالاتها الصراع بين الحق والباطل , مشيراً أن هذه قصة عجيب خبرها ، خطير شأنها ، متكرر نظيرها ، قصة تعني بموضوع معين ، وتتجه إلى فئة خاصة ، نموذج يتكرر في كل العصور ، في كل أجناس البشر . وأضاف معالي الشيخ بن حميد إنها قصة قارون والمسلك القاروني , قصة تجسد الموقف من المال وفتنته ، وكيفية التصرف فيه , وهذه جملة من الوقفات تتضمنها هذه القصة العظيمة . وبين أن الأولى هو أن قارون نموذج لصنف من البشر كافرٍ بنعمة الله ، موجود مثيله في كل الإعصار والأمصار ، بخصائصه وصفاته ، يَفتن ، ويَستفز ، ويُغري ، ويكون سببا لانحراف بعض النفوس , قارون هو قرين فرعون وهامان ؛ ثلاثة نماذج تحمل صورا سيئة لأنواع من البغي والفساد ، والتسلط والاستكبار . وأستكمل معاليه أن للمال سلطان على النفوس – إن لم يتداركها الله برحمته – ، سلطان يسوقها في دروب التيه ، والبعد عن الله ، وإذا لم تفطن هذه النفوس لما هي فيه ، وماهي مقدمة عليه ، وتراجع نفسها ، وتراجع أمر الله ، فإنها ستهلك اما إفراطا أو تفريطا . وأضاف الشيخ بن حميد أن الوقفة الثانية وفي هذا المسلك القاروني ، وأمام فتنة المال ، والثروات ، والمرابحات ، والأرباح ، والاستثمار ثمت طائفتان . طائفة وقفت وقفة المأخوذ المبهور المتهافت ، ضعاف النفوس ، قصيرو النظر . والطائفة الثانية : أهل العلم ، والإيمان ، والحكمة ، استعلت بإيمانها ، وعلقت رجاءها بربها ، وأيقنت حسن ثوابه ، وعرفت قيمة الإيمان ، وهي درجة رفيعة لا يلقاها إلا الصابرون على دواعي المشتهيات ، والرغبات ، والإغراءات . وأوض معاليه أن من فضل الله على الأمة أن يوجد فيها علماء ناصحون ، وإلى الخير والحق يرشدون ، أهل العلم لا يجرفهم مثل هذا الطوفان ، فهم أشداء بإيمانهم ، أقوياء بيقينهم ، عالمون بحقيقة الدنيا ، ووظيفة المال ، وثواب الآخرة ، فلا يغريهم رنين الدرهم والدينار ، ولا بريق الذهب والفضة ، هم أهل العلم بالله ، وبسنن الله ، وبما وعد الله . الوقفة الرابعة : ” وأحسن كما أحسن الله إليك ” إنه الإحسان إلى الخلق ، والمال هبة الله، وأحب الخلق إلى الله أنفعهم لعياله ، إنه إحسان الشكر ، وإحسان الإنفاق ، وإحسان التعامل إحسان إلى الأهل ، والخدم ، والدواب ، وإحسان إلى المحتاجين. وإحسان بالقول ، وبالفعل ، وبالجاه ، وحسن اللقاء ، وطلاقة الوجه ، وحسن السمعة ، وكل وجوه الإحسان المادية ، والأدبية ، والخلقية . معاشر الأحبة : المال إذا لم يحسن توظيفه فهو وسيلة من أعظم وسائل الفساد والإفساد ، من الكسب الحرام ، وأكل الحرام ، والبغي ، والظلم ، وبخس الناس ، وغمط الحق . وفي الحديث : ” ماذئبان جائعان أرسلا في غنم ، بأفسد لهما من حرص المرء على المال ، والشرف لدينه ” رواه أحمد بسند صحيح . وتدين الغني كما يكون بالإنفاق يكون بالإمساك عن توظيف المال في مشاريع الإفساد في الاقتصاد والأخلاق . المتكبر ، والغافل ، يعزو كل عمل إلى جهده ، وعقله ، وعلمه ، وذكائه ، ومؤهلاته ، وكده . معاشر الأحبة : إذا خص الله عبده بخصيصه ، أو مرتبة ، أو منزلة ، فلا ينسبها إلى حوله وقوته ، وعلمه وخبرته ، أو كسبه وجهده ، بل عليه أن يسندها إلى فضل الله ومنته عليه ، ولطف الله ورحمته . صورة البطر ، والزهو ، وتكامل الزينة الجاذبة للنفوس الضعيفة ، زينة باهرة : في ملابسه ، ومراكبه ، وخدمه ، وحشمه ، وأبهته ، بهرت بها العيون ، وطاشت عندها العقول ، انها الفتنة تتحرك مع هذه المواكب ، وتحركت معها اهواء النفوس وشهواتها ، وهكذا تعظم الدنيا في أعين طلابها ، وان فاتهم شيء منها تقطعت قلوبهم حسرة وأسى . معاشر الأحبة : عجيب أن تبتلى بعض النفوس ذات الثراء واليسار بفتنة عرض ثرواتها أمام الناس ، واستعراض ثرواتها أمام المستضعفين ، يعبرون بمراكبهم الوثيرة ، وملابسهم الزاهية أمام حفاة الأقدام ، ومرقعي الملابس ليتصاعد غبار مراكبهم منتثراً في وجوه الضعاف والمساكين ، مع غرق هؤلاء المتكبرين المتغطرسين في النشوة والسكرة انشقت الأرض فابتلعته وكنوزه ، وداره ، وخزائنه ، ومفاتحه ، ولم ينصره جمعه ، ولا المنتفعون . هكذا تطوى صفحة هذا الضلال المتحرك ، وتذهب معالمه من غير نصير ، ولا ظهير ، وبئس المصير . وبعد : – عباد الله – فالأغنياء في كل زمان ومكان يعيشون بواحد من قلبين ، إما قلب قارون في طغيانه ، وبطره ، وغفلته ، يمارس الظلم والمعاصي . وحين التفكر في هذا المسلك القاروني : تأملوا في هذا المعيار النبوي : ” ياحكيم إن هذا المال خضر حلو ، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه ، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه ، فكان كالذي يأكل ولا يشبع ، واليد العليا خير من اليد السفلى ” مخرج في الصحيحين . واستهل معاليه خطبته الثانية قائلاً: ولدى حضارة اليوم مؤسسات وكيانات كبرى تدير الضغط المادي ، وتصنع مكائن الابتزاز المالي ، وتنتج فقرا ولهاثا مسعورا خلف المال ورجال الأعمال . إنه الفكر القاروني يتجدد في كل عصر من الجمع ، والكسب ، والإنفاق ، والبطر ، والغفلة . الا فاتقوا الله – رحمكم الله – وافقهوا وصايا الوحي ، واعتبروا بدروس الحياة ، ورصيد التاريخ ، وعبر الزمان ، من قبل الا يستفيق ذو الغفلة الا بعد أن ترتطم الرؤوس واعلموا رحمكم الله أنه ما استدفع البلاء بمثل ال

زر الذهاب إلى الأعلى