الجائحة … النعمة في ظل النقمة/الولي سيدي هيبه

لا شك أن الأوبئة ترهق الشعوب، تضعف مسارات بلدانها التنموية، فتقلص نشاطاتها الاقتصادية لتكسد منتوجات صناعاتها وتنحسر التصديرات لتزيد حظوظ الفقر بين أوساطه وينصب أكبر اهتمامات الحكومات على الشأن الصحي لتفادي انتشار الوباء وتطويقه بسرعة. وهو الجهد الذي أخذ من الميزانيات قسطا كبيرا يصعب في ظل المرحلة تعويضه. وهو الأمر الذي يزيد مشاكل البلدان تفاقما والدول تباطأ في مجالات التنمية الأخرى. ولأن وعي شعوب العالم وصل ذروة “التفتح” على دقائق الحياة في وجهي الضرورات:

ـ المادية المتطورة والمتوفرة تباعا بفضل العلم الذي لا يعرف حدودا من الذرة إلى المجرة من ناحية،

ـ والثقافية، حمالة خصوصيات الإنسانية السامية بكل تجلياتها

فإن التطويق ـ المنقطع النظير ـ لجائحة الكوفيد 19 في كل قارات العالم وتقليص فضاءات انتشاره باستدعاء تعطيل الطيران العالمي وغلق المطارات وتشديد الرقابة على الملاحة البحرية مع التقنين المحكم لحركة البواخر التي تحمل المنتج الصناعي عبر المحيطات؛ هذا التطويق المجمع عليه لم يكبح جماح الثقافة التي لا يؤمن روادها بالحصار في ظل انفلات الابداع لديهم من قبضة رقيب “الركود” وقوالب “الجمود”.

نعم وحدها الثقافة في كل بلدان “الابداع” لم يكبحها “الحصار” الذي طال الأشخاص فاستجابوا للحجر الصحي ولكنه لم يطل إبداعهم وعطاءهم وقدرتهم على الإنتاج فابتكروا للظرف القاهر أساليب فريدة لتمرير رسائلهم الأدبية فجاءت:

ـ الأعمال الأدبية قصة ورواية فريدة تحمل ما استجد مع الجائحة وتحدث ثورة غير متوقعة في أسلوب الكتابة والتعاطي مع المحنة مسألة ما وراء المحنة،

ـ الاعمال الشعرية والموسيقية التي حملت بقوة رسائل مقاومة الجائحة وأسست لكتابة شعرية تحمل الهم البدني وعلاجه والاكسير الروحي للذات السامية في آفاقها اللامتناهية إلى أقرب ممكن من الكمال؛ أعمال شعرية تتقاطع مع الأعمال النقدية بذات المفردات التي تخضع بلا عقد لغربلة النقد من معاني الجمود.

ـ الأعمال السينمائية والمسرحية أكثر نفاذا إلى الوجدان وتأثيرا في السلوك وفهم متطلبات العقل الإنساني لفهم أكثر لرسالته ودوره، حتى ولم يمثل الممثلون  في منصات مشتركة ولكن التقنيات عوضت عن البعدين الزماني والمكاني.

ـ الاعمال التاريخية المتعلقة بالأثر الناطق بحيوية المسار وإرث الأمة، وبقوة المنتج:

شهدت مزيدا من الاشعاع وقوة في التعريف الواعي بـ”بلدانها” وإدرارا لمنافعها بواسطة التقنيات الفريدة التي أفرزها رفض “طوق” الجائحة و”إكراهاتها” على أرض الواقع، فكانت تعرض في قوالب مرئية تدعمها نصوص علمية أمينة “محينة” بفعل الموضوعية والالتزام بالحقائق التاريخية من دون تحريف.

وأما في بلاد “التناقضات الكبرى” فإن وجه الجائحة الإيجابي قد تمثل في إثبات “التقهقر الثقافي” من بعد التغطية الخادعة له بزائف الاهتمام وواهم الاشعاع حيث الذي سيعتري:

ـ الجوائز العلمية والابداعية الكاذبة،

ـ المهرجانات الأدبية الضامرة،

ـ الاحتفاء بخائر الحفاظ على المدن القديمة عبر مهرجانات فلكلورية مكلفة وعقيمة تهتز خلالها أركان آثارها ويفقر أهلها في ظل غياب أي إنتاج لعمل تعريفي أو تطويري أو مادي من سياحة ثقافية منتظمة.

وهي التظاهرات الباهظة التكاليف والعقيمة التي ستعلقها لا شك للضرورة الصحية القصوى الدولة بسبب جائحة “الكوفيد”19 مما سيمنح السلطات الثقافية وقتا ثمينا لإعادة النظر في المجال الثقافي الخائر وتصحيح مساره المتعثر،

(وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ…) صدق الله العظيم

زر الذهاب إلى الأعلى