عرض كتاب : الزكاة .. صدقة وقرض حسن
مبدأ التكافل الاجتماعي مبدأ أصيل في الإسلام والمجتمعات الإسلامية ، ومن أهم المبادئ التي نادى بها القرآن الكريم في الكثير من الآيات الكريمة ، وكان الاهتمام بالجانب الاجتماعي وتحقيق التكافل والكرامة من أهم المشروعات الوطنية التي عمل عليها الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ توليه المسئولية في بداية النصف الثاني من عام 2014 ، ولهذا أطلق الرئيس السيسي مشروعات مثل ” تكافل وكرامة وحياة كريمة
ونظرا لتخصيص الدولة المصرية لعام 2022 كعام للمجتمع المدني، ذلك المجتمع الذي يكون عليه من الضرورة تطبيق التكافل الاجتماعي من منطلق مكافحة الفقر، وسد حوائج الناس- فإنه لم يكن أماما في هذا التوقيت إلا أن نتطرق إلى أصل مفهوم التكافل الاجتماعي، الذي يعتبر بند من بنود مفهوم الزكاة
وهنا تأتي قيمة وأهمية كتاب ” الزكاة .. صدقة وقرض حسن ” للمفكر العربي الكبير علي محمد الشرفاء الحمادي الذي يؤكد في هذا الكتاب الرائع على أنه كان للزكاة في ” الخطاب الإلهي” هدفاً محوريًا وهامًا، ألا وهو إرساء قاعدة التكافل الاجتماعي في أقوى صوره .. وكان تعبير الخطاب الإلهي في ذلك بعبارة الإنفاق في سبيل الله
واعتبر المفكر الكبير علي الشرفاء صراحاً في كتابه أن الإنفاق هو نوع من الجهاد. وعليه يُعد سعي الأمة للتكافل فيما بينها جهادًا في الله وسعيًا إلى مرضاته، وفي ذلك يقول الله تعالي في محكم آياته : (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) البقرة : 261
ويوضح المفكر الكبير علي الشرفاء في كتابه ” الزكاة. .. صدقة وقرض حسن ” 5 محاور رئيسية يأتي الالتزام بها في صميم الالتزام بالمبادئ الإلهية التي وردت في القرآن الكريم ، والمحاور الخمس هي
أولا : الزكاة فرض إلهي على أرباح أصحاب الأموال، وهى فرض عين كما قال الله فى كتابه العزيز (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) لذلك تعتبر الزكاة حق معلوم
ثانيا ً : حدد الله سبحانه فى قرآنه العظيم نسبة الحق المعلوم فى الأموال، وهى كما قال الله سبحانه (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) هذه الآية حددت نسبة عشرين فى المائة من الأرباح والغنيمة، تفسر فى اللغة العربية أرباح المال، أو ما أضاف الإنسان إلى أصل ماله ربحًا إضافيًا يستحق عليه دفع الزكاة بالنسبة المذكورة أعلاه
ثالثاً: لقد فرض الله الإنفاق من المال لحساب الزكاة، على أن تخصم من الأرباح، بحيث تُخصم منها العشرون فى المائة، وتبقى ثمانون فى المائة لصاحب المال، وبما أن الله هو الرزاق، وقد استخلف الإنسان على ما رزقه من مال، أمانة عنده لله للصرف على متطلباته، أمر الله الإنسان أن يخصص عشرين فى المائة من أرباحه، ويعتبرها قرضًا لله سيضاعفه لدافع الزكاة أضعافًا مضاعفة، تأكيدًا لقول الله سبحانه (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ۚ وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)( البقرة :٢٤٥)
فهل يستكثر الإنسان على الله قرضًا حسنًا، وهو الذى خلق الإنسان، ومنحه الصحة، ورزقه من المال، وأن يدفع ما عليه من الأرباح الصافية ما نسبته عشرون فى المائة. فهل ينسى كرم الله عليه، ولا يستجيب لأمر الله الذى ترك له أغلبية الربح ثمانين فى المائة، ويتغاضى عن حق الله فيما نسبته عشرون فى المائة؟
ثالثا: للتأكيد على أن الإنفاق لحق الزكاة من الأرباح فقد أمر الله سبحانه مخاطبًا عباده يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ
رابعاً : مدة استحقاق الزكاة، وهي أنه طالما أن استحقاق الزكاة مرتبط بالربح الصافي، فيعني ذلك أن استحقاق الزكاة مرتبط باستلام الأرباح الصافية في أي وقت، وليس مرتبطا بزمن معين حتى لو تحقق للإنسان مكاسب الأرباح كل يوم فعليه أداء استحقاق الزكاة كل يوم وعلى ذلك يتم توفير الحياة الكريمة لكل أفراد المجتمع، وذلك هو العدل الذي أمر الله المسلمين أن يطبقوه حتى تختفي الحاجة من المجتمع ويزول الحقد والحسد بين الناس ليبارك الله لهم فيما رزق ويزيدهم من نعمه وتتنزل عليهم بركاته
وفي نهاية هذا الكتاب الرصين أكد الكاتب علي محمد الشرفاء الحمادي على أنه ” لو التزم المسلمون بتنفيذ شريعة الله في كتابه المبين لم يبق محتاج، ولا فقير، ولا مسكين، ولا مريض يبحث عن الدواء، ولا أسرة تجوع وتبحث عن الغذاء، ولأصبح المجتمع كله يعيش حياة كريمة، ولكن الذين شوهوا شريعة الله، وارتكبوا ذنوبًا، بتأليف شريعة بشرية صاحبها الهوى والطمع والنفس الأمارة بالسوء حرمت أصحاب الحق فى أموال الأغنياء من مال الله؛ ليعينهم على الحياة، دون أن يمدوا أيديهم بالسؤال؛ لذلك قال الله سبحانه (إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ) ذلك هو المعيار الحق للمؤمن والمستيقن بوعد الله بمضاعفة أمواله إذا التزم بحق الله، وهو نسبة العشرين فى المائة من أرباحه، ولا يستكثر على قرضًا حسانًا بالرغم أن الله سبحانه هو المالك لكل شىء، كما قال الله مخاطبًا رسوله الأمين (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)( آل عمران :٢٦)
إن ما ذكرته الآيات المذكورة أعلاه تؤكد حقيقة إلهية لا تقبل الشك بأن الفقراء وأبناء السبيل والمحتاجين وكافة المذكورين في القرآن الحكيم المستحقين للزكاة يصبحون شركاء في مكاسب الأغنياء الصافية بنسبة عشرون في المائة من الأرباح ، فمن صدق الله في إيمانه سيطبق ما أمر الله المسلم في قرآنه.
مفكر وكاتب عربي مشغول بهموم أمته.. لديه رؤية ومشروع استراتيجي لإعادة بناء النظام العربي في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية.. وينفذ مشروع عربي لنشر الفكر التنويري العقلاني وتصحيح المفاهيم المغلوطة عن الإسلام.. الكاتب قدم للمكتبة العربية عدداً من المؤلفات التي تدور في معظمها حول أزمة الخطاب الديني