علي محمد الشرفاء يكتب:القرآن طريق المؤمنين
لكي نجعل القرآن يحقق للإنسان ما يتمناه من جلاء الهموم وذهاب الأحزان، ويجعل فى القلوب نورا للناس فى كل زمان فإن ذلك يتطلب جهاد النفس والانتصار على الشيطان، من خلال التمسك بآيات القرآن قولا وعملا، وإنه لجهاد عظيم للانتصار على النفس وشهواتها وحب الدنيا وأطماعها، والإيمان باليقين المطلق بأن الله اللطيف الخبير والقدير مرجعنا، نراقبه فى كل خطوة، ونستغفره عند كل زلة ونلجأ إليه عند كل خوف أو فزع، ونعتمد على وعده سبحانه فى قوله (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ) (فصلت: 31) وقال سبحانه يخاطب رسوله الكريم(قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ) (الكهف:110) .
فليس بالتمنيات والأقوال والدعاء فقط يستجيب لنا الله، وإنما بالعمل الصالح الذى يعتمد على تطبيق كامل لكل التشريعات الإلهية التى حملتها الآيات، والعمل بآداب القرآن وأخلاقياته وقيمه النبيلة السامية، بدءا من الرحمة والعدل والإحسان والدفع بالتى هي أحسن واحترام حقوق الإنسان، وحماية حقه فى الحياة، وتحريم قتله ظلما والإحسان للفقراء، والعفو عن المسيئ، وتحريم الظلم بين الناس، وعدم الاستعلاء على خلق الله، سواء بالمال أو بالمركز، أو بالدين وتوظيفه فى خدمة الذات والجشع وحب الدنيا وخداع الناس، وعلى الإنسان الارتقاء إلى مستوى عُبَّاد الرحمن الذين رضي الله عنهم واهتدوا الطريق المستقيم وصاروا يتعاملون مع الناس بالكلمة الطيبة، ويستغفرون للذين أساءوا إليهم متخذين التسامح سبيلا،
والتعاون بين الناس سلوكا، والبر طريقة حياة، كما قال سبحانه ( لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) (البقرة : ١٧٧).
تلك هي شروط المؤمنين المتقين.. فليسأل كل إنسان نفسه هل طبق تلك الشروط والتزم بتنفيذها فى حياته ليجزيه الله أجر أعماله وانتصاره على ذاته ونفسه الأمارة.. أليس ذلك أمر صعب جدا على الإنسان ليفي بشروط الإيمان لو استطاع ليقينه وإيمانه وعمله تنفيذ التشريع الإلهي والوفاء بالعقد المقدس بين الإنسان وخالقه، ليجتاز الامتحان يوم الحساب ويومها إما الفوز وإما الخسران.
إن الله سبحانه من كرمه ورحمته بعباده فتح لهم بابه فى كل لحظة من حياتهم ليرجعوا إليه فيكافأهم فى الدنيا سعادة ويمنحهم السكينة والطمأنينة والسلام ويجزيهم يوم القيامة خير الجزاء جنات النعيم مخاطبا رسوله بقوله(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُون)(البقرة:186) وقال سبحانه (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر:٥٣) .
فهل يدرك الإنسان ما أنعم الله عليه من كرم ورحمة ونعمة وهو يدعو عباده بالقول تعالوا لكي تتمتعوا بنعمتى وتنالوا مغفرتي وتتسابقوا لمحبتي باتباع ما يبلغكم به رسولي الأمين من آيات وعظات وتشريعات لما ينفع الناس ويرشدهم لمصلحتهم وسلامتهم فى الدنيا والآخرة حيث يخاطب الله رسوله بقوله (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (آل عمران:31) ثم يأمر الله عباده (اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ)(الأعراف:3)
فرسولي ما ينطقه من آية فى كتابي وقرآني هي وحي يوحى إليه مني فاتبعوه وتأسوا بسيرته وهي آداب القرآن وأخلاقياته، فتلك هي سنته عمل صادق بما أنزله الله عليه، فهو قرآن يمشي على الأرض وآيات كريمة تضئ لكم الطريق المستقيم وهويدعو الناس إلى طريق الخير والصلاح وينذرهم إذا هجروا القرآن من يوم الحسرة كما قال سبحانه مخاطبا رسوله الامين (وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ)(مريم : ٣٩) .
الخلاصة يخاطب الله رسوله بقوله ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف:١٠٨)