منظور جديد لتاريخ شمال أفريقيا الإسلامي المبكر

الموريتاني : دخل العرب أفريقيا البيزنطية فاتحين لأول مرة إلى مصر عام 642م، ولكن على عكس الفتح السريع لبقية أنحاء الشرق الأوسط، لم تسفر هذه المحاولات عن فتح سريع واستقرار حكم مسلمٍ في شمال أفريقيا، بدلاً من ذلك كانت هناك بعض الهزائم والانكسارات والثورات، قبل أن تصبح العاصمة البيزنطية في الشمال الأفريقي “قرطاج” (في تونس الحالية) جزءا من بلاد العرب والمسلمين بدءًا من 697 م/74 هـ.

وفي كتابها الصادر حديثا بعنوان “منظور جديد لشمال أفريقيا الإسلامي المبكر” عن دار نشر بلومزبري البريطانية، تقول الأكاديمية بجامعة لندن كوريساندا فينويك إنه في غضون سنوات قليلة، بعد فتح قرطاج، وصلت الجيوش الإسلامية إلى المغرب، وأصبح الشاطئ الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط ​​جزءًا من الخلافة الأموية ومقرها دمشق، قبل أن تندلع ثورات في المغرب البعيد وتصل بسرعة إلى تونس، ويتأسس في شمال أفريقيا نظام حكم مستقل ومنافس للأمويين بقيادة نخب شمال أفريقية من العرب والبربر.

وصدر الكتاب منتصف شهر مايو/أيار الماضي، واعتنى بتحريره ريتشارد هودجز أستاذ ومدير معهد الآثار العالمية بالمملكة المتحدة ومدير متحف بنسلفانيا للآثار والأثروبولوجيا الأميركي.

شمال أفريقيا المستقل

تتابع المؤلفة سرد تاريخ الشمال الأفريقي المسلم، وتؤرخ لاستعادة العباسيين السيطرة المشرقية لفترة وجيزة على أجزاء من الشمال الأفريقي قبل أن تعود السلطة في المنطقة للأغالبة، وهم سلالة عربية من بني تميم استقلوا عن العباسيين، وحكموا منذ بدايات القرن التاسع الميلادي إقليم أفريقية بالمغرب (شرق الجزائر وتونس وغرب ليبيا) إلى جانب جنوب إيطاليا وجزيرة صقلية وسردينيا ومالطة وغيرها.

ويقول الكتاب إن سرد الفتوحات في شمال أفريقيا (الغرب الإسلامي) لا يماثل نظيره الشرقي، فقد أدى استقلال شمال أفريقيا المبكر عن مركز الحكم في بلاد الشام والعراق والجزيرة العربية، إلى رواية تاريخية مختلفة عن تلك التي هيمنت تقليديا على مناطق وسط وشرق العالم الإسلامي، وهو ما أسهم كذلك في تقاليد وفنون وهندسة معمارية مختلفة.

وتقول الكاتبة إن دراستها تملأ فجوة مهمة في دراسة تاريخ شمال أفريقيا الإسلامي، وتدرس تحديات مختلفة عن التي عرفها التاريخ الإسلامي في المشرق العربي والجزيرة العربية، وتعتبر أن شمال أفريقيا الإسلامي مهم بشكل خاص، لأنه يروي قصصا وأشكالا جديدة اقتصادية وثقافية، كما أن المنطقة تمثل “قصة نجاح للإسلام حتى عندما فشلت الخلافة” في مجتمعات متعددة الأعراق والطوائف.

وتناقش المؤلفة في كتابها قضية المصطلحات والتسمية العربية، وتشرح في المقدمة ما تسميها بإشكالية الشمال الأفريقي، وتتعرض في الفصل الأول لمواضيع تأسيسية عن الأدلة والمساهمات المختلفة، وتروي في الفصل التالي قصة الفتح والحكم الإسلامي، وتتعرض لاحقا لتاريخ المدن والأرياف في الشمال الأفريقي، ثم تشرح الحياة الاقتصادية والاجتماعية، قبل أن تختم بتقديم تفسيرات للعلاقة بين الشمال الأفريقي وبقية العالم الإسلامي في التاريخ المبكر.

مقاربة جديدة

وفي النص التعريفي للكتاب، يقول الناشر إنه يمثل مقاربة جديدة للفتوحات العربية وانتشار الإسلام في شمال أفريقيا، مؤكدا أن دخول الإسلام مثل استمرارية ثقافية واقتصادية كبيرة ولم يرتبط بدمار وتراجع مدني، ومع الاستمرارية كانت هناك تغيرات كبرى.

وشملت التغيرات، حسب فينويك، تزامن الحكم الإسلامي للمنطقة مع مرحلة من التمدن والتحضر الهائل، وظهور أشكال معمارية جديدة مثل المساجد والجوامع والمساكن والحمامات العامة، وانتشار الممارسات الاجتماعية والثقافية الإسلامية، وإدخال المحاصيل الجديدة واستحداث طرق التصنيع، وإنشاء روابط تجارية جديدة مع أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وأوروبا والشرق الأوسط.

ويقدم هذا الكتاب المختصر البسيط لدراسات علم الآثار في شمال أفريقيا الإسلامية المبكرة (القرنان السابع والتاسع الميلاديان)، بالاعتماد على مجموعة واسعة من الأدلة الجديدة من المغرب والجزائر وتونس وليبيا، ويعرض المناقشات الحالية حول تفسير هذا التاريخ، مقترحا طرقا جديدة للتفكير في هذه الفترة الحاسمة في تاريخ العالم.

دراسات قليلة

وتقول المؤلفة إنه على الرغم من وجود عدد من الدراسات التي تعالج العصور القديمة ومنها الفترة الإسلامية المبكرة، لم يتم إفراد شمال أفريقيا الإسلامية المبكرة بين القرنين السابع والتاسع بدراسات خاصة حديثة، باستثناء عدد قليل من التحليلات التاريخية للسلالات الأفريقية الشمالية الحاكمة نشرت منذ عقود، ومعظمها كتب نشرت منذ عدة عقود، مقارنة بكم هائل من الدراسات الحديثة التي تتناول تاريخ بلاد الشام والعراق.

وتلاحظ المؤلفة ندرة الآثار والأدلة المادية والأطلال التي تؤرخ لهذه الحقبة كذلك، رغم توفر كتابات تاريخية مهمة وسير ذاتية ومجلدات المؤرخين والجغرافيين والسجلات القضائية والكتب الدينية لعلماء المنطقة التي أجبت في عصورها القديمة مؤرخين وعلماء كبارا كثرا.

وتقول المؤلفة إن المؤرخين وعلماء الآثار وخبراء الفنون يتجاهلون بعضهم بعضا، كما أن الانقسامات العلمية والفكرية تضعف من الدراسات التاريخية التي تتناول هذه الحقبة، في وقت لا يدرك فيه كثير من الباحثين حتى الآن أهمية الأدلة المادية والنماذج التاريخية في تقديم رؤى جديدة للتاريخ السائد.


زر الذهاب إلى الأعلى