“متطوع مكة”.. رؤية جديدة للسيرة النبوية من باب العمل الخيري

الموريتاني : يعد كتاب “متطوع مكة” للمؤلف المغربي جلال اعويطا إضافة ثرية للمكتبة العربية، فهو يقدم قراءة جديدة للسيرة النبوية من منظور العمل الخيري وثقافة التطوع، مستمدا زاده المعرفي من تجربة عملية طويلة للمؤلف.

وجاء الكتاب الصادر مؤخرا عن مركز يقين بالرباط في أكثر من ثلاثمئة صفحة، موثقا بلغة أدبية أنيقة عشرات المواقف الإنسانية الشائقة في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام.

ومع أنها محاولة الكتابة الأولى للمؤلف الشاب (35 سنة) فقد أثبت فيها جدارته الأدبية وبراعته في الغوص ببطون الكتب التراثية لاقتناص الفوائد، وهو لا يخفي في ثناياها شغفه الشخصي في تسليط الأضواء على الجوانب المشرقة من السيرة النبوية.

ويقول اعويطا في المقدمة إن “الكتاب حديث غير عادي البتة، فالكلمة مهما نشرت وحبكت إلا أنها تبقى كلمة عادية، ثم يصير لها كل الشرف وكامل السؤدد إذا هي تعلقت بدثار المصطفى صلى الله عليه وسلم وخُطّت لتطريز بساط من ورد جميل بجمال ذكره وروعة الحديث عن سيرته، وبهاء الكلام عن خصاله وأخلاقه، إنه المعين الذي لا ينضب..”.

وفي اتصال للجزيرة نت، يقول اعويطا -الذي يرأس مؤسسة عطاء الخيرية- إن فكرة الكتاب جاءت عقب حوار أجراه في جنيف مع باحثة أميركية حدثته خلاله عن تشجيع الحكومة والشركات في بلادها للعمل التطوعي من خلال الإعفاء من الضرائب والكثير من التسهيلات، فقرر بعد هذا الحوار أن يقدم للمكتبة العربية هذا الكتاب الذي يبرز احتفاء النبي بالتطوع والعمل الإنساني، وأسبقيته في التطبيق العملي لهذه الثقافة. 

المؤلف جلال اعويطا يتحدث عن الكتاب قبل حفل توقيعه أمس الجمعة في إحدى مكتبات الرباط (الجزيرة)

تأملات لطيفة
ومن الإشارات اللطيفة التي لاحظها اعويطا في تأملاته ما شددت عليه أم المؤمنين خديجة عندما جاءها النبي فزعا من لقائه الأول بجبريل، إذ سارعت لطمأنته بكلمات خالدة” والله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق”.

ويقول المؤلف إن هذا الموقف يصح أن يكون منهج حياة وقاعدة في التفكير، فهذه الخصال التطوعية لا يرتبط بها إنسان بصدق إلا رفعه الله بها ويسر أموره وأبعد عنه الشقاء والبؤس، وقد أدركت خديجة ذلك بفطرتها حتى قبل البعثة وبدء نزول تعاليم الوحي.

ويورد المؤلف مشاهد كثيرة من وقائع الهجرة إلى المدينة المنورة، وكيف سارع الصحابة للتطوع بحسب قدراتهم لبناء مؤسسات الدولة الناشئة، فقدموا نموذجا عز نظيره في التاريخ للبذل الخيري دون انتظار أي أجر دنيوي.

ويحاول المؤلف كلما سنحت له الفرصة اقتناص الفوائد من قصص السيرة ونصوص الوحي لتكريس مبادئ العمل التطوعي القابلة للتطبيق في عصرنا، مثل توظيف التخصصات في المجال المناسب، وتقديم الأولويات، والمسارعة إلى تنفيذ خطط الطوارئ في أوقات الأزمات، وترسيخ ثقافة الإحسان في المجتمع، وضرورة تمكين الفقراء وإدخالهم في العملية الإنتاجية، والتنمية المستدامة، ودور العمل الإغاثي في القضاء على مظاهر الجريمة والبغاء ومكافحة البطالة، والتركيز على حاجات النساء والأيتام خصوصا.

ومن بين التطبيقات التطوعية التي يمكن توظيفها في عصرنا أيضا التطوع في الغرس والتشجير لمكافحة التصحر وحماية البيئة، وتربية الأطفال على ضرورة المساهمة في العمل التطوعي والإنفاق، والرفق بالحيوان، وإكرام اللاجئين وعابري السبيل، ورعاية ذوي الاحتياجات الخاصة، مع ربط كافة هذه الأعمال بالجزاء الأخروي لدفع الناس إلى المزيد من البذل والعطاء.

ويشدد الكاتب على أن التطوع في الإسلام لم يكن مؤطرا بخلفية طائفية تقصر ثمراته على المسلمين، بل تشمل كافة مواطني الدولة، مشيرا إلى أن الأوقاف التي كانت من أبرز مظاهر التطوع في التاريخ الإسلامي أفادت ملايين الأيتام والأرامل والرضع وذوي الاحتياجات الخاصة وحتى الحيوانات.اعلان

ويختتم اعويطا كتابه بالتركيز على ضرورة الإخلاص في العمل التطوعي، فالعمل الخيري مرتبط بصدق النية حتى يكون مقبولا عند الله ومثمرا عند الناس، ولعل هذه الفائدة هي من أهم ما يميز العمل التطوعي في السيرة النبوية ومن يسير على هديها.

زر الذهاب إلى الأعلى