حكم الله أم حكم الناس!المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي
هل من المنطق والمعقول بعد وفاة الرسول عليه السلام ما زال المسلمون لا يفرقون بين حكم الله وشريعته وبين حكم الإنسان وغريزته، برغم مرور أربعة عشر قرنًا ونيف على بعثة الرسول، بعد نزول القرآن عليه ليبين لهم طريق الحق من طريق الباطل؟
ألم يبين الله سبحانه في آيات القرآن الكريم للرسول عليه السلام حق الله في محاسبة الناس، وحق الرسول في ممارسة صلاحياته في التكليف الإلهي له، في تبليغ آيات القرآن للناس، في قول الله سبحانه: (رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ ۖ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ ۚ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا) (الإسراء: 54).
مهمة الرسول عليه السلام
وهكذا يعلمنا الله ورسوله أن الرسول عليه السلام مهمته مختصرة ومحددة في إبلاغ الناس آيات الله، وشرح مقاصدها وتبيان شرعة الله ومنهاجه، ليتبعهما الإنسان في حياته، ويؤمنه الله يوم الحساب من العذاب، ويمنحه جنات النعيم، والآية المذكورة لا تحتاج إلى تفسير، وهي واضحة في تحديد حق الله في حساب عباده، ومهمة الرسول في تبليغ آياته، ولم يمنح الله رسوله الذي أنطقه الله بلسانه ليذكر الناس بآياته حق حساب الناس في الدنيا، بينما اختص الله وحده سبحانه بحساب الناس، ومساءلتهم بما قدمت أيديهم في الدنيا من خير أو شر يوم القيامة.
وهل يوجد نص في القرآن المبين يخول رسولًا أو نبيًا أو عالمًا أو شيخ دين، بالرغم أنه لم يعين الله وكيلًا عنه في الحياة الدنيا، يراقب تأديتهم للعبادات، ويصدر الأحكام على الناس بالكفر والردة، وينزل بهم القصاص، والله قد حدد مهمة الرسول عليه السلام في التكليف الإلهي له بتبليغ القرآن، في قول الله سبحانه مخاطبًا رسوله الأمين: (رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ ۖ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ ۚ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا) (الإسراء: 54).
هل ما زال المسلمون لا يفرقون بين حكم الله وحكم الناس؟
فإذا كان الله لم يمنح الوكالة له في الأرض للرسول، ولم تكن لديه الصلاحية بالحكم على الناس بالكفر أو الإيمان؛ فمن أعطى من لا يستطيع أن يعرف نفسه عن مصيره يوم القيامة، هل سيكون من أهل الجنة أم سيكون من أهل النار؟
إن أي حكم يصدره الإنسان على آخر بالكفر أو بالردة هو اتهام باطل يقرره من لا صفة له ولا قيمة لاتهاماته الناس في كل ما يختص بعبادة الإنسان مع ربه وأداء شعائرها ذلك أمر مقدس بين الله وعباده، وكل من يضع نفسه في مصادرة حق الله في حكمه على الناس، ويفتري على الله ورسوله سيحاسب يوم القيامة حسابًا عسيرًا، بما أجرم في حق الله باتهام الناس بارتكاب الذنوب والمعاصي، أو إصدار الحكم على الناس الذي اختص به الله وحده.
ثم إنني أتحدى المفترين على الله ورسوله أن يأتوا بنصٍ في القرآن يتحدث عن عذاب القبر؛ فعدل الله المطلق لا يحاسب الناس مرتين أولهما في القبر والثاني يوم الحساب.
لماذا حدث هذا اللغط والخلط بين حكم الله وحكم الناس؟
هو نتيجة لاتباع الناس للروايات وهجر القرآن بالرغم أن الله سبحانه قد حذر الناس لتحصينهم من روايات الشيطان وأتباعه، الذين ضلوا طريق الحق وأضلوا المسلمين في أمره للناس في آيتين في قوله سبحانه: (اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ) (الأعراف: 3) أمر واضح وصريح باتباع كتاب الله فقط حتى لانزل أقدامهم في طريق الباطل.
والآية الثانية أمره سبحانه للمسلمين: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ) (آل عمران: 103).
فلو اعتصم المسلمون بالآيتين أعلاه؛ لأضاء الله لهم طريق الحق وطريق الجنة وحماهم من المضلين أتباع الشياطين، وليتحقق لهم وعد الله يوم القيامة ليصبحوا من المتقين كما قال سبحانه: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) (القمر: 54-55).
روايات الشيطان أبعدت الناس عن القرآن العظيم
فعلى المضلين وأتباع الشياطين أن يتوقفوا عن إصدار أحكام التكفير، واتباع روايات التزوير، لتبعد الناس عن القرآن العظيم، ويستدرجهم الشيطان وأتباعهم إلى الجحيم، ويضيع رصيدهم من الحسنات يوم الدين، وعندها لا ينفع الندم ولا شفيع يخفف الألم، ولا قريب يدفع عنهم النقم، طويت الصحف حين يقف الناس يوم الحساب فرادى، كما قال الله سبحانه: (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ۖ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ ۚ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ) (الأنعام: 94).
وإلى أن يحين يوم الحساب عودوا إلى الله وكتابه، وتوبوا عن ذنوبكم ليغفر لكم يوم القيامة ويسكنكم مع المتقين.