هل يسمع المفسدون؟ “لن نتساهل مع أي شكل من أشكال الفساد أو الإخلال بالحكامة الرشيدة”
فقرة بارزة من خطاب رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني إلى الأمة بمناسبة عيد الفطر المبارك؛ خطاب تجاوز الصيغة التقليدية إلى تناول هموم الحكامة بكل أبعادها.
فهل يصل هذا التحذير الواضح لمن يهمهم الأمر من بقايا فلول الفساد المعشعشين في عموم جسم الإدارة وهم يحاولون، بشتى الطرق والحيل التي برعوا فيها، أن يستمروا في التأثير السلبي على النوايا المخلصة، والإبقاء كذلك على نهج السرقة والنهب والفساد الذي أسسوه بكل جرأة ووقاحة وجعلوه دولة بينهم يحكمون به ويحتكمون إليه في مسعاهم الدائم إلى نهب وتوزيع خيرات البلد بينهم بلا خوف من رب يعذب ولا ضمير يؤنب؟
وهل تردعهم، بقوة القانون، الإجراءات المتخذة حتى يتركوا للبلد فرصة أن ينهض من كبوات العشرية المنصرمة ويلملم “أوراق إصلاحه” التي تبعثرت واختلطت بـ”أوراق الفساد” التي تحولت إلى “نظام تسيير” و”نهج حكامة” أحادية كرست الفساد وسيلة إلى الثراء والهيمنة بأثواب قبلية وعشائرية وإثنية طلها مجتزءة؟
لا شك أن وتيرة الفساد تناقصت لحد بات الأمر معها جليا في التناقص الشديد الذي تشهده حركة الحياة “الباذخة المترفة” للمستفيدين من أصحاب العشرية المنصرمة حتى ضرب الكساد:
- بورصات تبييض المال الحرة والسيارات الفاخرة ليتناقص نشاطها عن السابق في استيراد لم يكن يخضع للجمركة وبيع لم تكن توقفه الأزمات،
- توقف ورش العمارات الشاهقة لنضوب مال الخزينة الذي كان مستسهلا بلا حساب،
- سير القطاعات في تأدية مهامها بشكل أفضل وانسيابية أكثر وبمزيد من الشفافية والمراقبة الملحوظة للمبيعات والمشتريات ولمضامين “الفوترة” وتحديد مصادرها،
- تناقص حدة التظلمات ضد الغبن والحيف والاقصاء، وهي الشكاوى التي لم تكن تلق أبدا آذانا صاغية ولا تطمع في عدالة فورية، إن لم تكن على العكس من ذلك تقابل بالسحق الظالم والطرد الجريء والإهانة بلا رحمة أو شفقة.
ثم هل بهذا التحذير تستقوي اللجنة البرلمانية المكلفة تسليط الضوء على ملفات الفساد الكبرى التي جعلت هذه البلاد تجثو على ركبتيها تحت: - عبء الديون التي أخذت بقروض مجحفة على حساب الشعب،
- سوء تنفيذ المشاريع التي دعيت زورا بالإنجازات الكبيرة،
- غياب البنى التحتية القاعدية والضرورية وأولها الطرق والصحة والتعليم والطاقة والماء،
- تسلط قلة من المتخمين بالمال العام على الغالبية التي يسحقها الفقر ويشلها المرض ويقصيها الجهل عن مدارك المدنية الحقة؟
ثم لا شك أخيرا أن هذا التحذير، الذي يلبي حاجة معلنة لدى الشعب الموريتاني، ليأتي في ظرف تبدلت فيه الأحوال من: - الاحتقان السياسي الشديد إلى الانفتاح الكبير على الحوار والتبادل من ناحية،
- وقبول الرأي المخالف والناقد بحرية مشهودة؛ رأي لم يعد صاحبه يخشى المصادرة ولا السجن، بل على العكس من ذلك أصبح رأيه يلقى الآذان ويعتبر به مشاركا فاعلا في تصحيح القرارات والتوجيهات ودافعا إلى حيز التعديل للصالح العام.