من المدن القديمة الى مدائن التراث … فماذا تغير ؟
مع بداية العشرية المنصرمة أعلنت الحكومة عن تخليد مهرجان خاص بالمدن الأثرية القديمة وقد ورد في الخطاب الذي ألقاه الرئيس السابق وقتها محمد ولد عبد العزيز : ” لقد خصصت الحكومة نسبة مئوية من ميزانية الدولة ومن موارد الشعب، من عائدات الجمارك، من أجل العمل على تنمية الثقافة في البلد وأول المستفيدين من هذه المخصصات هي المدن التاريخية الأربع، كما من شأن هذه المبالغ الهامة أن يستفيد منها فضلا عن هذه المدن، الشباب من خلال تشجيع الأنشطة الرياضية والمشاريع المدرة للدخل التي سيتم تسييرها على مستوى السكان في جميع المدن.
إن هذا اللقاء التاريخي السنوي سيكون مناسبة للتواصل بين السكان وتعزيز ارتباطهم بهذه المدن كما سيمثل فوق ذلك تلاقيا بين جميع مناطق الوطن من الجنوب إلى الشرق إلى الشمال إلى الغرب.
ويستمد هذا المهرجان أهميته من أصالة هذه المدن وتراثها وأشكر بهذه المناسبة الجميع وأرحب بهم وأهنئهم على إقبالهم من مختلف مناطق الوطن الحبيب وذلك حرصا منهم على المشاركة في هذا الحفل الذي لا يخص مدينة شنقيط وحدها وإنما جميع مقاطعات الوطن الأخرى باعتبار هذه المدينة رمزا لموريتانيا وذلك يمثل الكثير بالنسبة لتاريخ الشعب الموريتاني وهو ما ينطبق على المدن التاريخية الأخرى التي عرفت من خلالها الجمهورية الإسلامية الموريتانية وعلينا جميعا المحافظة عليها وعلى هذا الرصيد الثقافي وهو ما يعنينا.
وأطلب من جميع الموريتانيين، حكومة وموالاة ومعارضة، الاعتناء بهذا التراث لما يعنيه بالنسبة للشعب الموريتاني حاضرا ومستقبلا وعلينا مواصلة ذلك الإشعاع والتعريف ببلدنا من خلاله وبالجهود التي قام بها خدمة للوسطية والاعتدال في الإسلام، بعيدا عن أي شكل من أشكال التطرف والغلو والإرهاب” .
تلكم كانت البداية من شنقيط والشرارة التي ألهبت عواطف الشناقطة وأكدت جدية النظام في إعادة صياغة المشهد التاريخي ومحاولة ترميم أهم حاضناته وتجسيد تكرار حركية سلالاته نحو ماض قررت إرادة أحفاده بعد تجاهله وتجاوزه إعادته الى واجهة الأحداث وعمق الاهتمام وتواصل المهرجان في ثمان نسخ في العشرية كانت مدننا القديمة وقتها تعج بحياة الخلف الشغوف بماض السلف وهو ما اتاح الفرصة للسكان ولسلالاتهم المفتونة بحلم تعزيز روابط التاريخ وعرى الجغرافيا كانت كل نسخ العشرية صاخبة بتحدي معوقات التكامل مملوءة بالآمال تزداد في كل مواسمها ثقة الشعب في تأكيد التزامات الجمهورية كما تؤكد رغبة استفادة السكان من عوائد المهرجان واستفادة الوطن وشعبه من تعزيز التواصل بين السلف والخلف عبر إحياء تاريخ المدن الذي اوشك على الضياع ، وبعد انقضاء ثمان نسخ حافلة بالعمل المحلي في المدن القديمة وبعد ان تغير الفريق الحاكم في مناسبة نادرة في ديمقراطية جمهورية المدن القديمة توقعت مدن الصحراء وطرقها الوعرة ان يفيض عليها من عناوين النظام الحاكم ما يمنحها مزيدا من البقاء القوي والتألق فخاطبها رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني قائلا : ” إن مهرجان المدن القديمة الذي نشرف اليوم على انطلاق نسخته التاسعة يشكل تعبيرا قويا عن تشبثنا بهويتنا الحضارية والثقافية في تنوعها وثرائها الفريد وبقيم ديننا الحنيف التي جمعت شملنا وظلت على مر العصور قوام وحدتنا وحصننا الحصين في وجه مختلف المخاطر.
ويهدف هذا المهرجان بالأساس إلى ترقية التراث العلمي لمدننا القديمة وصون موروثنا الثقافي والمحافظة على طابعها المعماري الفريد وترقية كنوزها التراثية ودعم إنتاجها المحلي وأنشطتها المدرة للدخل بخلق فرص عمل جديدة.
وهو يشكل كذلك عنصرا بارزا ضمن الإستراتيجية التنموية الشاملة التي رسمتها الدولة لمنح هذه المدن مقومات النمو والتطور بفك العزلة عنها وتحديث بناها التحتية وجعلها مناطق سياحية نشطة.
كما يمثل هذا المهرجان في ذات الوقت مناسبة لإحياء تراثنا الفكري وفنوننا الشعبية وتقاليدنا الأصيلة عبر سلسلة من الأنشطة التراثية واللقاءات الفكرية والعلمية.
ونحن مصممون على تحقيق هذه الأهداف وعلى أن لا يتحول المهرجان إلى مجرد احتفالية ينتهي أثرها مع انتهاء فعالياتها، ولذا ستعمل الحكومة على أن تكون نسخ هذا المهرجان مناسبات لتقييم الوضع العام للمدن المحتضنة ولإقرار سلسلة من الإجراءات الهادفة إلى تحسين هذا الوضع والرفع من مستواه .
وفي الختام أعلن على بركة الله افتتاح النسخة التاسعة من مهرجان المدن القديمة في مدينة شنقيط التاريخية، مجددا الشكر للجميع سكانا وضيوفا، متمنيا لهم التوفيق والنجاح”
وبدون بهارات ابتلعت المدن وساكنتها فضل القائد الجديد فهو احد أحفاد قوم ” صالحين ” ربما مرت ركبانهم ذات يوم بأحد أسواقها العامرة ، غير إن الجائحة قضت على نسختها الموالية في سنة 2020 وهو الأمر الذي اتخذ كقرار وقائي دون ان يفكر أصحابه في زفرة تاريخ حارة صعّدها تاريخ كان يتوقع ان تكون إعادة بعثه ضمن اهتمامات الفريق الذي اتخذ القرار بحقنه بمنوم فعال .
ونحن على عتبة النسخة العاشرة المؤجلة نتلمس نتائج الجهد اثر تحديثه الأخير فلا نجد سوى تغيير اسم المناسبة إلى مدائن التراث وكأنهم قرروا جعلها متحفا يفتح في مواسم محددة لتوصد أبوابه بعد الانتهاء من التفرج عليه فما الذي سيحدث بعد نقش اسم على صخرة في صحراء تنفست مؤخرا من شواطئ العاصمة وجميع مدن الوطن وهل لاتزال عائدات الجمارك تصل إلى المدن الأربع القديمة … ؟
محمد / أعليوت