تعليق مفوض حقوق الإنسان على تقرير الخارجية الأمريكية
الموريتاني : وصف مفوض حقوق الإنسان والعمل الإنساني والعلاقات مع المجتمع المدني محمد الحسن ولد بوخريص، تقرير الخارجية الأمريكية حول الاتجار بالبشر في موريتانيا بأنه “إيجابيا”، حيث “كان منصفا في الإشادة بالجهود التي قامت بها الحكومة”.
وأضاف المفوض في تصريح إلى “الصحراء” أن إعادة تصنيف موريتانيا في المستوى الثاني هو “ثمرة عمل ومجهود حكومي مبكر ومتواصل، واعتراف من طرف الشركاء بالجهود التي تبذلها الحكومة في هذا المجال”، على حد وصفه.
إلى ذلك، أشار ولد بوخريص إلى أن حكومة الرئيس غزواني اتخذت خطوات جدية لمكافحة الاتجار بالبشر، وبدأت تنفيذها وهو ما أدى إلى رفع مستوى تصنيف البلد من المرتبة الثالثة إلى المرتبة الثانية.
وفيما يلي نص أجوبة مفوض حقوق الإنسان على أسئلة مركز الصحراء بخصوص التقرير الأمريكي حول محاربة الاتجار بالأشخاص 2020:
“ما تقييمكم لتقرير الخارجية الأميركية حول الاتجار بالبشر، خاصة ما يتعلق بموريتانيا؟
التقرير السنوي للخارجية الأمريكية حول الاتجار بالبشر هو عبارة عن آلية رصد ومتابعة للجهود التي تبذلها الدول لمحاربة ظاهرة الاتجار بالبشر. ويعتبر من أهم المؤشرات الدولية الموضوعية المعترف بها في مجال قياس مدى استجابة الدول التي يشملها المسح للنظم والمعايير الدولية لمكافحة هذه الظاهرة، خاصة ما يتعلق منها بالبروتوكول الدولي لمنع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص المعروف ببروتوكول باليرمو. وقد ظل التقرير على مدى عشرين سنة يصنف الدول على ثلاث مستويات ويمدها بالإجراءات اللازم اتخاذها للرفع من نجاعة سياساتها الرامية لمحاربة الاتجار بالبشر.
وقد ظلت بلادنا منذ العام 2013، كما يوضح الرسم البياني، في أدنى مستوى (المستوى 3) من التصنيف، لعدم كفاية الإجراءات العملية المتخذة في مجال محاربة الظاهرة.
غير أنه بعد مجيئ الحكومة الحالية في أغسطس 2019، وضع قطاعنا بالتعاون مع الوزارات المعنية، خطة استشرافية متعددة الجوانب تسعى لتكثيف الجهود الحكومية في مجال محاربة الاتجار بالبشر من أجل أخذها بعين الاعتبار عند المراجعة السنوية من طرف مكتب رصد محاربة الاتجار بالبشر التابع لوزارة الخارجية الامريكية.
وتشمل هذه الجهود التي تم اتخاذها:
- العمل على متابعة مرتكبي جرائم الاتجار بالبشر وإدانتهم
- العمل على عصرنة وتحديث الإطار القانوني الناظم لمحاربة وتجريم الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين ومحاربة العنف ضد النساء والفتيات؛
- المصادقة على خطة العمل الوطنية لمحاربة الاتجار بالبشر والتي تسعى إلى تعزيز الوقاية وحماية الضحايا؛
- إنشاء المندوبية العامة “التآزر” للتضامن الوطني ومحاربة الاقصاء؛
- إطلاق برنامج التحويلات النقدية؛
- إطلاق عدة مبادرات وحملات توعية لمحاربة الاتجار؛
- العمل على تحديث الإطار القانوني للجمعيات؛
- إنشاء لجنة وزارية لتنسيق مكافحة تسول الأطفال
- إشراك المجتمع المدني في وضع السياسات وتنفيذ البرامج.
هذا علاوة على تكثيف الاتصالات وتبادل الزيارات بيننا مع المسؤولين الأمريكيين المعنين بالملف. حيث استقبلنا في الأشهر المنصرمة، قبل جائحة كورونا، خمس بعثات أمريكية من وزارات الخارجية ووزارة العمل، كما قمنا في شهر أكتوبر 2019 بزيارة للعاصمة واشنطن زرنا خلالها مكتب وزارة الخارجية المسؤول عن رصد ومتابعة الظاهرة.
إذا إعادة تصنيف بلادنا في المستوى الثاني هو ثمرة عمل ومجهود حكومي مبكر ومتواصل، واعتراف من طرف الشركاء بالجهود التي تبذلها الحكومة في هذا المجال.
إذا، التقرير كان إيجابي فيما يتعلق ببلادنا، إذ كان منصفا في الإشادة بالجهود التي قمنا بها، ونستقبل بصدر رحب أيضا الملاحظات والتوصيات التي قدمها لبلادنا للتحسين من تلك الجهود.
بعض الحقوقيين هنا اعتبر التقرير “فرصة وحسن نية” من الطرف الأميركي ولا يعبر عن حقيقة على أرض الواقع. ما تعليقكم؟
إن مصداقية التقرير التي اكتسبها على مدى عشرين سنة من الصدور والتوجيهات المحكمة والتوصيات التي يتضمنها، علاوة على ما يرصد له من مصادر بشرية ومالية، لم تعد محل تشكيك أو موضوع تسفيه من طرف البلدان التي يستهدفها أحرى الناشطين الحقوقيين المستقلين الموضوعيين والذين يشيدون به على مستوى العالم. المعروف أن التقرير تشرف عليه كوكبة من الخبراء والحقوقيين والقضاة الذين اكتسبوا شهرة في مجال محاربة الاتجار بالبشر ولهم باع واسع فيما يتعلق بالفصل بين نوايا الحكومات والاجراءات الملموسة المتخذة. لقد كنا على مر السنوات المنصرمة نعبر عن نيتنا لاتخاذ الإجراءات المناسبة لمحاربة الاتجار بالبشر ولكن لم تقبل منا لأنها مجرد نوايا وبالتالي ظلينا في المستوى المتدني. لكن عندما تم اتخاذ خطوات جدية كالمصادقة على خطة العمل الوطنية لمحاربة الاتجار بالبشر والبدء في تنفيذها، اعتبر المقيمون أننا تجازونا مرحلة “حسن النوايا” وبدأنا في العمل الجدي، ولذلك تم رفع مستوى تصنيفنا.
تجدر الإشارة إلى أن التقرير يشمل تقييم الولايات المتحدة الأمريكية نفسها ويبين لها مواطن الخلل والتوصيات التي يجب أن تأخذها بعين الاعتبار.
إذا لا مجال لحسن النوايا في التقرير، بل الواقع الملموس هو الذي يحتسب.
جاء في التقرير أن حكومتكم “لا تلتزم بمعايير مكافحة الاتجار بالبشر” كما أنها ” نادرا ما تسجن المدانين بممارسة الاسترقاق”.. هل تتفقون مع الوجه السلبي أو النقدي للتقرير؟
لمعرفة مدى وجاهة هذا النقد يجب التذكير أنه في أدبيات محاربة الاتجار بالبشر عالميا من المعروف أنها ترتكز على أربعة محاور: 1) الوقاية من الظاهرة، وتشمل كل ما يتعلق بتحسيس الجمهور وتكوين الفاعلين وتوثيق الظاهرة؛ 2) حماية الضحايا والشهود؛ 3) متابعة المدانين ومعاقبتهم؛ و4) تعزيز التعاون الدولي. وهي نفس المحاور التي يأخذها التقرير في الحسبان. وكما تلاحظون فإن ثلاثة محاور تعني السلطة التنفيذية مباشرة وهي الوقاية والحماية والتعاون، بينما المتابعة القضائية تعني السلطة القضائية بالأساس. ما يجب على الحكومة عمله في هذا الصدد هو توفير الإطار القانوني والمؤسسي والتجهيزات الضرورية لسير عمل القضاء وتقديم مرتكبي الجرائم للعدالة. إما إدانتهم وسجنهم فذلك تقدير السلطة القضائية، ولا يحق لنا كجهاز تنفيذي التدخل فيه، احتراما لمبدأ فصل السلطات.
ومع ذلك، فإن التقرير سجل إدانة 5 متابعين في ملفات تتعلق بالممارسات الإسترقاقية، ومازالت هناك عدة قضايا أمام المحاكم تنتظر البت فيها.
ختاما، تجدر الإشارة إلى أن هذه المكتسبات ما كانت لتتحقق لولا جو التسامح والتهدئة والانفتاح الذي أرسى دعائمه فخامة رئيس الجمهورية في مستهل مأموريته وعملت حكومة معالي الوزير الأول على ترسيخه، الأمر الذي أدى إلى إعادة بناء الثقة في بلادنا عند جميع الشركاء والفاعلين المحليين والدوليين. كما أشير إلى أن مسؤولية تعزيز حقوق الإنسان في بلادنا هي مسؤولية الجميع، وليست الدولة فقط. وأنتهز هذا المنبر لأوجه دعوة إلى الجميع بالتحلي بروح المسؤولية والعمل على تعزيز القواسم المشتركة المتجذرة بين جميع أطياف مجتمعنا ونبذ الخلافات المصطنعة والانتماءات الضيقة من أجل الصالح العام والتفرغ للمعركة الحقيقية التي هي تحقيق التنمية والرفع من المستوى المعيشي لشعبنا العظيم.
أشكركم والسلام عليكم”