أول إفريقي.. مواقف الأطراف الليبية من المبعوث الأممي الجديد

الموريتاني : في مفارقة لم تكن مستبعدة، رحب رئيس حكومة الوحدة الليبية عبد الحميد الدبيبة، بتعيين السنغالي عبد الله باتيلي، مبعوثا أمميا إلى ليبيا، رغم أنه كان الوحيد الذي عارض تعيينه عندما جرى تداول اسمه في مجلس الأمن الدولي، منتصف الشهر المنصرم.

وقال الدبيبة، في تغريدة له “نرحب بتعيين باتيلي، مبعوثا أمميا جديدا إلى ليبيا. ونؤكد من جانبنا دعمنا الكامل لعمله، وسندفع باتجاه الحل السياسي الشامل، الذي يُعجل بإصدار قاعدة دستورية توافقية، لإجراء الانتخابات”.

وفي 15 أغسطس المنصرم، أعلن مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة رفض حكومة الوحدة تعيين باتيلي، وقال إنه “يجب التشاور معنا بشأن ترشيح الممثل الأممي للتأكد من نجاح عمله كوسيط”.

ولم تخف حكومة الوحدة، تفضيلها تعيين وزير الخارجية الجزائري السابق صبري بوقادوم، الذي اعترضت عليه الإمارات، العضو غير الدائم في مجلس الأمن، وعقيلة صالح، رئيس مجلس النواب في طبرق.

بينما يحظى باتيلي، بدعم كبير من فرنسا، ومن حليفة حفتر، وكذلك من الاتحاد الإفريقي الذي تترأسه السنغال حاليا.

ترجيح حكومة ثالثة

وما يثير قلق الدبيبة، أن يلعب باتيلي، بضغط فرنسي، دورا في ترجيح فكرة تشكيل حكومة ثالثة، بتسهيل اتفاق بين مجلسي النواب والدولة، يُنهي ولاية حكومة الوحدة.

غير أن ترحيب الدبيبة، بتعيين باتيلي، مبعوثا أمميا بعد نحو أسبوعين من الاعتراض، يعكس إما أنه لم يكن له خيار سوى القبول به، أو أنه جرى تقديم تطمينات له بشأن دور المبعوث الأممي الجديد.

فحكومة الوحدة حتى وإن كانت موافقتها على المبعوث الجديد غير ملزمة لمجلس الأمن، إلا أنها ضرورية لنجاح مهمته في الوصول إلى انتخابات شفافة يقبل بنتائجها الجميع.

رغم استبعاد المندوب الفرنسي لدى الأمم المتحدة نيكولاس دي ريفيير، إمكانية أن تشكل معارضة حكومة الوحدة، لباتيلي، “مشكلة” في محاولة إنهاء الأزمة السياسية في ليبيا.

فباتيلي، أصبح أمرا واقعا لذلك سارع الدبيبة ومعه المجلس الرئاسي في الترحيب بدعوته، وكذلك فعل فتحي باشاغا، فيما تريث عقيلة صالح، رئيس مجلس نواب طبرق في إبداء موقفه.

بينما اعتبر النائب زياد دغيم، في تصريح صحفي لموقع محلي، أن “فرض مبعوث دولي رغم اعتراض الدولة المعنية بداية خاطئة لمسار سيتعثر”.

وبطبيعة الحال لن يكلل دور باتيلي بالنجاح إلا إذا كان يحظى بدعم دولي قوي وقبول من الأطراف المتصارعة.

وفي هذا الصدد رحبت عدة دول ومنظمات بتعيين باتيلي، على غرار الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والجزائر وقطر، ما يمثل دعما دبلوماسيا له، في مهمة لم ينجح فيها قبله سبعة مبعوثين آخرين.

والملاحظ في بيانات الترحيب، أن جميعها حددت لباتيلي مهمة رئيسية “إجراء الانتخابات”، ولكن لكل منها وضع شروطا ضمنية.

فالدبيبة مثلا ربط إجراء الانتخابات “بإصدار قاعدة دستورية توافقية”، وهو بذلك يرمي المسؤولية في ملعب مجلسي النواب والدولة.

وباشاغا، ربط “إجراء الانتخابات”، بضرورة “ترسيخ مبدأ التداول السلمي على السلطة”، ملمحا إلى رفض رئيس حكومة الوحدة تسليم السلطة “إلا لحكومة منتخبة”.

بينما شدد المبعوث الأمريكي إلى ليبيا السفير ريتشارد نورلاند، على وجود “حاجة ملحة للأطراف الليبية للعمل مع المبعوث الأممي الجديد، لوضع خارطة طريق واضحة المعالم، لإجراء انتخابات مبكرة”.

وتشكك بعض الأطراف الليبية في إمكانية نجاح السنغالي بيناتلي، فيما فشلت فيه الأمريكية ستيفاني وليامز، مستشار الأمين العام الأممي في ليبيا.

بل ويسود اعتقاد أن تعيين مبعوث إفريقي بأنه مؤشر على تراجع الاهتمام الأممي والدولي بحل الأزمة الليبية.

وتجربة الزيمبابوي ريزدون زينيغا، منسق البعثة الأممية في ليبيا، باهتة ولم تحقق ما يستحق الذكر.

وحتى رئاسة رئيس الكونغو ساسو نغيسو، للجنة الاتحاد الإفريقي بشأن ليبيا، لم تمكن الأفارقة من لعب دور فعال في حل الأزمة الليبية، خارج الإطار البروتوكولي والرسمي.

ويتساءل كثير من الليبيون عبر شبكات التواصل الاجتماعي ماذا يمكن أن يحقق المبعوث الأممي الجديد فيما عجز عنه سبعة مبعوثين ومستشارة أممية.

ويربط عضو مجلس الأعلى للدولة بلقاسم قزيط، في تصريح صحفي، نجاح باتيلي، بحجم “الدعم الذي سيتلقاه من المجتمع الدولي، إضافة إلى الضغط على الأطراف المعرقلة محليا ودوليا”.

أول مبعوث أممي من إفريقيا

يمثل تعيين مبعوث أممي في ليبيا لأول مرة من القارة السمراء انتصارا للاتحاد الإفريقي، الذي خاضت دوله معارك دبلوماسية في أروقة مجلس الأمن والأمم المتحدة لسنوات ضد الولايات المتحدة، التي عارضت باستمرار وإصرار تعيين شخصية إفريقية لهذا المنصب.

لكن العبرة ليست فقط بتعيين إفريقي على رأس البعثة الأممية بقدر ما هو القدرة على امتلاك أوراق الضغط على الأطراف المتصارعة لإقناعها بالجلوس على طاولة المفاوضات وتقديم تنازلات قد تكون قاسية للتوصل إلى حلول واقعية للأزمة الليبية.

وأمسك باتيلي، أخيرا بزمام رئاسة البعثة الأممية التي بقيت شاغرة طيلة تسعة أشهر، حاملا معه 40 عاما من الخبرة السياسية والدبلوماسية، كوزير وبرلماني ومرشح رئاسي، ومبعوث أممي.

وعلاقته بالملف الليبي تعود إلى العام الماضي، عندما أوفده الأمين العام الأممي أنطونيو غوتيريش، على رأس وفد لتقييم أداء البعثة الأممية، وأوصى حينها، بالتخلي عن نظام مبعوث أممي ومعه منسق للبعثة، والعودة للنظام السابق القائم على مبعوث أممي ونائبين.

وكانت الولايات المتحدة أصرت على تقسيم البعثة الأممية بين مبعوث أممي ومنسق للبعثة، لمنع تولي شخصية إفريقية رئاسة البعثة الأممية في ليبيا، على أن تتولى شخصية إفريقية منصب منسق البعثة والتي عادت لزينينغا، من باب ترضية الاتحاد الإفريقي.

وبعد تعيين باتيلي، على رأس البعثة الأممية، فليس من المستبعد إلغاء منصب منسق البعثة، وتعيين نائبين للمبعوث الأممي.

دبلوماسي مخضرم

ليست هذه المرة الأولى الذي يتولى فيها باتيلي، رئاسة بعثة أممية، إذ سبق وأن عينه الأمين العام الأسبق بان كي مون، في 2014، مبعوثا له في وسط إفريقيا.

كما عيُن في نفس الوقت رئيسا لمكتب الأمم المتحدة الإقليمي لجمهورية إفريقيا الوسطى، وترأس في 2015، منتدى بانغي الوطني، الذي نظمته الحكومة الانتقالية، للمصالحة بين مواطنيها.

وسبق وأن جرى تعيينه في 2013، نائبا لرئيس البعثة الأممية في مالي (مينسوما)، والتي تشكلت في نفس العام بعد طرد القوات الفرنسية الجماعات المسلحة التي سيطرت على شمالي البلاد.

لذلك ففرنسا تعرف جيدا من هو باتيلي، الذي يتحدث الفرنسية، وسبق لها وأن تعاملت معه عندما عمل في مالي، لذلك تعد من أكبر المتحمسين لتوليه رئاسة البعثة الأممية في ليبيا.

وعلى الصعيد السياسي، تقلب باتيلي، بين السلطة والمعارضة، فبينما كان وزير للبيئة في عهد عبده ضيوف (1981-2000)، ترشح ضده في رئاسيات 1993، وخسرها، ولكنه فاز بمقعد في البرلمان في نفس العام، ثم في 1998.

ودعم باتيلي، في رئاسيات عام 2000، المرشح المعارض عبد الله واد، والتي فاز بها الأخير، وعينه بعدها وزيرا للطاقة، لكنه دخل المنافسة ضده في رئاسيات 2007، وخسرها للمرة الثانية.

في رئاسيات 2012، فضّل باتيلي، دعم المرشح المعارض ماكي سال، في مواجهة الرئيس واد، الذي خسر الانتخابات، وصعد الأول رئيسا للبلاد.

وعين سال، باتيلي وزيرا للدولة، لكن الأخير لم يترشح ضده هذه المرة في رئاسيات 2019، بعد أن اختار المسار الدبلوماسي في الأمم المتحدة.

والرجل السبيعيني، وفوق أنه سياسي ودبلوماسي، حاصل على الدكتوراه من جامعة برمنغهام ببريطانيا، وله مؤلفات في التاريخ والسياسية، ومع ذلك لم تقنع هذه الخبرة مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة الطاهر سني، الذي برر اعتراض حكومة الوحدة على اختيار باتيلي، برغبتهم في أن يكون المبعوث الأممي “مؤهلًا أكثر”.

وليس المقصود بالتأهيل الدرجات العلمية أو الخبرة السياسية والدبلوماسية، بقدر ما يعني فهم الأزمة الليبية بتعقيداتها المختلفة والقدرة على إيجاد الحلول في ظروف غاية في التعقيد.

زر الذهاب إلى الأعلى