“كورونا” لم يأت ليقتل، ولكن لماذا أتى؟
أحمد عبد الرحمن سيدنا
الموريتاني : قال تعالى في سورة الأنعام : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } الأنعام/42-43
قال ابن كثير رحمه الله : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ } يعني : الفقر والضيق في العيش وَالضَّرَّاءِ وهي الأمراض والأسقام والآلام { لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُون}َ أي: يدعون الله ويتضرعون إليه ويخشعون … قال الله تعالى : { فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا } أي : فهلا إذ ابتليناهم بذلك تضرعوا إلينا وتمسكنوا إلينا { وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ } أي : ما رقت ولا خشعت { وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } أي : من الشرك والمعاصي . تفسير ابن كثير 3/256
وإذا كانت هذه الآية الكريمة تتحدث عن أقوام كذبوا رسلهم وأصروا على كفرهم حسب ما هو منصوص عليه في كتب التفسير ، فإنها تستدعي منا كمسلمين إلى التدبر والاتعاظ بما يحدث هذه الأيام من انتشار هائل لفيروس “كورونا” الوبائي في العالم أن نتذكر قدرة الله على مخلوقاته ونقابله بالتضرع والتذلل والانكسار ليجيرنا من هذا البلاء .
نعم ….قد تكون هناك فئة قليلة من المسلمين يتضرعون إلى الله تعالى بالليل والنهار ، ويتذللون بين يديه بالدعاء، إلا أن العدد الأكبر من المسلمين غافلين عن هذه الوسيلة الناجعة في رفع البلاء.
إن حقيقة الابتلاء – إن تعامل العباد معه بما أمر الله تعالى – منحة وعطاء ، فالله تعالى يبتلي عبده ليسمع تضرعه ، وهو سبحانه يحب صوت الملحين في الدعاء ، وأنين المتضرعين إليه في الضراء .
قال ابن القيم رحمه الله : ” فالله يبتلي عبده ليسمع تضرعه ودعاءه والشكوى إليه ، ولا يحب التجلد عليه ، وأحب ما إليه انكسار قلب عبده بين يديه ، وتذلله له وإظهار ضعفه وفاقته وعجزه وقلة صبره ، فاحذر كل الحذر من إظهار التجلد عليه ، وعليك بالتضرع والتمسكن وإبداء العجز والفاقة والذل والضعف ، فرحمته اقرب إلى هذا القلب من اليد للفم ” . من كتاب الروح 1/259
ومن هنا كان تضرع الأنبياء والمرسلين عليهم السلام والتجاؤهم إلى الله سمة بارزة في سيرتهم العطرة حين نزل بهم البلاء واشتد عليهم الكرب ، فكان نداء نوح عليه السلام ربه أن ينجيه وأهله من الكرب العظيم ، كما كان التجاء ابراهيم عليه السلام إلى الله وحده أن يجعل أفئدة من الناس تهوي إلى زوجه وولده ، وافتقار أيوب عليه السلام أن يكشف الله ما نزل به من ضر ، و استغاثة يونس عليه السلام في ظلمة جوف الحوت وقاع البحر أن ينجيه من الغم ، كما كانت شكوى يعقوب عليه السلام لله وحده : { قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } يوسف/86 .
ويكفي أن يطالع أحدنا سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح من أمته ، حتى يتأكد له التزامهم في البأساء والضراء و زمن المحن والابتلاءات بالتضرع وشدة الإلتجاء إلى الله سبحانه وتعالى.
فهل حال المسلمين اليوم مع ما نزل من انتشار هائل لفيروس “كورونا” الوبائي فيه اقتداء بما كان عليه الأنبياء والمرسلون والسلف الصالح من تضرع وشدة التجاء إلى الله تعالى ؟!