ما بعد عودة الرئيس السابق / مختار زيدان
طالما وصف رئيس الجمهورية آخر انتخابات رئاسية – والتي أوصلته للحكم- ، بأنها انتخابات تجري في ظروف خاصة ومميزة، وحين فسر قصده فسره بأنها تبادل حتمي للسلطة بين رئيسين منتخبين، وحين سئل الرئيس السابق هل سيسلم السلطة لأي فائز من بين المرشحين أجاب إجابة حاسمة أن الديمقراطية ليست لعبة وأن تكلفتها باهظة ولابد أن تكون نتائجها حتمية وحاسمة.
ومهما يكن ما اتفق عليه الرجلان رفيقي الدرب منذ عقود، فإنه كان يبدو واضحا أنهما يعنيان انتقال السلطة بالمعنى الجدي للكلمة من شخص إلى آخر ومن فريق إلى فريق، وهذا ما أكده التوجه الملموس والتعاطي المختلف مع الطيف السياسي خلال فترة المائة يوم الماضية من حكم الرئيس الحالي، رغم ما شابها من تجاذب للنفوذ وافتقار بعض القرارات لروح الفترة الجديدة، ما جعل الأمر يبدو كتأجيل ثقيل في غير محله في نظر مناصري الرئيس غزواني بينما كان يبدو تناقضا صارخا في أعين مناوئيه – أو لنقل مناصريه المكرهين- فلحد الساعة ليس للرئيس الجديد معارضون شرسون ، كما يبدوا فإن جميع الأطراف بما فيها المعارضة الراديكالية راضية عن التعاضي الإيجابي الذي لمسته لدة الرئيس، ولكن المناوئين الحقيقيين هم قادة UPR، الذين يبدو أن عزيز كان يطعمهم من جوعهم ويؤمنهم من خوفهم وهو ما يبدوا أنهم لم يلمسوه لدى الرئيس الجديد.
بعد قدوم الرئيس السابق ولد عبد العزيز ودخوله المشهد السياسي عبر حزب الـ UPR فإن المشهد بات أقرب إلى التوازن المنطقي ، بعض الملفات التي لم يحصل فيها أي تقدم طيلة الفترة الماضية سيكون استمرارها اليوم له معنى أكثر، كملف الإقالات التعسفية التي اشتهرت بها فترة الرئيس السابق ومازال نزيفها متواصلا حتى الساعة، وكملف عنف الشرطة المفرط ضد المتظاهرين من طلاب وحقوقيين، وكملف رجال الأعمال غير المرغوب فيهم ، وكملف الاستبدادي الوزاري بالقرارات وعدم إشراك الفاعلين المحليين في اتخاذ القرار ، وكملف الشفافية في الاكتتاب ، كلها ملفات لاتزال عالقة رغم حساسيتها، وسيكون التحسن الخجول في ملف الصحة والتعليم ، من باب العمل على منطقة غير مضرة بمصالح الحرس القديم، صحيح أن النظام أيا كان توجهه ومهما كانت قوة إرادته الإصلاحية لايملك عصى سحرية للإصلاح، ولكن ترتيب الأولويات أيضا فن يتقنه السياسيون المحنكون، فحتى متى تظل الدولة تسير بأساليب تناقض روح الفترة الحالية المعلنة وتناقض توجهاتها بينما ينعم الساسة الذي يبوءون بإثمها بالترقيات والتزكيات؟
دخول ولد عبد العزيز للمشهد السياسي سيكون محفزا ومسرعا لوتيرة تفاعلات الساحة السياسية، عزيز رجل عرف الساحة السياسية وخبرها فهل أتى كسند لزميله المنتخب ليجمع له شتات الأغلبية المتشظية؟ وهو أمر بالمناسبة يتقنه الرئيس السابق لأنه مستعد لمواجهة أي تمرد وضرب مخالفيه بيد من حديد، بينما يشاع عن الغزواني أنه يكره المواجهة ويحبذ الحلول الودية، مامضى من أيام حكمه المائة يجعل هذا الاحتمال هو الأقرب للواقعية، صحيح أنه ترك بصمة إيجابية في تيار عريض لكنه لم ينئ بنفسه يوما عن حزب الـ UPR فهو الحزب الأكثر تمثيلا في حكومته، ومازال قادته يقيلون ولا يستقيلون ، بينما ظل تقربه من داعميه من خارج UPR خجولا وشكليا.
سياسة إمساك العصى من المنتصف تظل ممكنة مالم يدخل المشهد شخص كالرئيس السابق يحسم الموقف ولا يقيم وزنا لمناوئيه، مما يضعنا أمام احتمال من نوع آخر ، فإن كان ظهور الرئيس السابق بمبادرة منه فإن ظهوره سيربك حسابات الرئيس الحالي ، وسيسعى لحسم الصراعات داخل الأغلبية لصالح فريقه، وهو أمر سيكون غير ذا تأثير في الساحة السياسية، لأن الرئيس السابق كما هو معروف عنه لا يستخدم ماله الشخصي في السياسة وإنما كانت ماكينة السياسة تدار من قبله بالتخويف والتهديد، أما المكافآت فكانت تعيينات في الدولة ومشاريع على حسابها، بالتالي سيكون تأثيره رهنا بموافقة رفيق دربه فبدون تعاونهما لن تصرف المكافآت العزيزية ولن تنفذ العقوبات العزيزية كذلك.
بقي أن نقول إن المفرطين في التفاؤل يأملون أن يبعد عزيز نفسه عن المشهد السياسي لصالح رفيق دربه كي لا يشوش على تسييره للدولة، في نظري أن هذا الاحتمال لم يعد قائما بعد اجتماع البارحة، وبقي احتمال أن يُبعَد عزيز بقدرة قادر عن مشهد كان يؤثر فيه بامتلاك زمام سلطة لم تعد تحت يده، هذا الاحتمال إن تم سيكون هون الأفضل لكلا الطرفين لأنه يجعل عداد الساحة السياسية يرجع للصفر، ويجعل انتقال السلطة حقيقيا وذا معنى، وسيجعل مايطمح له الرئيس الحالي من حماية رفيق دربه من أي مضايقات أو ملاحقات ممكنا، لكنه حين يكون لاعبا في المشهد السياسي ، سيكون من الصعب عدم جره للقضاء -إثر مناوشة قد يحدثها هنا أو هناك- لأنه بدخوله المعترك السياسي ، جعل من نفسه فاعلا من نفس مستوى أي سياسي في البلد ، ولم تعد صفة الرئيس السابق تمنحه تلك الهيبة العرفية التي تصاحبها، لأنه إن صح التعبير جرى العرف أن مايجري في الرئاسة تبقى تبعاته في الرئاسة، لكن لاشك أن هذه القاعدة ليست على إطلاقها، لاسيما أن عزيز نفسه علق العمل بها في حالة الوزير الأول السابق يحيى ولد محمد الواقف مثلا.