الثقافة عبدٌ تغافل عنه الحقوقيون/ محمد فال ولد سيدي ميله
كل تعقيدات الحياة تكون لا شيء أمام الصدف. فبجفون نواعس ودلال وتغنج ورقص ماجن أمام بعض المتحكمين في مصائر الزامبيين، أصبحت قطة الملاهي الليلية، “بائعة الهوى” كامبامبا مولانغا، وزيرة للإعلام، سنة 2016، تأمر وهي المتعودة على تلقي الأوامر “من الأعلى”، وتسيّر وهي “المسيَّرة” بطبيعة عملها، وتلقي الخطابات وهي لا تتقن غير فن “الحركة”.
لسنا مخيّرين أمام جبروت الصدف، فبإضافة واو واحدة، قد يصبح زيرُ النساء وزيرا لشؤون شيء مّا من هذه الأباطيل والترهات.. الحياة خضخضة تسفر عن خلطة جديدة يكون فيها التنافر أمرا عاديا، علينا أن نقبل به، ونعوّد أنفسنا عليه، دون أن نطرح أي سؤال.
لقد راجعتْ الوزيرة الزامبية نفسها، واعترفت علنًا بماضيها المقزز المَقيت. وبمعجزة مشهودة، سجلت قفزة هائلة في عملها وحصيلتها وشعبيتها، فأصبحت، بعد خروجها المشرّف من الحكومة، نائبا برلمانيا على قدر كبير من الاحترام.
وعكسا لها، وصل بعض المعتوهين إلى التوزير، هنا وهناك، لكنهم فشلوا في قراءة أنفسهم ورمي روثهم المسلكي والفكري في مزابل “مدينة الرياح”.
لا شك أن بإمكان كل زير أن يصبح وزيرا!!.. يكفيه فقط أن يسرق واو الوزارة في غفلة من غربال الجدارة.
لكن عليه، بعد نزوله المظلي، أن يعترف بمعوقاته ويحسّن من وضعه المعرفي ومن مسلكياته، كي ينسجم مع مستوى مسؤولياته، وعسى محكمة الأحرف الجميلة تتصامم عن سرقة واو بريئة تعوّد عشاق “المصابيح الخامدة” على نشلها قبل كل أربعاءاتنا العفراء.
بعض المحظوظين نجحوا في ذلك بعد أن سطع نجمهم خلسة، بينما تمادى آخرون في معوقاتهم البنيوية إذ عجزوا عن فتح النافذة الخلفية لرمي قاذوراتهم العقلية. يبقى السؤال الأهم: كيف يمكن للمعاق فكريا، الناجح صدفة، أن يتغلب على مكنونات الفشل داخل وجدانه؟..
الجواب يكمن في قدرته على تكنيس غرف عقله.
يقول الشاعر الموريسي عمر تيمول: “الاعتراف بركاكتنا يُعَدّ تمرينا جيدا للقيام بأعمال النظافة الفكرية”، بعبارة أخرى، فإن رمي قماماتنا الفكرية لن يكون ممكنا ما لم نعترف مسبقا بركاكتنا.
وإذا كان هذا الاعتراف الصعب مطلوبا، إلى حد كبير، في الطب والعلوم والرياضة والميكانيكا، فإنه لا غنى عنه البتة في الثقافة، فالركاكة سم قاتل في عالم الثقافة، لذلك يقول الأديب الفرنسي جان دو لا ابريير: “هناك مواضيع تكون فيها الركاكة فظاعة لا تطاق: كالشعر والنثر الخطابي والموسيقى والرسم”: أي الثقافة، ذلك العبد المسكين المخصي والمقصي في بلاد اختلطت فيها تناقضات العرب والبربر والزنج واليهود البافوريين وأهَرْضَنَنْ الأحباش والآزيريين واغْرُمّانْ والإيبيريين فتمخضت عن رضيع، مشوّه الخَلق، ناقص الوزن، اسمه “التخلف الثقافي”.
والحقيقة أن الثقافة كانت، وربما ستظل، لفترة غير قصيرة، أول ضحايا الرق في أرض كان من سوءِ حظها أنها لم تنجب من “الفلاسفة” غير ديلول.
الثقافة، المؤنثة لحكمة كامنة في نعومتها، تعيش فينا عبدًا، ذكَرًا، خشنًا، مستكينا، خانعا، خاضعا، صاغرا، مَهينا، مُهانا، بلا أمل، بلا تعويض، بلا حقوق، بلا لون.. والأدهى من ذلك أنه لم يعرف الإباق قط، ولم يحظ بمنظمات حقوقية تدافع عنه!!.