فضيلة الشيخ / فيصل الغزاوي – بين أن نبي الأمة عاش أروع الامثلة في التضحية والفداء واجدً لذة المناجاة ذائق طعم الإيمان
الموريتاني : عمر شيخ – مكة المكرمة .
ألقى إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور / فيصل بن جميل غراوي – خطبة الجمعة في رحاب – المسجد الحرام – استهلها بحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
وقال فضيلته الحمد لله على إنعامه وآلائه التي أولانا، مَنَّ علينا فهدانا وأطعمنا وسقانا، وَكُلَّ بلاء حَسَنٍ أبلانا ، وأفضل علينا من إنعامه مبديا ومعيدا، وأفاض لنا من إحسانه مسديا ومفيدا، ونشكر له على ما ألهمنا من الشكر، وجعله وهو منحة منه أوفَى عُدَّةً لنا وهو ذخر، ونسأله العصمة من الزيغ والزلل، ونعوذ به من الخطأ والخطل، ونأمل منه توفيقا وتسديدا يرشدُنا إلى اتباع سبيل المؤمنين، ويوقظُنا من رقدة الغافلين، ويَقِيْنَا مزلّةَ العاثرين. معاشر المسلمين: إن الناظر إلى حال الدنيا وما يعتريها يجدها تتقلب بأهلها ومن فيها، ما بين عز وذل وسرور وحزن وراحة وتعب وغنى وفقر وصحة ومرض ومسرات وأحزان، وهذه الأحوال المتفاوتة إنما تكون فتنةً للعبد وتمحيصًا له؛ قال تعالى: ( وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ) وقال سبحانه: (وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)، والحسنات هنا هي النعم من الخِصْب والرخاء والصحة والعزة، والنصرِ على الأعداء ونحو ذلك، والسيئات هنا هي المصائب، كالأمراض وتسليط الأعداء والزلازل والرياح والعواصف والسيول الجارفة المدمرة ونحو ذلك، وقال عز وجل:(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)، والمغزى المراد من هذه الآيات: أنه سبحانه قدَّر ما قدَّر من النعم والمصائب وما ظهر من البلايا والنكبات كالجدب والقحط ومحق البركات وقلة الخيرات، ليرجع الناس إلى الحق ويبادروا بالتوبة مما حرم الله عليهم، ويسارعوا إلى طاعته وامتثال ما أوجب عليهم.
وبين فضيلته بأنه مما نقل عن علي رضي الله عنه في التحذير من الاغترار بالدنيا وأنه لا يدوم لها حال قولُه ” فلا تغرنكم الحياة الدنيا ، فإنها دار بالبلاء محفوفة ، وبالفناء معروفة ، وبالغدر موصوفة وكلُّ ما فيها إلى زوال وهي بين أهلها دول وسجال، لا تدوم أحوالها، ولن يسلم من شرها نُزَّالُها، بينا أهلها منها في رخاء وسرور إذا هم منها في بلاء وغرور ، أحوال مختلفة ، وتارات متفرقة، العيش فيها مذموم، والرخاء فيها لا يدوم، وإنما أهلها فيها أغراض مستهدفة ترميهم بسهامها، وتقصمهم بحمامها ، وكلٌّ حتفه فيها، وحظه منها موفور”
وختم فضيلته ولا يزال لطيفُ صنعِ الله عز وجل بأوليائه وعباده الصالحين يتوالى عليهم في حال الشدائد والكُرَب، فيفرّج كربهم، وينفّس عنهم حيث كان لهم مع الله معاملةٌ في الرخاء، وإنه ياعباد الله مهما يبتلى به العبد من مصيبات الدنيا ويعافى بعدها، أو يبقى على حاله صابرا محتسبا حتى الممات فإن ذلك الابتلاء يعد هينا يسيرا لكن من أصيب في دينه فهو البلاء حقيقة والمصاب بذلك هو المصاب ولهذا كان من دعائه صلى الله عليه وسلم: (ولاتجعل مصيبتنا في ديننا) رواه الترمذي
ألا وإن من اعترف بالفَضلِ لله وشَكَره بلسانِه وجوارحِه بالأعمالِ الصَّالحةِ؛ فإنَّ نِعمةَ الله عليه بالتوفيقِ للشُّكرِ أعظَمُ من نعمة سلامتِه وعافيته من الوباء، ومَن نَسَب الفَضلَ لنَفسِه وجُهدِه وارتكَسَ في الذُّنوبِ والمعاصي، فمصيبتُه أعظَمُ من مصيبة الوباء وسائر الأدواء .