قراءة في كتاب معاملات البنوك واحكامها الشرعية لفضيلة الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الازهر السابق
قراءة في كتاب معاملات البنوك وأحكامها الشرعية حول حكم الإسلام في أرباح شهادات الاستثمار وودائع صناديق الادخار لفضيلة الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر السابق
في ظل تزايد السؤال حول أحكام المعاملات البنكية، وفي ظل الضرورة لمعرفة هذه الأحكام، قررنا أن نقدم لكم قراءة في كتاب معاملات البنوك وأحكامها الشرعية لشيخ الأزهر الراحل الدكتور محمد سيد طنطاوي (رحمه الله).. آملين قراءته وفهمه بعقول وقلوب مفتوحة، وبصائر لا تريد سوى الحق والحق فقط.
وإليكم نص ما كتبه المؤلف حول هذا الموضوع
تمهيد: من المتفق عليه بين العقلاء أن فهم الأمور فهما سليما يؤدي إلي الحكم الصحيح عليها، لأن معظم الأحكام الخاطئة كثيرا ما يكون مردها إلي الفهم السقيم أو ألي الخلط بين معاني الألفاظ خلطا يلتبس فيه الحق بالباطل.
وتحرير محل النزاع – كما يقول العلماء- يؤدي إلي حسن الاقتناع، وذلك لأن الألفاظ متي تحددت معانيها والقضايا متي وضحت معالمها, سهل الوصول إلي الاتفاق بين المختلفين وظهر الرأي الذي تؤيده الحجة القويمة, وتطمئن إلي صحته العقول السليمة.
وقد ثار الجدل واختلفت الآراء حول المعاملات المصرفية ما هو منها حلال وما هو منها حرام.
وفي ظني أن من أهم الأسباب لذلك : عدم وضوح معاني بعض الألفاظ في الأذهان، وتفسيرها تفسيرا لا تؤيده المعاجم اللغوية ولا المصطلحات الشرعية..
ونريد في هذه الكلمة أن نراجع معاني الألفاظ الآتية من الناحيتين اللغوية والشرعية، ألا وهي الفاظ: القروض – الديون – الودائع – الاستثمار.
لأننا متي فهمنا معانيها فهما سليما كان من اليسير علينا أن نضعها في مواضعها الصحيحة، إذ الألفاظ – كما يقولون – قوالب المعاني.
ويعجبني في هذا المقال قول الدكتور محمد البهي – رحمه الله – : “لم يكن اختلاف الناس في الرأي واختلافهم في تطبيقه إلا وليد الاختلاف في تحديد مفاهيم الأشياء ومدلول الكلمات والمصطلحات، ولم يكن قيام المذاهب الفلسفية والدينية والسياسية ولم تكن التبعية لها والجمود عليها إلا نتيجة الاختلاف في الرأي وفي تطبيقه”.
حكم الإسلام في أرباح شهادات الاستثمار وودائع صناديق الادخار
إنها معاملة لم تكن موجودة في عهد نزول التشريع الإسلامي فتكون من قبيل المسكوت عنه الذي تقدم بيانه في الحقيقة التشريعية الأولي فتأخذ حكم المسكوت عنه وهو: أن الأصل في المنافع: الإباحة, وفي المضار: الحظر فتكون مباحة شرعا لأنها معاملة نافعة لكل من العامل ـ أي المؤسسة ـ وأرباب الأموال، فالعامل يحصل علي ثمره عمله ورب المال يحصل علي ثمره ماله.
وأقوي ما يعترض به علي هذا الوجه هو : أن نصيب رب المال في الربح معلوم القدر ابتداء لأنه مقدر بنسبة مئوية من رأس المال كما تقدم ورأس المال معلوم القد،رفتكون النسبة المضافة إليه معلومة القدر أيضا ، وهذا قد يؤدي إلي ضرر العامل وهي المؤسسة، لاحتمال أن المال قد لا يربح إلا القدر المجعول لربه فيأخذه كاملا، وتضيع علي المؤسسة ثمرة استثمارها فتكون ممنوعة شرعا بمقتضي حكم المسكوت عنه لاشتمالها علي الضرر.
وجوابنا عن هذا الاعتراض أن واقع هذه المعاملة يفيد الظن القوي بل اليقين بأن هذا الاحتمال نادر الوقوع فيها، وأن الكثير الغالب هو حصول المؤسسة علي نصيب وافر من أرباح هذه الأموال، وإنكار هذا الواقع أو التشكيك فيه مكابرة لا يلتفت إليها ـ كما هو مقرر في علم آداب البحث والمناظرة ـ ومعلوم أن الحكم الشرعي إنما ىبني علي الكثير الغالب في حكمه , كما تقرر ذلك في أصول الفقه, ومن هنا اشتهر قول الفقهاء : هذا نادر , والنادر لا حكم له أي بخصوصه. بل حكمه حكم الكثير الغالب, وعلي فرض وقوع هذا الاحتمال فإنه لا يؤدي إلي الضرر الذي عول عليه المعترض, لأن الحكومة ضامنة لهذه الأموال ولأرباحها فلا ضرر ولا ضرار في هذه المعاملة علي كل حال.
والخلاصة: أن هذه المؤسسات بما لديها من خبرة علمية وعملية اعلم بمصلحتها ومصلحة الأمة التي تعمل لخدمتها وتنمية اقتصادها القومي، وأنها ليست في حاجة إلي إشفاق المشفقين عليها مما يلحقها من خسارة لا وجود لها إلا في تصوراتهم وأن الأحكام الشرعية مبنية علي الحقائق لا علي مجرد الظنون كما قال “أبوعمران” (من فقهاء المالكية).
وأما القول بتحريم هذه الأرباح بناء علي أنها فوائد قروض كما في شهادات الاستثمار، أو فوائد ديون كما في ودائع صناديق الادخار فهو قول مبني علي أساس مخالف للواقع وللقواعد المقررة في الفقه وأصوله اما مخالفته للواقع : فلأن هذه الأموال لا تدفع ولا تؤخذ علي أنها قروض أو ديون بالمعني الشرعي لكل منها, وإنما تدفع وتؤخذ علي أنها رؤوس أموال تستثمر في مشروعات تجارية دون نظر من الدافع والأخذ إلي أسمائها وأما مخالفته للقواعد المقررة في الفقة وأصوله: فلأن المقرر فيها أن الحكم الشرعي إنما يتعلق بأفعال العباد باعتبار حقائقها لا باعتبارأسمائها، فالتسمية الأصلية أو الحادثة بحدوث العرف لا دخل لها في تعلقه بها, ثبوتا او انتفاء وهذه القاعدة هي المعبر عنها: بأن العبرة بالمسميات لا بالأسماء .
نتائج البحث
١- أن أخذ الأرباح الحاصلة من شهادات الاستثمار وودائع صناديق الادخار جائز شرعا، سواء جعلنا عملية الاستثمار التي نشأت عنها هذه الأرباح من قبيل المسكوت عنه, أو جعلناها نوعا من القراض أو نظيرا له، وسواء سميت بشهادات الاستثمار أو بودائع صناديق التوفير والادخار، أو سميت بأي اسم تحدثه أنظمة استثمار الأموال لأن العبرة بالمسميات لا بالأسماء كما تقدم بيان ذلك في خاتمة الوجه الأول.
٢- أن تخريج حكم هذه المعاملة علي النحو المتقدم تخريج جار في مبناه ومعناه علي القواعد الفقهية والقواعد الأصولية كما تقدم، فلا يقدح فيه ما ورد عليه من الشبه التي لا تستند إلي أدلة شرعية, ولا تقوم علي أسس علمية صحيحة.
٣- أن القول بأن هذه الأرباح من قبيل الربا قول مبني علي اساس مخالف للواقع وللقواعد المقررة في الفقه وأصوله كما تقدم في خاتمه الوجه الأول.
٤- أن القول بفساد هذه المعاملة ـ بناء علي التمسك بشرط اجتهادي ـ وضع في غير محله الذي وضعها فيه أئمة الفقه إنما هو تعطيل لمصالح الناس وتضييق عليهم في معاملاتهم، وفي ذلك مخالفة صريحة لما انبنت عليه شريعىة الإسلام من رعاية مصالح العباد في تشريعها قال ابن القيم في كتابه “الهدي النبوي” : (الشريعة الإسلامية مبنية علي مصالح العباد وعدم الحجر عليهم فيما لابد لهم منه, ولا تتم مصالح معاشهم إلا به).
وهذا هو ما قرره علماء الأصول في مباحث العلة القياسية.