نبذة تاريخية عن القبائل الموريتانية
قبل ألف عام أو أزيد، لم يكن على وجه هذه الأرض الموريتانية لا عرب ولا بربر، وقبل ذلك بألف عام أخرى لم يكن بها كذلك لا بافور ولا سوانك ولا بالأحرى فلان ولا تكرور. فالتاريخ لا سقف له ويمكن أن يمتد من صباح أمس إلى نزول آدم.
فالشعب الموريتاني ليس بدعا من الشعوب، ومكوناته كلها وافدة من آفاق بعيدة في حقبة أو أخرى. وكل مكونة كانت في ماضيها شيئا آخر قبل أن تصبح شعبا من شعوب إفريقيا الغربية أو الساحل والصحراء.
وبالتالي، فكل عرق من أعراق هذه الساكنة قادم من مكان ما واستيطان هذا الفضاء الموريتاني لا يشكل شذوذا عن القاعدة العامة.
كما أنه لا توجد إثنية خالصة الأصول ونقية. فكل الشعوب وكل الأمم مركبة من عناصر متعددة، وهذه حقيقة لا مراء فيها. فلو بحثنا مثلا في سلسلة نسب أي موريتاني لعثرنا على خلية نحل إثنيٍّة، وخريطة جينية تتمدد في كل الاتجاهات والقارات. هذه هي سنة الله في خلقة، فالبشر يتحركون ويلاقون آخرين ويتم التلاقح بين الأجناس فيتولد من تلك الحركية مجتمع تطبعه مميزات عرقية وثقافية مختلفة.
وهكذا فإن الإثنيات الموريتانية لا تشكل استثناء في هذا المجال، فأغلبية “هالبولار” ليسوا في الأصل من الفلان و”السونينكي” و “وولوف” شديدي الامتزاج والبيضان بطبيعة الحال هم الآخرين ينحدرون من سلالات متعددة.
وخارج فضائنا فإن أكثر من نصف الفرنسيين ليسوا من أصول فرنسية، أما الأمريكيون فغالبيتهم من أصول أجنبية، الهنود وحدهم هم من مواليد القارة الأمريكية. أما بالنسبة للأمة العربية فهي بامتياز وطن الاختلاط وتتركب بالإضافة للعرب من أكراد وفينيقيين، وفرس، وكنعانيين وأرمن وبربر وزنوج…
الموجة الأخيرة: التكرور الوافدين من السينغال
إن آخر قبيلة وصلت الأراضي الموريتانية ليست مجموعات بني حسان كما يردده بإسهاب القوميون من الزنوج الأفارقة ولكنهم التكرور الذين هاجروا من السينغال في النصف الثاني من القرن العشرين وكانت أعدادهم تفوق حجم القبائل العربية التي توافدت إلى موريتانيا قادمة من المغرب في القرن الخامس عشر.
لقد اخذت موجة الهجرة التكرورية من الضفة اليسرى للنهر طابعا عفويا في بدايتها ولم تكن تنطوي على حسابات خفية. فموريتانيا في بداية عهد الاستقلال كانت دولة فتية بحاجة إلى كفاءات تغذي وظيفتها العمومية وكانت تتمتع بمساحات زراعية واسعة جاهزة للاستغلال وشواطئ تزخر بالأسماك ومعادن حديد ونحاس في بداية استغلالها وكمٍ هائل من الورشات مفتحة الأبواب لاستقبال اليد العاملة المؤهلة.
الأخوة السينغاليون كانوا حاضرين وكان مرحبا بهم طبعا في وطنهم الثاني. كل شيء إذن كان يسير على ما يرام. ولم يطل بنا الحال حتى أصبح الوزن الديمغرافي حجة سياسية قاطعة.
عندئذ تضاعف تدفق المهاجرين في ظل حالة مدنية تسودها الفوضى. وهكذا عبرت النهر أعداد كبيرة من أهالي “فوتا” لتستقر في موريتانيا وتحصل فيها على الجنسية. هؤلاء المهاجرون هم اليوم قادة فلام، ويشكلون عماد كتائبها وقاعدتها الانتخابية.
ظل تيار الهجرة هذا متواصلا ولم تتراجع كثافته إلى أن بدأ الإحصاء “البيومتري”. لم يسلم هذا الإحصاء من التشويش بل تخللته مشاهد صخب وضوضاء مثارة من طرف العنصريين الطائفيين من البولار والتكرور المنخرطين أو المناصرين لحركة “لا تلمس جنسيتي”.
خلاصة القول إن الهجرة من شبه منطقة غرب إفريقيا إلى موريتانيا في عهد ما بعد الاستقلال حقيقة لا يمكن إنكارها. ضمت هذه الهجرة بالإضافة للبولار والتكرور جماعات من بمباره وسونينكى والوولوف وقد انخرط كل من هذه الفئات في صفوف المواطنين الأصليين من إثنيته وهي جماعات كانت تستوطن موريتانيا منذ عهد بعيد، فالتكرور و “البولار” وإثنيات أخرى هم إذن سكان “فوتا”. وكانوا تاريخيا “يحتلون الضفة اليسرى لنهر السنغال ما بين دقانا و باكَّل”. إنهم يشكلون فرعا من الكونفدرالية الثقافية والعرقية “لإفلان”، من دون أن تربطهم ب “إفلان” روابط الأصل أو أساليب العيش.
فالبولار تطلق على ” الناطقين بالبولارية” من دون أن يكونوا بالضرورة من أصول فلانية. إنهم في الأصل وافدون من بلاد أعالي النيل يعيشون عادة في الحواضر ويمتهنون الفلاحة، حسب ما صدر عن الشيخ آنتا ديوب.
وفي سنة 1776م أقام سكان “فوتا” ما عرف باسم ثورة “تورودو” بقيادة “ترنو سليمان بال «وكانت هذه الانتفاضة موجهة ضد سيطرة البيضان من البراكنة والترارزة وأولاد الناصر وتشمشة. وفي هذا السياق كتب كان عمر:
” لما قمت بعملية تدقيق في وثائق الأرشيف اطلعت بما لا لبس فيه على أن سقوط نظام دنيانكوبي كان ناتجا عن سيطرة البيضان على شؤون البلد. إن الصراعات الداخلية بين أفراد الأسرة الحاكمة جعلت كل طرف منها يلجأ إلى عقد تحالفات مع قبيلة أو فرع من قبيلة من البيضان. وهكذا ومهما كانت نتيجة الصراعات الداخلية فإن استمرار حضور البيضان في البلد كان مضمونا. إن هيمنة البيضان هذه تعود إلى ما قبل الربع الأخير من القرن الثامن عشر. وفي هذا الإطار يمكننا الاستدلال بحركة ناصر الدين التي أفضت إلى الفتح الفعلي لكل من بلاد فوتاتورو و الوالو وكايور من طرف جيوش تاشمشه في الربع الأخير من القرن السابع عشر، ويضاف إلى تدخل البيضان في الشؤون الداخلية لأهل فوتا، اتاوة “مد الحرمة” التي لا تحتمل والتي بموجبها كان على كل بيت أن يدفع سنويا 5 كغ من الزرع للبيضان.
بعد انتصار ثورة التكرور على دنيانكوبي وحلفائهم من بيضان أولاد عبد الله وأولاد الناصر توِّج اتيرنو عبد القادر كان إماما للدولة الجديدة.
وبعد عودة عبد القادر إلى أهله بقليل ذهب الشيخ سليمان بال متوجها إلى فوري لمحاربة أولاد الناصر والثأر لمحمود عال راسين الذي قتل بعد نهاية المواجهات مع أولاد عبد الله في الظروف التالية:
بعد قيام أولاد الناصر بنهب ممتلكاته في دوديلمدي فينالا ذهب عال راسين للدفاع عنها فأصيب بسهم إصابة قتلته. كانت موته سببا في الحملة التي وجهت ضد فوري وهي محل سكن لأولاد الناصر. كان برفقة الشيخ سليمان بال في حملته هذه ضد أولاد الناصر، الوجهاء الذين تم ذكرهم سابقا وجمهور غفير من القبائل التي تمت الإشارة إليها آنفا من أمثال انجنار وما إلى ذلك. جرت المواجهة مع أولاد الناصر في فوري حيث هزموا وعاد المهاجمون إلى فيتاديتورو, اسند الشيخ بعد ذلك قيادة الحملة إلى أحمد صمبا، وفي هذه الواقعة الجديدة انتصر أولاد الناصر عل جيش فوتا وقتل أحمد صمبا متأثرا بجراحه”.
أما المامي عبد القادر كان فهو كما ورد في سلسة نسبه ابن حماد بن عبد الهادي لمين بن ماط بن عبد الله بن عالي وهو من أصول دمشقية.
مع أنه من الوهم أن نظن أن كل ما يرد من آثار في سلالات الأنساب هو بالضرورة حقائق، فعلم الأنساب ما هو إلا فرع مساعد من فروع التاريخ والحقيقة فيه جد نسبية. وقد أشار إلى هذه النسبية الأستاذ عبد الودود ولد الشيخ موضحا أن المجتمعات هي التي تنتج “بنسبة كبيرة، المعلومات المتعلقة بأصولها وسلاسل أنسابها”
عندما استلم الإمام كان القيادة العليا قرر هذا المحارب الخطير مهاجمة أولاد الناصر في حملته على فالوكولي والتي حطم من خلالها قوتهم وأضعف سلطانهم وفرض عليهم إعطاء ضريبة تتمثل في عتاق الخيل والآلات المنزلية الثمينة.
إن الانتصارات الحربية لسلطان فوتا الجديد على دنيانكوبى والبيضان لم تضع حدا للمواجهة، فقد كان على المامي عبد القادر كان أن يواجه من جديد تحالف البولار والعرب ووجد نفسه مرغما أمام حملتهم، على التخلي “عن الجزء الشرقي من فيتا مع المساحات الواقعة على الضفة اليمنى من نواحي وصنيا والي و بَّادالال ” لصالح دنيانكوبى.
الفلان
لقد كان الفلان غزاة محاربين قادمين من القرن الإفريقي “من الشمال أو الشرق ومن الشمال الشرقي أساسا.”
كانوا يضمون في صفوفهم أسرا من “سيرير” ومن “وولف” ومن “الماندينك” ومن البربر، والعرب وغيرهم. فهذه الإثنية تتألف من أعراق مختلفة. إنهم ينقسمون إلى “فلان الحمر” و “فلان السود”. فالسود سودانيون والحمر قد يكونوا عربا حسب شهادات عديدة من مؤلفين أكفاء. فهذا البكري يكتب في القرن الحادي عشر الميلادي:
في مملكة غانا يوجد قوم يطلق عليهم تسمية ” الهونيهين” ينحدرون من الجنود الموجهين من طرف الأمويين ضد غانا في العهود الأولى من نشر الإسلام. إنهم يتقاسمون مع شعب غانا نفس الدين ولكن أفرادهم لا يتزاوجون أبدا مع الزنوج. لهم بشرة بيضاء ووجوه جميلة. يوجد من هذا العرق رجال في “سالا” ويطلق عليهم “الفامان ”
انطلاقا من هذه الرواية كتب شارل موتي: ” هؤلاء الجنود الذين يعود تاريخهم إلى سنة 739 والقادمين من شمال إفريقيا، والذين ما زال المنحدرون منهم ـ ثلاثة قرون بعد ذلك ـ ’ متميزين عن غيرهم، هم، بالنسبة لنا ممثلو الفروع الرئيسية من أجداد “الفلان” الحمر في غرب السودا “.
لقد عرفت بلاد فوتا من 800 إلى 1285م قيام مملكتي تكرور وفوتا تورو.
إن آخر سلالة ملكية حكمت البلد هي سلالة (Dényankobe) التي يعود تأسيسها إلى منتصف القرن 16 على يد الأمير المحارب البلاري ( Koli Tenguella) وتنقلا’’ لم يكن والد “Koli ” ولكنه فقط المشرف على تربيته ، وهي معلومة لا تقبل الجدل .
في حوليات الفوتا السينغالية يوجد مخطوطان باللغة العربية كتبهما ( Siré Abass-soh) وترجمها ” Maurice Delafosse” وتحدد من أين جاء الأمير اليمني “Koli”: وبعد ذلك جاء كواي إبن ملك ” Manden Soundiata” ابن محمدو ابن كنانة من أصل حميري ، وكانت أمه “Fouta Gay” ، بنت Sigani-Makan “”، فجده كنانة الحميري انطلق من الشرق ووصل بلاد ماندان على رأس، جيش من عشرين الف محارب ”
وانقطعت سلسلة ملوك «دنياكوبي ” على أيدي ثوار الزوايا من التكرور.
غير أن تيرنو سليمان بال، ليس هو من أدخل الإسلام في البلاط الملكي، ولكن أدخله أحد البيضان،” من الشرفاء يدعى عبد الله بن مغفر”.
بنو حسان
بالنسبة لليون فديرب والي السينغال الأول في عهد الاستعمار، “تنقسم الشعوب إلى قسمين: فاتحين ومغلوبين “. وبنو حسان مثلهم في ذلك مثل فلان، قدموا فاتحين.
فبنو حسان هم فعلا تجمع قبلي معقلي من سكان الجزيرة العربية استوطنوا المغرب منذ أن دخل الهلاليون شمال إفريقيا. بعض النسابة مثل ابن خلدون يعتبرهم من عرب اليمن، أما آخرون من أمثال المؤرخ المغربي أحمد خالد الناصري مؤلف ” طلعة المشتري”، فيلحقهم بالسلالة الهاشمية، يعتبر أن حسان الجد الجامع هو ابن المختار بن محمد ابن معقل بن موسى الهراج بن جعفر الأمير بن إبراهيم العربي بن محمد الجواد بن علي الزينبي بن عبد الله بن جعفر الطيار بن أبي طالب.
وفي كلتا الحالتين، فإن عروبة بني حسان مؤكدة. إن موجة الهجرة هذه تعود إلى الموجة الثانية من المحاربين القادمين إلى مصر من الجزيرة العربية. فحركتهم عبر قرون شملت تونس وليبيا والجزائر والمغرب لتتفرع بعد ذلك في بلاد غرب إفريقيا: موريتانيا أزواد، النيجر، اتشاد.
يعود أول وجود للعرب في موريتانيا إلى بداية القرن الرابع عشر مع قدوم أولاد رزك ليلحق بهم بعد ذلك بنو حسان قادمين من الساقية الحمراء، وفي هذا الإطار كتب العقيد مودات:” إن مختلف المؤلفين أمثال ابن خلدون وليون الافريقي ومرمول (القرن الخامس عشر والسادس عشر) أشاروا إلى وجود أولاد دليم، أولاد بربش ولوداية في الجنوب المغربي، وهذه البطون كلها من بني حسان. ( ذوي حسان) من الأسرة المعقلية”. ثم أردف قائلا: ” أخبرنا جون الافريقي أن لوداية يأخذون إتاوة على سكان واد نون و ولاتة وهذا منذ بداية القرن السادس عشر” .
حسب ابن خلدون، في ذلك العهد فان أولاد دليم ما زالوا في المنطقة الشاطئية في جنوب المغرب… ولبرابيش لم يتجاوزوا منطقة سوس في الوقت الذي كان لوداية قد توطنوا منطقة وادان” .
في المغرب، آخر محطة في رحلتهم الطويلة من شبه الجزيرة العربية، يطلق على القبائل المنحدرة من أدي بن حسان لقب لوداية وهو جمع أدي ويضم هذا الجمع من بين فروع أخرى: أرحا، أهل سوس، لمغافرة ولوداية, وكانوا في بداية القرن الثاني عشر يعيشون في مثلث، مالوية – تازة – الريف” .
لوداية، كانوا يمثلون المشتل الذي يتشكل منه الحرس الملكي لسلاطين المغرب فكانوا إذن صناع الملوك. وهكذا فإن السلطان مولاي إسماعيل، وكان مخططا ذكيا، ربط مع المغافرة علاقة استراتيجية بزواجه من الأميرة خناثه بنت بكار من إمارة البراكنة، وهو ما وفر للسلطان قاعدة قوية داخل الجزء الأساسي من جيش لوداية المنتمي لتجمعها القبلي.
تشمل تسمية بني حسان في موريتانيا كل المنحدرين من أدي ولد حسان والى إخوته كذلك دليم وحم كما تُظهر ذلك شجرة النسب التالية:
استطاع بني حسان إقامة إمارات قوية مثل إمارة آدرار، اترارزه، لبراكنة، تعززها زعامات قبلية ممتدة من تيرس الى الحوضين من بينها أولاد امبارك، أولاد داوود، وأولاد الناصر في الحوض وأولاد دليم، في تيرس.
وهكذا استطاعوا بسط سيطرتهم على كافة التراب الموريتاني على امتداد قرون عدة، ولم تتقلص سلطتهم وتضمحل الا مع احتلال فرنسا لبلاد البيضان في بداية القرن العشرين.
صنهاجة
جاء صنهاجة بدورهم من الشمال وحسب ما ورد عن بعض النسابة المغاربة فإنهم ينتمون لحمير.
” وفيما يتعلق بأصولهم، يقدم الأستاذة Maya Shatzmiller من أكاديمية كندا الملكية إحاطة وافية عن مختلف الفرضيات، تنتهي إلى ترجيح القول بأصلهم اليمني.
“ابن الكلبي: ” إن قبائل كتامه وصنهاجة لا ينتمون إلى العنصر البربري: إنهم فروع من أهل اليمن القادمين مع “Ifricos “بن صيف إلى إفريقيا حيث استقروا فيها مع بقية جنوده الذين خلفهم فيها لحماية البلد”.
ابن قرطاذبية ” إن وطن البربرهو فلسطين وكان ملكهم جالوت; لما قتل هذا الأخير من طرف داوود رحمه الله هاجر البربر إلى المغرب.
ابن عبد الحكيم: البربر كانوا في فلسطين، قتل داوود رحمه الله ملكهم جالوت وهاجروا إلى المغرب.”
ابن قتيبة” جالوت المذكور كان يسمى اونور ابن هرمل …. ابن مقهيس الأبتر”.
الطبري : البربر هم خليط من الكنعانيين والعمالقة تفرقوا في البلاد بعد أن قتل جالوت وقد حملهم “Africos” بعد أن احتل المغرب من الشواطئ السورية إلى إفريقيا وأقاموا فيها، وأطلق عليهم تسمية البربر.
ابن حوقل ” ما عدا استثناءات قليلة فإن أغلبية البربر ينحدرون من جالوت. وإن الخبراء في أنسابهم وتاريخهم وتقاليدهم انقرضوا. وقد حصلنا من بقاياهم على المعلومات التي وثقنا”
الصولي وهو ينحدر من البربر ابن قسلولجيم بن مسريم بن شاب.
المسعودي: إنهم بقايا من الغساسنة وقبائل أخرى تفرقوا بعد سيل العرم. وعلى العموم هناك ثلاثة روايات: الأولى وهي الأكثر شيوعا تقول إن البربر من فلسطين طردوا إلى المغرب بعد مقتل جالوت الذي كان ينسب إلى قبيلة مضر العربية.
النسبة الثانية تقول إن البربر من ذرية حام بن نوح، المولود في المغرب بعد نفي الأخير إليه. أما النسبة الثالثة فتمنح بعض قبائل البربر الانتماء إلى حمير في جنوب الجزيرة العربية.
وهناك فرضية أخرى تختلف قليلا عن هذه الروايات وردت في كتاب الأنساب.
إن هذه القبيلة (أي صنهاجة) التي كانت مقيمة في آدرار، مدفوعة من طرف الداعية عبد الله بن ياسين، هي التي أقامت في منتصف القرن التاسع، حركة المرابطين التي أسست إمبراطورية إسلامية عظيمة شملت أوداغست. ويقول روحى لتورنو إن بن ياسين ” يمكن أن يكون لعب دورا حاسما في نشر الإسلام واللغة العربية في تخوم بلاد السود”.
وكان يحيى بن عمر اللمتوني زعيم المرابطين يساعده أخوه أبوبكر، وكان قاضي الحركة هو اليمني الإمام الحضرمي نسبة لحضرموت.
وصنهاجة أيضا هم من أسس في القرن السابع إمبراطورية ” وقادو” المعروفة أكثر باسم إمبراطورية “غانا”. ثم سيطر ” السونينكي”على هذه الإمبراطورية في القرن الثامن والتاسع قبل أن تسقط في أيدي حركة المرابطين.
وتنحدر كونفدرالية إدوعيش التي تأسست سنة 1778 من هذا التجمع الصنهاجي اللمتوني.
إن فرع البيضان هو تجمع منسجم بشريا وثقافيا أصبح يشكل وحدة كاملة، وتم ذلك من خلال” الاندماج بين صنهاجة وحسان” وعزز هذا الامتزاج ” اعتماد لغة تواصل واحدة، هي العربية ومؤسسات اجتماعية مشتركة تشكلت من مساهمات كل العناصر ليتولد عنها شيئا فشيئا النموذج الصحراوي الشنقيطي، رمز الحضارة الصحراوية الإسلامية”.
السوننكي
المنحدرون من “دينقا”; حسب الرواية الشفوية للإثنية، يمنيون (يامانيكي) أو مصريون قدامى (أسونيك) قادمون من (أسوان).
الرواية الأولى: في تأليفهم بعنوان إمبراطورية غانا واقادو وحكايات يريرى وجرمن ديتارلن وجيارا سيلا تُذكِّر بأن “دنقا” الجد الأسطوري ” لسونينكي والملقب كار” (الأب القديم)، مولود في مصر في صونا وهو الاسم الذي يطلقه سونينكي على “أسوان” وهو الذي اشتقت منه تسمية اصوانك التي تطلق على “السونينكي”. في مصر كان دينقا من طبقة النبلاء ومن حراس فرعون. فهذه الرواية إذن تحيل سونينكي إلى أعالي مصر في منطقة أسوان.
وهكذا تكون تسمية سونينكي تعني ساكنة ” سوني”. أما الرواية الشفهية الثانية الواردة على ألسنة الشعراء الأفارقة فتخبرنا بأن رجلا يسمى “يوقو خاسي دينقاي” جد سونينكي قادم من آسيا، ويشير “القيسيرى ” وهم شعراء سونينكي أنه يمني وفي أغانيهم يسمونه “دينقا يامانيكي”، وفي سردهم يذهبون إلى أبعد من ذلك ويرددون “مرحبا بدينقا من الهند! قدوم ميمون لدينقا من اليمن! مرحبا بدينقا من لوتِ”. وتقول الرواية السونينكية أنه من أصل هندي ولكنه ولد في “اسوان” من بلاد مصر وفي هذه المدينة حكم برتبة “مانقا”، وكان من ضباط أحد الفراعنة، بعد إقامة في اليمن وأخرى في مكة قدم الأب القديم “ما مادينقا” إلى “ادجنى” (موقع المدينة القديم يوجد على مسافة كيلو مترين شمال شرق المدينة الحالية). هناك تزوج من إمرأة وعاش معها ستة وعشرين سنة دون أن يرزق أبناء. هل المرأة المذكورة هي “تافي مركوسي”؟ تحول دينقا بعد ذلك إلى ” ديا” وتزوج “السوخلي سولورو” وانجبت له ثلاثة أبناء، تزوج بعد ذلك ثلاث مرات قبل أن يدركه الموت قريبا من بركة “إديوخا”
البــافور
الشعب الأكثر تاريخية وأول من تناوله المؤرخون عندما حاولوا كشف بداية الاستيطان في موريتانيا هو إثنية “البافور” وهي اليوم طي النسيان ولا أحد يتحدث عنها ولا يدعي الانتساب لها، لأنها بعد هزيمتها أمام صنهاجة ذابت في إثنيات البلد وشبه المنطقة الأخرى.
هل البافور من الشعوب الزنجية أم لا؟
تختلف آراء المؤرخين حول هذه القضية ولكن أغلبيتهم يعتبرونهم من البيض. ويقول الأستاذ عبد الودود ولد الشيخ إنهم من لا يدينون بدين الإسلام حسب ما عرف من حكايات الثقافة الشفهية للبيضان. أما بير بونت، فيعتبرهم مسلمين تابعين لمذهب الخوارج وتبنوه قبل أن يهيمن المذهب المالكي السني على كامل الصحراء الغربية.
إثنية الولوف
وأخيرا يأتي دور الحديث عن “الوولوف”، إحدى مكونات سكان موريتانيا، وفي نفس الوقت الإثنية التي تشكل الأغلبية في السنغال المجاور، وتسيطر فيه لغتها وثقافتها. هذه المكونة قد تكون قادمة من حوض النيل ويدعم هذه الفرضية خبير الأنثروبولوجيا الاستاذ الشيخ آنتا جوب .
وهم من أسسوا مملكة “والو” التي أصبحت في النصف الثاني من القرن السادس عشر دولة إقطاعية وتخلصت شيئا فشيئا، من التبعية، لديولوف”.
وأخيرا يجب القول اليوم إن الهجرة في أوجها من الجنوب إلى الشمال وكذلك من الشمال إلى الشمال ومن الجنوب إلى الجنوب. ولم تلتزم إثنية بمقرها بشكل دائم ومطلق. ومحاولة معرفة أقدمية إحداهما بالنسبة للأخرى ما هي إلا رحلة بلا نهاية في منعرجات التاريخ.
من يجهل إذن في هذا السياق أن كريستوف كولومب هو مكتشف “العالم الجديد” في شهر اكتوبر من عام 1492. وجاء هذا الاكتشاف ستة قرون، بعد وجود صنهاجة في آدرار الموريتاني، مع أن صنهاجة ربما كانوا قد حلوا قبل ذلك بكثير، إلا أن المؤرخين لا يتناولون تاريخ موريتانيا، إلا من القرن التاسعٍ. وعلى كل حال فإن صنهاجة عندما احتلوا آدرار لم يجدوا أمامهم سوى “بافور” وبافور فقط، وبكل تأكيد، دون أي أثر لهالبولار، وهو التجمع الذي لم يتشكل إلا بعد ذلك عندما تم الامتزاج بين الفلان والتكرور.
كل هذا يجعلنا نلفت الانتباه إلى مدى ابتذال الحجة القائمة على الانتماء إلى السكان الأصليين.
بقلم الدكتور اعل ولد اصنيبة
موريتانيا: إشكالية التعايش العرقي (قيد النشر) ترجمة الاستاذ: عبد الرحمن سيدي حمود