في ذكرى رحيله منت الستهوري تكتب عن العقيد الفقيد


تحل في هذه الأيام، الذكرى الأولى لرحيل المغفور له بإذن الله، فقيد الوطن المصطفى بن محمد أحمد بن دياعي العلوي، فتختلط في قلوب أهله ومعارفه ومحبيه مشاعر الحزن، ومشاعر الفخر والاعتزاز في الوقت نفسه، نعم: يشعر الجميع بالحزن عندما تطل هذه الذكرى، لأنهم ودعوا في السنة المنصرمة طوداً شامخا في المعالي، يشهد له كل من يعرفه أنه آخر النبلاء المتشبثين بمعالي الأمور، المترفعين عن السفاسف، لكن الجميع رغم هذا الحزن يشعرون بالفخر والاعتزاز، إذ يعتبرون أنفسهم أعزاء بسبب انتمائهم إلى مشروع الفقيد، وهو المشروع الذي تمثل في الأخلاق الفاضلة والنبل، والإنفاق في سبيل الله، ويكفيهم شرفا هذا الانتماء الذي يحتم عليهم تخليد ذكرى الفقيد كل سنة، إذ لا ينبغي لمثله أن ينسى، أو أن يسقط ذكره بتقادم الزمن.

ولد المغفور له سنة 1958م بالعصابه، وبعد نيله الشهادة انخرط في سلك الجمارك، وظل يترقى فيه إلى أن بلغ بجدارة رتبة عقيد، وقد تولى إدارة الجمارك مرات عديدة، في ولايات متعددة، لما عرف به من النزاهة في العمل، والتفاني في خدمة الوطن، وتطبيق القانون على القريب والبعيد، وهو ما جعله ينال أوسمة الفخار والإجلال من لدن الدولة، ومن المواطنين ورفاق العمل الذين عايشوه.

عرف المغفور له بالكرم الذي لا يضاهى، والإنفاق في سبيل الله، وهو إنفاق لم يكن أحد يعرف عنه شيئا، باستثناء من كان يسدي إليهم ذلك المعروف السري، وقد انكشف بعد وفاته رحمه الله جزء هائل من ذلك العمل الخيري، الذي دأب عليه في صمت.

لقد كان رحمه الله متصفا بكل معاني الفتوة، فهو جميل الخلق والخلق، مثقف أديب ماهر بالأدب، ماهر بالرماية، ذو معرفة واسعة بالتاريخ والمجتمع، يذكر أن الفنان الراحل سيد أحمد البكاي ولد عوَّه قال عنه: “لا يمكن أن يشبَّه إلا بالأمير الكفيه ولد بوسيف”، والذي غاب عن ولد عوّه أن جدة المغفور له هي حورية بنت إبراهيم ولد هنون ولد بوسيف، كانت أميرة في أولاد امبارك، وكان لها شأن عظيم، فلا غرو إذا تسرب إليه المجد المباركي، إضافة إلى المجد العلوي الشريف.

ومما يدل على مكانة الفقيد، سحب الرثاء التي تهاطلت، بعد وفاته، ومن بينها ما قاله الأديب: عبد الله ولدبيد

الوطنْ يُعزَّ بالكلْ /// ووْجاع الوطنْ ووجاعِ،

والله لَّ يُعزَّ فاْلـ /// ـمصطافَ ولّ الدياعِ.

يُعزَّ فكريم اُظريفْ /// واخلاقُ زينينْ اُنظيفْ

وبْلا خاسرْ ما كيفُكيفْ ///  ضابطْ وَادِيبْ اجتماعِ

ما خالقْ يكون اللطيفْ /// اُفاللطيفْ اموسَّعْ باعِ

الوطن يُعزَّ بالكلْ /// ووجاع الوطن ووجاعِ

والله لَّ يُعزَّ فاْلـ ///   ـمصطافَ ولّ الدياعِ.

يعطيه الرحمَ والغفرانْ///  يالمليكْ الحي المنّانْ

واكتنُّ خادمْ موريتانْ /// كان اُعفيفْ اُراعِ

وامشَ مُودَّعْ للرحمنْ /// من الايمانْ اُقلبُ ساعِ

وَخَيرْ اُعارفْ عنُّ كانْ  /// ماشِ واليومْ انطباعِ

الوطن يُعزَّ بالكلْ /// ووجاع الوطن ووجاعِ

والله لَّ يُعزَّ فاْلـ ///   ـمصطافَ ولّ الدياعِ.

إن تعداد مآثر المغفور له أمر صعب، ناهيك عما يثيره من حزن في النفوس، ومرارة في القلوب عند تذكره، ويبقى عزاؤنا الوحيد سماع سيرته الطيبة، التي تتردد على لسان القريب والبعيد، مع رجاء المغفرة والتبجيل، نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلية، أن يرفع مقامه في جنات عليين، وأن يتقبله مع النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

خديجة بنت السنهوري

زر الذهاب إلى الأعلى