قراءة فلسفية لمداخلة الرئيس/ د . حسن حمادة

استمعت جيدًا إلى مداخلة الرئيس على قناة صدى البلد، وأسعدنى ما سمعته من سيادته، فتضاعف إحساسي بالأمل لبضع لحظات، وتبدد شعورى بالخوف، الخوف من أن تسقط مصر العظيمة مرة أخرى فى قبضة الإخوان قياسًا على ما حدث فى أفغانستان، لأن البيئة الحاضنة أخطر ألف مرة من جميع التنظيمات الإرهابية، ولم تزل لدينا البيئة الحاضنة مهيأة لعودة الإرهاب، نعم إن مصر بكل تاريخها وحضارتها ومجدها ليست كأفغانستان الفقيرة حضاريًا وإنسانيًا وتاريخيًا، ولكن أيضًا الإخوان ليسوا بغباء ورعونة طالبان ولديهم المقدرة على التكيف مع الأوضاع المتغيرة.

على أية حال فإن المداخلة التى لم تتجاوز ربع الساعة تضمنت عددًا من الرسائل المهمة، فى مقدمتها أن العقيدة مسألة وراثية، فلم يختر أحد منا ديانته، وإنما هى أمور تخضع للمصادفة البحتة، ومن ثم فليس لأحد فضل فى أنه اعتنق هذه الديانة أو تلك، ولذلك لا ينبغى أن ننظر باستهانة أو ازدراء لديانات وعقائد الآخرين مهما كانت، وعلينا أن نحترم عقائدهم مثلما نحترم عقيدتنا. الأمر الثانى هو دعوة الرئيس لنا كى نفكر، وهى دعوة نبيلة تستدعى فى الذاكرة دعوة إمانويل كانط فيلسوف ألمانيا الكبير الذى كان يعتبر أن التنوير هو استخدام العقل بلا حدود وبلا خوف. الأمر الثالث والأخير هو تأكيد سيادة الرئيس أهمية الوعى بكل صوره السياسية والدينية والاجتماعية والحضارية.

لا شك أن ما قاله الرئيس كان صادمًا لهؤلاء الذين جعلوا من الدين تجارة رابحة، والذين يفرضون وصايتهم المقدسة على المجتمع بحكم قمعهم لحرية التفكير، ومطاردتهم لأى محاولة لممارسة التنوير والتغيير خاصة تغيير وعى المواطن العادى، الذى يستقى جُل ثقافته من المنابر الدينية ومن الفتاوى الغرائبية التى تُبث ليل نهار من المحطات الإذاعية والقنوات الفضائية الرسمية وغير الرسمية.

وبالمثل كانت كلمات الرئيس بمثابة رسالة اطمئنان وأمان للمثقفين والمبدعين الذين أحسوا ربما لأول مرة بأن النظام السياسى فى مصر يفكر معهم بنفس طريقتهم وأسلوبهم، وأنهم منذ الآن لن يكونوا عراة فى مواجهة جحافل الجهل والتطرف والظلام، التى تتربص بهم وتتحين الفرصة لتتصيدهم مثل الجرذان عبر قانون ازدراء الأديان.

وانطلاقًا من مسئوليتى كمثقف أقف فى خندق مواجهة دعاة التكفير والظلامية، وبوصفى مُحبًّا للسيد الرئيس وعاشقًا لتراب هذا البلد العظيم مصر أقول: إن ما قاله سيادته على قناة صدى البلد لا يمكن أن يتحول إلى واقع ملموس إلا من خلال تغيير البيئة الحاضنة للإرهاب والقضاء على الشروط الموضوعية والذاتية التى تعيد إنتاج الفكر المتطرف، التى تعزز قوة التنظيمات الإرهابية. ولا يمكن أن يتحقق لنا ذلك إلا من خلال:-

(*) مراجعة بعض المواد الدستورية وإعادة عرضها على البرلمان تمهيدًا لتغييرها خاصة المادة الثانية والمادة السابعة من الدستور الحالى.

(*) إعادة النظر فى استراتيجية التعليم– بكافة مراحله فى مصر-، لأن مؤسسات التعليم تعانى تدهورًا وانهيارًا نتيجة أن القائمين على إدارة التعليم فى مصر مشغولون طيلة الوقت بتطوير الوسائل والأدوات التعليمية (الكتاب الإلكترونى– التابلت– وسائل التقييم– التعليم عن بُعد… إلخ) لكنهم لم يطوروا أبدًا فى مضمون وأنماط التعليم.

(*) ينبغى إصلاح الأوضاع المادية والإنسانية المتردية للمعلم بدءًا من مرحلة التعليم الابتدائى وحتى التعليم الجامعى، يكفى أن نذكر أن راتب أستاذ الجامعة حاليًا أقل من راتب سائق المترو!

(*) من الضرورى القيام بعمليات تنقية وغربلة ومراجعة دائمة وشاملة للمناهج التى يدرسها طلاب المعاهد الدينية والجامعات الأزهرية، والتى يقدر عدد الدارسين بها بنحو أربعة ملايين طالب وطالبة، على أن يتكفل بهذه المهمة نخبة من المفكرين والمثقفين من كل المؤسسات التعليمية والتربوية والإعلامية.

أخيرًا: أين وزارة الثقافة؟ وماذا قدمت وزارة الثقافة فى مصر طيلة السنوات الماضية؟ ما دورها فى مواجهة الفكر المتطرف والإرهاب؟ هل أسهمت فى بناء الوعى الثقافى والفنى للإنسان؟ ماذا أعدت لمواجهة هذا الوباء الذى أفسد الذائقة الفنية للمصريين والذى يُسمى أغانى المهرجانات؟ إن جزءًا كبيرًا من أزمة الانحطاط الثقافى تتحمل مسئوليته هذه الوزارة التى أضحت مجرد مكاتب يحتلها البيروقراطيون وفلول الإخوان والسلفيون.

آمل أن تكون كلمات الرئيس بداية لعصر فكرى جديد، ومقدمة لخطوات أخرى حاسمة تعيد لمصر مكانتها الحضارية وتضعها على طريق الحرية والعقلانية.

زر الذهاب إلى الأعلى