هل ستكون التجارة الحرة الحل لانتعاش الاقتصاد الأميركي والعالمي؟
الموريتاني : تواجه الولايات المتحدة أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخها. وحتى اللحظة الراهنة، لم تتخذ سوى خطوات تهدف إلى تقديم مساعدة أولية من أجل معالجة أكثر الصراعات المالية إلحاحا والصراعات القصيرة المدى، وذلك من خلال توفير حزم الإغاثة التحفيزية وتريليونات الدولارات لمساعدة الشركات الصغيرة والشركات الكبرى على حد سواء.
وفي مقال نشره موقع “مودرن دبلوماسي” الأميركي، قال الكاتب بورو بي تريفيدي إنه على الرغم من أن هذه الإجراءات ضرورية، فإن هذه التدخلات لن تعيدنا إلى المستوى الطبيعي للنمو قبل الجائحة، أو توفر سبيلا للانتعاش الاقتصادي على المدى الطويل.
والسؤال حول طبيعة الإستراتيجية الطويلة الأجل التي ينبغي أن تتبعها الولايات المتحدة ودول أخرى حول العالم لإعادة بناء اقتصاداتها، تتمثل إجابته المناسبة في التجارة الحرة والعادلة والمفتوحة، إلى جانب تعزيز التعاون الدولي، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال إحداث تحولات هيكلية شاملة داخل حكوماتنا ومؤسسات التجارة العالمية المتعددة الأطراف.
تجارة عادلة
تضطلع التجارة الدولية بدور رئيسي في العديد من المجالات، بما فيها الوظائف والبيئة ومكافحة الفقر، ولكن لكي تكون التجارة فعالة في إنعاش الاقتصاد العالمي، ينبغي أن يتجاوز هدفها الأساسي أن تكون عادلة، ذلك أن المبادلات التجارية التي تقوم على مبادئ العدل والإنصاف تساهم في جني فوائد أكبر لأن إيراداتها تكون أضخم.
وتشير هذه النظرية إلى قدرة الدولة على إنتاج السلع والخدمات بتكلفة أقل من الدول الأخرى التي تتاجر معها. وفي إطار التجارة الدولية، فإن السماح للدول بالتخصص في مختلف السلع والخدمات يجعل وضعية جميع الدول المشاركة في التجارة أفضل.
وحسب بلومبيرغ وصندوق النقد الدولي فإنه “يُتوقع أن تشكل الولايات المتحدة 31% من انخفاض هذا العام في الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتمثل هذه النسبة أكثر من ضعف حصة الولايات المتحدة من الناتج العالمي سنويا”، كما أنهما يتوقعان أن يتراجع الاقتصاد العالمي بأكمله بنسبة 3% في العام 2020 و6% في العام 2021.
سياسات التجارة الحرة
وبينما يواجه العالم هذه الأزمة، نحتاج إلى التركيز على السياسات التي تعزز التجارة الحرة، والتي يُحتمل أن يكون لها آثار سياسية سلبية قصيرة المدى. ولكن على المدى الطويل، فإنها ستساهم في إعادة الناتج المحلي الإجمالي إلى مستويات ما قبل تفشي جائحة كورونا المستجد. كما أن التعاون المتعدد الأطراف، إلى جانب الالتزام بنظام تجاري عالمي قائم على قواعد معينة، سيكون حيويا لصحة الانتعاش الاقتصادي العالمي.
وهناك أمل في تعاون دولي مكثف لتعزيز استجابة متعددة الأطراف، ومع ذلك فإن الإشارات التي ترسلها العواصم العالمية الرئيسية تشير إلى أننا نتجه نحو المزيد من التشتت العالمي.
وفي الوقت الحاضر، كان أول منتدى رئيسي للتعاون والتنسيق الدوليين بشأن هذه القضايا هو مجموعة العشرين، فلقد كانت المجموعة واضحة بشأن الشكل الذي ينبغي أن تكون عليه الاستجابة التجارية للجائحة، حيث ينبغي أن تكون التدابير التجارية “مستهدفة ومتسقة وشفافة ومؤقتة”.
وذكر الكاتب أن مجموعة العشرين لا تملك القدرة على التنظيم بين الدول، لأن هذه المهمة مناطة بعهدة منظمة التجارة العالمية، مشيرا إلى أنه حظي مؤخرا برئاسة جلسة إحاطة مع السفير آلان وولف نائب المدير العام لمنظمة التجارة.
نظام تجاري متعدد الأطراف
حسب وولف، تشمل المراحل الثلاث للاستجابة التي يحتاجها الآن النظام التجاري المتعدد الأطراف:
– معالجة التدابير التي يجب أن تتخذها الدول للتعامل مع أزمة الصحة العالمية.
– التعاون لدعم الانتعاش الاقتصادي.
– التأكد من أن النظام التجاري المتعدد الأطراف أكثر فعالية ومرونة في تشكيل النمو الاقتصادي العالمي في المستقبل.
وهناك حاجة إلى بذل جهود سياسية منسقة بين الدول التجارية الكبرى الآن أكثر من أي وقت مضى، كما ينبغي استخدام الأدوات المتعددة الأطراف المتوفرة، والتفكير في طرق جديدة لزيادة هذا التعاون العالمي للأزمات المستقبلية. ولكي تعمّ الفائدة بين جميع الدول، ينبغي النظر في طرق السياسات الاقتصادية المحلية من زاوية كيف يمكن أن تؤثر على التدفقات التجارية لبقية دول العالم.
وأوضح الكاتب أنه خلال الاجتماع القادم لمجموعة الدول الصناعية السبع، يمكننا أن نتوقع أن الزعماء سيتطرقون إلى مواضيع مثل مصير هونغ كونغ، وعودة روسيا، وإصلاح منظمة الصحة العالمية. ومع ذلك، لا بد أن يكون التركيز الرئيسي على وضع السياسات المتسقة التي من شأنها مساعدة كل شركائنا التجاريين الرئيسيين على التغلب على المشاكل الاقتصادية التي تواجهها بلدانهم.
لهذا السبب، يعد اجتماع مجموعة الدول الصناعية السبع مكانا مثاليا للإجماع على ما ينبغي أن تكون عليه استجابة السياسة المنسقة، والطرق التي يمكن من خلالها أن تعمل بها مجموعة السبع مع مجموعة العشرين من أجل بناء شراكة تهدف إلى قهر عدو مشترك.
ودون وجود استجابة سياسية منسقة، ستستمر جميع الدول في العمل لمصلحتها الذاتية، وسيتراجع النمو التجاري جراء العقوبات التجارية الرجعية. ويذكر أن النظام الاقتصادي العالمي الذي ساعدت الولايات المتحدة في تشكيله خلال حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، مصمم لتعزيز التعاون المتعدد الأطراف اللازم لمعالجة هذه الأزمة.
وخلص الكاتب إلى القول إنه خلال هذه الأزمة، أمام الولايات المتحدة فرصة أخرى لقيادة وتشكيل النظام الاقتصادي العالمي من أجل جيل آخر، ومن شأن وجود شركاء اقتصاديين أقوياء أن يساعدها على الخروج من هذه الأزمة بشكل أسرع ومرونة أكثر.