الرؤيا والتأويل، بين الحقائق والأباطيل / الحسن مولاي علي
الموريتاني : { قالوا: أضغاث أحلام، وما نحن بتأويل الاحلام بعالمين} ذلك قول السحرة والعرافين في مصر القديمة، وقد حشرهم فرعون لتقديم تأويل لرؤياه التي أفزعته، فقد رأى أن《سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف، وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات..》وأمام عجز الكهنة والسحرة والعرافين، أرسل نبي الله يوسف الصديق، من سجنه، تأويل الرؤيا، بأنها تعني سبع سنوات من الرخاء والوفرة، تعقبها سبع سنوات من القحط والجدب، فجاءت كما اولها.
تلك ومضات من حقائق القرآن الكريم الصارخة، عن الرؤيا والتعبير، حقائق منزهة عن الباطل والبهتان، من شكك فيها كفر كفرا مخرجا من ملة التوحيد؛ ثم نقرأ اليوم كتابات ونسمع اصواتا ممن لا زاد لهم من المعرفة، في ابعادها الدينية والروحية، تستهزئون بتلك الحقائق من خلال الهزؤ برجال من اهل العلم، يمارسون سنة النبي ومن تبعه في تاويل الرؤيا،، مؤكدين كل مرة انها《تسر، ولا تغر》ويقتحمون على الناس عقائدهم ومسلماتهم وقناعاتهم الدينية المؤسسة على القرآن؛
تعتبر المرائي والمنامات والاحلام، جزء من الحقيقة الباطنة للإنسان، أي إنسان، وهي امر واقع معلوم ومشهود، لا يجادل فيه عاقل، وهي في كل عقائد وثقافات واساطير وميتولوجيا الشعوب، إما أن تأمر بشيء ما أو تخبر عنه، أو تشير إليه أو تحذر منه، علم ذلك من علمه، وجهله من جهله، ومن ثم كانت المرائي وتأويلاتها من المراتع الخصبة لشياطين الإنس والجن، مشعوذين وسحرة ودجالين، ثم اراد المبطلون توظيف ذلك في الهجوم على الحقائق الشرعية والمؤتمنين عليها.ط
في مرجعيتنا ومنظومتنا العقدية العلمية الدينية، كمسلمين، فصلتها نصوص القرآن العظيم، وصحيح الروايات عن النبي الكريم،، تفصيلا، فهي إما:
1- رؤيا الأنبياء والرسل: وهي وحي، فتكون امرا واجب التنفيذ، كرؤيا إلراهيم عليه السلام أنه يذبح ابنه، حيث بادر إلى التنفيذ، ففدى الله الغلام بذبح عظيم؛ وتكون إخبارا وكشفا للمستقبل، فقد كان من إرهاصات بعثة النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يرى في المنام رؤيا إلا جاءت كفلق الصبح؛ ولقد قص الله علينا تفاصيل رؤيا النبي يوسف عليه السلام، وكيف تحققت بتفاصيلها على ارض الواقع.
2- الرؤيا الصالحة، براها المرء، او ترى له، وهي جزء من بضع وستين جزءا من التبوءة، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتكون بشارة، او نذارة، او تعليما او تحذيرا، او كشفا عن ومضات من المستقبل.. الخ.
3- أخلاط الأحلام وأضغاثها، وهي من نفث الشيطان، وتكون، طبقا لمدرسة التحليل النفسي الحديثة، انعكاسا لبعض الرغب المكبوت، او تعبيرا عن المخاوف او المطامع، او غير ذلك من احوال العقل الباطن..
أما تعبير الرؤيا وتأويلها، والإخبار بحقيقتها ومآلاتها، فهي علم يعلمه الله من يشاء من عباده، من الانبياء والربانيين وصالحي المؤمنين وأتباعهم؛ وكانت المعجزة الكبرى نبي الله يوسف الصديق عليه السلام، تأويل الرؤى، وقد قص الله علينا من ذلك في القرآن الكريم عجائب، ابرزها رؤيا الفرعون وصاحبي السجن؛ بل كانت قصة حياة يوسف، بكل تفاصيلها، تاويلا للرؤيا التي قص على أبيه وهو صبي.
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم، يؤول لبعض أصحابه رؤياهم، وكذلك بعض صحابته الكرام، وبعض كبار التابعين، وكان أعلاهم ذكرا محمد بن سيرين رحمه الله، وكانوا في ذلك يسيرون على هدي النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته، ويتحرون آثارهم، مع بعض الإشارات والإلهامات والمعارف التي يمنحها الله للمتقين.
نعم الؤيا الصالحة حق، بشارة او نذارة، امرا او نهيا، يراها المرء او ترى له، وهي جزء من بضع وستين جزءا من النبوة، وقد فتح الله لبعض عباده الذين ائتمنهم على دينه وشريعته، وآتاهم ملدنه علما وفهما، فهم يحاولون تقديم التاويل الاقرب، لا على وجه القطع والالزام، ولكن على وجه البشارة والفال الحسن، شعارهم الداىم: ” الرؤيا تسر ولا تغر”
صحيح ان في كل امر ادعياء، ومع كل حق باطل، ومع كل ولي دعي، وهؤلاء يضلون الناس بغير علم، واليه مرجعهم جميعا.