بيان هام بمناسبة تخليد ذكرى ثورة 23 يوليو المجيدة

في مثل هذا اليوم من كل عام ,تحتفل الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج ,مع أحرار العالم ,بذكرى ثورة الثالث والعشرين من يوليو المجيدة وقائدها الخالد جمال عبد الناصر.

وقد دأب الموريتانيون منذ سنوات عديدة على تخليد هذه الذكرى كل عام ,والقيام بأنشطة واسعة تتخللها محاضرات وندوات تتركز أساسا على إبراز المعاني الكبرى المستخلصة من أهم الثورات في القرن العشرين وتستلهم منها العبر لشحذ الهمم ومواصلة المسيرة من أجل بناء أمة عربية قوية ,قادرة على مواجهة التحديات ,تلك المسيرة التي بدأها الزعيم الخالد وناضل من أجلها ومات في سبيلها.

  الوحدويون الناصريون في موريتانيا ـ وكعادتهم كل عام ـ خلدوا هذه الذكرى على غرار الشعوب العربية ,وأصدروا في أعقاب الفعاليات المخلدة لذكرى ثورة 23 يوليو المجيدة التي نظموها احتفالا واحتفاء بيانا ,جاء فيه :

 بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على نبيه الكريم

الوحدويون الناصريون في موريتانيا

بيان بمناسبة تخليد ذكرى ثورة 23 يوليو المجيدة

نخلد اليوم الذكرى السابعة والستين لثورة 23 يوليو المجيدة التي فجرها القائد المعلم جمال عبد الناصر، والتي كانت استجابة واعية لتحديات التبعية والتخلف والتجزئة التي تعاني منها الأمة العربية والعالمين الإسلامي والإفريقي بفعل عامل الاستعمار الذي ظل يسعى لتكريس الهيمنة السياسية والاقتصادية على أمتنا، وقد شكلت التجربة الناصرية بما بشرت به من قيم الحرية والعدالة الاجتماعية حالة ثورية فريدة أثرت بشكل عميق – وفي الاتجاه الصحيح – على مجمل أوضاع الأمة العربية والعالم الإسلامي والإفريقي، بل والإنسانية جمعاء، حيث كان صدى عبد الناصر مسموعا وبشكل قوي في كافة المحافل الدولية وساحات المواجهة مع الاستعمار والرجعية.

وإذا كانت الثورة الناصرية قد نجحت في تحقيق الكثير من أهدافها في هذا الاتجاه فإن أمتنا تعود من جديد – للأسف – إلى مستنقع الحروب والعصبيات الاثنية والمذهبية بفعل السياسة الاستعمارية الجديدة المعروفة ب(الفوضى الخلاقة) التي أنتجت صيف الوطن العربي الذي أسس لما تعانيه الأمة اليوم من تشظ وارتكاس وترد في الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، واستباحة للثوابت والخيارات الكبرى وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والوحدة العربية.

وقد استخدم الاستعمار الجديد أدوات التدمير الداخلي والصراعات البينية للوصول إلى أهدافه ومنها السعي إلى شرعنة الكيان الصهيوني وتمزيق الأمة عبر مخططات متجددة من تجلياتها صفقة القرن وغيرها، وهذا الواقع المرير ينسحب على قارتنا الإفريقية وعالمنا الإسلامي في سياق نظام عالمي جائر قائم على الغطرسة والإلغاء ومصادرة حقوق الشعوب المستضعفة في كافة أرجاء المعمورة.

أما على المستوى المحلي  فقد استطاع بلدنا بوعي شعبه الإفلات من مخطط الفوضى التي ساد الأمة العربية، بيد أن تحديات أخرى لا زالت تطرح نفسها بإلحاح وتتحتم مواجهتها بشجاعة وصرامة وفي مقدمتها تدني أداء الطبقة السياسية – الذي قاد إلى تنامي الدعوات الفئوية والعرقية وتفشي الانتهازية – ورداءة المنظومة التعليمية وانتشار الأمية وضعف القدرة الشرائية في الأوساط الشعبية، وهي تحديات يمكن مواجهتها من خلال المقاربة الفكرية للتجربة الناصرية عبر تكريس حرية الوطن والمواطن والتوزيع المنصف للثروة، تحقيقا لمبدأ الكفاية في الإنتاج والعدالة في التوزيع، وهو ما يسمح بالتمكين للمواطن من الممارسة الديمقراطية السليمة التي تظل متمنعة في غياب منظومة تعليمية تستجيب لاحتياجات المجتمع الثقافية والاقتصادية، وتعتمد خيار المدرسة العمومية المكتملة الأركان، ويأتي في مقدمة ذلك تدريس كافة مراحل التعليم الابتدائي والثانوي باللغة العربية، وترقية اللغات الوطنية الأخرى، والانفتاح على اللغات الأجنبية بصفتها لغات ثانوية، وتعريب الإدارة، تطبيقا لمقتضيات الدستور، وتقريبا لها من المواطنين، خدمة للتنمية وحفاظا على الهوية العربية الإسلامية الجامعة لشعبنا.

كما يتعين التدخل العاجل لمكافحة الرق بكافة أشكاله وآثاره، واتخاذ خطوات سريعة، تجعله ملفا وطنيا، بعيدا عن أي استغلال سياسي، والقيام بالمزيد من الإجراءات لجَسر الهوة بين أطياف المجتمع وتحسين ظروف  الطبقات الهشة من خلال التركيز على ثنائية التعليم والتشغيل.

إن حماية الثروات الوطنية بشكل عام والمنجمية منها بشكل خاص جديرة بأن تكون في أولويات المرحلة ضمانا لرفاهية الحاضر وحماية لمستقبل الأجيال القادمة.

إن مختلف الاختلالات التي تعاني منها موريتانيا لا يمكن التصدي لها إلا من خلال إشراك أصحاب الرأي في صناعة القرار الوطني وقيادة سفينة البلد.

إن دولة المواطنة التي يتساوى الجميع في الحقوق والواجبات فيها، أصبحت اليوم مطلبا ملحا، ومدخلا لتحقيق الاستقرار ومحفزا للطاقات الكامنة في المجتمع وقواه الحية.

إن الحفاظ على الهوية الحضارية للبلد والتمسك بكل ما يرمز إليها من مرجعيات فكرية وسياسية، ليس قيمة أخلاقية فحسب، وإنما هو ضمانة للصلة التفاعلية بين الماضي والمستقبل، ومن هذا المنطلق يتعين عدم المساس بمكانة رموز التحرر والإنعتاق الوطني والعربي والإفريقي، وفي مقدمتهم القائد الكبير جمال عبد الناصر وذلك بإزالة ما حصل من لبس ناجم عن تغيير اسم شارعه الذي يشكل جزءا من الذاكرة التاريخية لشعبنا وأمتنا.

لقد نجح بلدنا وشعبنا مؤخرا في إنجاز أول تداول سلمي على السلطة بين رئيسين منتخبين، وهو ما يجعل ثقتنا كبيرة في أن عهدا جديدا قد بدأ إيذانا بسيادة الإرادة الشعبية ومن يمثلها ويتناغم معها.

لذلك فإننا مطمئنون إلى أننا نعيش اللحظة التاريخية المناسبة للتطلع إلى تحقيق أثمن المطالب والآمال الوطنية وفي مقدمتها:

1) حماية الحريات العامة والخاصة، في حدود الضوابط المرتبطة باحترام الثوابت الوطنية.

2) حماية الوحدة الوطنية.

3) مواجهة خطاب الكراهية والفئوية والشرائحية والمحاصصة.

4) احتكار التعليم العمومي للمرحلتين الابتدائية والثانوية، بغية خلق انسجام بين مكونات المجموعة الوطنية باعتباره رافعة أساسية للتنمية الشاملة.

5) تعزيز مسؤولية الدولة عن الثروات الناضبة والمتجددة والتحكم في شروط استغلالها.

6) إنهاء المكافأة النفعية في التعاطي السياسي، واعتماد الكفاءة بديلا عن الزبونية.

7) تمهين إدارة مرافق الدولة وإبعادها عن التسييس.

8) ترسيخ مبدأ التناوب السلمي على السلطة.

9) ترسيخ مبدأ الشفافية في التسيير وفي المسابقات والتعيينات، والتعاطي في المجال الاقتصادي.

10) الرفع من مستوى الخطاب السياسي وإخضاعه لنظم وأخلاقيات، تنطلق من قدسية ثوابتنا الحضارية، والتزام الأخلاق في الحياة السياسية.

11) العمل على الوحدة المغاربية والاندماج الاقتصادي في الفضائين العربي والإفريقي وتعزيز دورنا في العالم الإسلامي وبناء علاقات دولية أكثر إنصافا وعدلا. 

12) التأكيد على دعم القضية الفلسطينية والوقوف في وجه المخططات الهادفة إلى تصفيتها وتهويد القدس الشريف وكسر الحصار الجائر على الشعب الفلسطيني.

13) الوقوف ضد تغلغل العدو الصهيوني في المنطقة العربية والقارة الإفريقية والتشديد على استمرار قطع جميع العلاقات معه، وتفادي كل ما يمكن أن يفهم منه تراجع بلدنا عن خياراته التحررية الوطنية والقومية مهما كلف ذلك من ثمن.

14) ـ نبذ الصراع الطائفي والمذهبي داخل العالم العربي والإسلامي باعتباره عامل هدم لصالح قوى الهيمنة والاستعمار ومعيقا للتنمية والتقدم.

إن الوحدويين الناصريين في موريتانيا، يقدمون للرأي العام الوطني في هذا الظرف البالغ الأهمية من تاريخ البلد، مقاربة قائمة على التشارك ونبذ الإقصاء والتهميش، ويعلنون استعدادهم للتعاطي مع مختلف شركاء الوطن من أجل النهوض بالمجتمع على كافة المستويات، ومن أجل تكريس السلم الأهلي، وتعزيز الوئام الوطني، خدمة لراهن ومستقبل أجيالنا.

(وقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) صدق الله العظيم.

الوحدويون الناصريون في موريتانيا                                                          

نواكشوط، بتاريخ 23 يوليو 2019

زر الذهاب إلى الأعلى