الجهاد والقتال في سبيل الله .. أي تطابق او تخالف بين المفهومين ؟
محمد ناجي كاتب صحفي موريتاني
من المفاهيم الملتبسة التي أدى التباس فهمها، وضبابية الرؤى حولها إلى نتائج عكسية عمليا ونظريا في التطبيقات الواقعية للإسلام، مفهوما الجهاد والقتال في سبيل الله.
وقد قسم أهل الذكر، تقليديا، الجهاد إلى نوعين: جهاد طلب، وجهاد دفع، واشترطوا في كليهما وجود مظلومين مسلمين يجب الانتصار لهم، أو وقوع اعتداء على المسلمين، وأكدوا في الحالين مبدأ عدم إكراه الناس على اعتناق الإسلام.
ويرى مجمع الفقه الإسلامي الدولي في دورته المنعقدة في مارس 2015 في الكويت أن “غاية جهاد الطلب ومقصده تبليغ رسالة الإسلام، دون إكراه للناس على الدخول فيه، لقوله تعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) [البقرة:256]، وقوله سبحانه: (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) [النور:54]، وقوله سبحانه: (إنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ) [الشورى:48]، وفي هذا النوع من الجهاد، وفي ظل الظروف المعاصرة فعلى الدعاة اليوم الإفادة من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي جعلت العالم دارعهدٍ، تسمح فيه الدول بالتنقل وإطلاق الحرية في تبليغ الدعوة واستخدام مختلف الوسائل الحديثة، ووسائل الاتصال المعاصرة للدعوة، وتبليغ رسالة الإسلام بمختلف اللغات وفي مختلف المجتمعات”.
وهو ما يعضده الخطاب القرآني انطلاقا من الآيات الواضحة السابقة.
ويبدو هذا الفهم واضحا في ما سطره الأستاذ علي محمد الشرفاء الحمادي، في كتابه “المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي”، الذي فرق بين مفهومي القتال والجهاد في سبيل الله، حيث استدل من النص القرآني على أن القتال في سبيل الله حق مشروع لكل الناس للدفاع عن النفس وعن الممتلكات وعن الأسرة والأعراض والأوطان، وضد التعدي على حقوق الناس بكل السبل والوسائل التي ترد الاعتداء أو تعيد الحقوق لأصحابها، وهذا التشريع ليس موجها لقوم عن قوم أو لمتبعي ديانة دون أخرى.
واستدل الأستاذ بالآية الكريمة (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) 190 البقرة.
ويشدد الأستاذ الشرفاء على ضرورة احترام ضوابط محددة منها التوقف عن الحرب عند ميل المعتدين إلى طلب السلم (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم) 61 الأنفال.
ويسترسل مؤكدا ضرورة احترام النفس البشرية والابتعاد عن إلحاق الأذى بها دون حق، طبعا للآيات القرآنية الكثيرة التي تؤكد هذا المبدأ الأساسي الثابت في تشريع الله للإنسان منذ فجر الرسالات والنبوءات، انطلاقا من قصة ابني آدم ووصولا لعصرنا الحاضر.
أما المفهوم الثاني، فهو الجهاد، وحيث ما ورد في القرآن فإنه يدل على المجاهدة بالحجة ومقارعتها بالحجة، والآيات شواهد على ذلك، حيث يأمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم، وأمره له أمر لنا جميعا، بمجاهدة الكفار بالقرآن: (فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهاد كبيرا).
الجهاد، حسب رؤية الشرفاء، هو بذل الجهد والطاقة في سبيل تحقيق أوامر الله سبحانه وتطبيقها على أرض الواقع.
والحاصل من مقارنة المفهومين وسبر التقسيمين إجماع المفكرين وأهل العلم على مبادئ إسلامية صميمة منها عدم الاعتداء واحترام النفس البشرية والممتلكات، وترك الحرية للناس في اعتناق الإسلام أو عدم اعتناقه، وهي المبادئ التي تكفل احترامها بدخول الكثيرين في الإسلام عبر التاريخ، فيما تسبب عدم احترامها في خلق خلبطة وتشويه للإسلام لدى الكثيرين من الذين وصلتهم الصورة مغلوطة.