أسباب وراء حرق صفحات القرآن في كتابات المفكر علي الشرفاء
شهد أول أيام عيد الأضحى المبارك، إقدام لاجئ عراقي على إحراق صفحات من المصحف الشريف، في أحد أكبر مساجد العاصمة السويدية ستوكهلم وأغقب الحادث الكثير من الإدانات والتظاهرات والاحتجاجات فى عواصم عديدة.
هذه الحوادث التي تقع من حين لآخر، تجد مبررات وذرائع سياسية وثقافية واجتماعية عديدة لتغذيتها؛ بعضها يتعلق بالأنشطة الإرهابية المستندة إلى الروايات المدسوسة على الإسلام وما أنزل الله بها من سلطان، بالإضافة إلى الممارسات الخاطئة التي يقوم بها بعض المسلمين منافية لما تجمله رسالة الإسلام من عدل ورحمة وسلام.
المفكر العربي علي الشرفاء الحمادي يحذر من هجر القرآن
وقد تناول المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي، في كتاباته هذه القضية الهامة وحذر من مغبة هجر كتاب الله تعالى وجعل الروايات والأسرائيليات الدخيلة على الإسلام، مرجعية الأحكام.
يقول المفكر علي الشرفاء في مقال له:
لقد ارتكب المفسرون وأصحاب الروايات وناقليها وشيوخ الضلال أكبر جريمة في تاريخ الإنسانية عندما عملوا على عزل القرآن من حياة الناس على مدى أربعة عشر قرنًا وجعلوهم يتوهون بين روايات مكذوبة وإسرائيليات موضوعة وأساطير مزورة افتروها على رسول الله ونسبوها إليه، وهم يعلمون حق العلم بأن التكليف الإلهي للرسول محدد والمهمة واضحة في قوله سبحانه: «المص (1) كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ (2)» (الأعراف: 1-2).
التكليف الإلهي للرسول
إن التكليف للرسول واضح، والرسالة مُحدَّدة بالتقيُّد بإبلاغ الناس بآيات القرآن الكريم، والالتزام بإيصال الخطاب الإلهي وشرح مقاصده لِما ينفع الناس في الدنيا والآخرة، ويرشدهم إلى اتّباع منهج القرآن الكريم الذي يحقق الأمن والسلام للمجتمعات الإنسانية.
فالله سبحانه قد كلَّف رسولَه بأنْ يبلِّغ عبادَه بخطابه لهم، وأنَّ الرسول لا يمكن بأيّ حالٍ من الأحوال أنْ يتقوّل على الله ما لم يكلّفه به في كتابه الكريم أو يحذف من القرآن آية ما لم يكلّفه الله به من أقوال.
تؤكد الآيات السابقة استحالة أن يضيف الرسول على كلام الله تعالى الذي أنزله عليه في قرآنٍ مجيدٍ أي قول من عنده، يؤكد ذلك قوله سبحانه: (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ) (الحاقة:44-48).
أكاذيب الروايات
تلك الآيات تنسف ما نقله وزوّره أهل الرواياتعلى الرسول عليه السلام ومنسوبة للصحابة من أكاذيب وتحريف أسموها “أحاديث الروايات”، وما حشدوا لها من تسويقٍ وانتشارٍ واسعٍ في بِقاع الأرض في مُجلدات ضخمة مغلَّفة بأشكالٍ تستدرج العقول لمعرفة ما فيها من التوجيه الإسلامي والإرشاد، ليقوموا بعملهم الشائن في تشويه رسالة الإسلام الخالدة، وما ترتب على الروايات والإسرائيليات من تفرُّق المسلمين وتعدُّد مناهج دين الإسلام، وخلق الطوائف والفِرق أدت إلى التناحُر بينهم والصراع وسفْكِ الدماء منذ وفاة الرسول عليه السلام إلى يومنا هذا.
وقد آن الأوان أن يتمَّ إقفال الصفحة السوداء في تاريخ الدعوة الإسلامية، لتعود من جديد بيضاء ناصعة كما أمرَ الله تعالى لها، وكما بلَّغها رسوله عليه السلام في آيات القرآن الكريم.
تصويب الخطاب الإسلامي
تلك الأمانة تتطلب من أصحاب العقول والمُفكريين العمل المخلص والمتجرِّد لـ«تصويب الخطاب الإسلامي»، بعد ما هجره المسلمون وما تراكم على الخطاب الإلهي من كمٍ هائلٍ من الروايات والأقاويل المُفتراة على الرسول، حتى كادت أن تُخفِت نور الرسالة، وحوَّلت تلك الإسرائيليات والروايات المسلمين إلى أدواتٍ يسوقهم دُعاة الفُرقة والتطرُّف إلى صراعٍ دائمٍ يأكل الأخضر واليابس منذ وفاة الرسول عليه السلام إلى اليوم.
فما أحوجنا اليوم لنُعيد للعقل احترامه بما كرَّمنا الله به، تدبُّرًا وتفكُّرًا في كتابه لنستنبط منه حقائق الحياة كما أمرَ رسولَه بأن يبلِّغ الناس بقوله سبحانه:
(قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم ينشيئ النشأة الآخرة ان الله على كل شيئ قدير ) (العنكبوت :20).
دعوة إلهية للناس للتفكُّر في خلقِ الله وكَونه، والتأمُل في جمال صنعته والتدبُّر في حكمته وتوظيف نِعَم الله تعالى في الأرض لمصلحة الإنسان، لتُطوى صفحة سوداء عمرها أربعة عشر قرنًا، لنعود ونستشعر أننا في حضرة الرسول الأكرم يتلو علينا آيات القرآن الكريم، ويُبيّن مقاصده الخيّرة للناس جميعًا، ليتحقق لهم العَيش الآمن والسلام والاستقرار.
نشر كتاب الله قولًا وعملًا
ليقوم الناس بعبادة الله وممارسة الأعمال الصالحة وأداء واجباتهم من صلواتٍ وصيامٍ وحَجٍّ، والإنفاق في سبيل الله والاجتهاد لنشرِ كتاب الله عملًا وقولًا، لكي تنتشر آياته وتشريعاته وعِظاته وأخلاقياته، لتضيء في الكون نورًا وسلامًا ورحمة ووئامًا بين جميع خلق الله.
تلك تُصبح مُهِمَّة المخلصين من المتَّقين المتجرِّدين في خدمة رسالة الإسلام لمصلحة الإنسانية جمعاء، لتصويب الخطاب الإسلامي.
مُهِمِّة عظيمة وليست جلسات ومُداخلات إعلامية واستضافة بعض شيوخ الدين ليُرددوا نفس السموم لتضليل المسلمين في القنوات الفضائية، والذين تسببوا في تغييب عقول كثير من الشباب الذين استجابوا لهم في دعوات القتل والإرهاب والتي تعاني منه كثير من الدول العربية نتائج كارثية.
قتل وكراهية وتحريم ما أحل الله
كثير من المسلمين والسلفيين والمخدوعين والظانين بأنهم مصدقون بأنهم مسلمون يطالبون بتطبيق شرع الله.
وهم يتصورون أن شريعة آلله تحرّض على القتل والكراهية وتدمير المدن وسبي النساء واستحلال أموال الناس واحتلال أراضيهم باسم شريعة الإسلام،
يحرمون ما أحل الله، ويحللون ما حرمه، قلوبهم حاقدة سوداء، وأفواههم تخرج منها السموم، جعلوا أنفسهم وكلاء عن الله في الأرض.
كيف تطبق شريعة الله؟
يراقبون الناس في عقائدهم، ويحكمون عليهم بالردة إذا تخلفوا عن الصلوات، ويقتلونهم عقابًا وتعزيرًا. عينوا أنفسهم قضاة عن الله في الأرض، يتولون الادعاء ويحكمون على المتهم، وينفذون الأحكام كيفما يشاؤون. يظلمون الناس، ويستمدون سلطتهم المطلقة من كتب التراث المسمومة، ويسعون في الأرض فسادًا.
يرتكبون الجرائم ويقطعون أعناق الأبرياء، ماتت لديهم الضمائر وتبلدت عندهم المشاعر، حتى رد السلام على الناس استكثروه، وهم يعلمون أن شرع الله وحكمه في كتابه الكريم قوله سبحانه: «وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا» (النساء : 86).
وإذا كانوا يطالبون بتطبيق شرع الله الذي تضمنته آيات القرآن الذي يدعو للرحمة والعدل والحريّة والإحسان والسلام، وعدم الاعتداء على الناس واحترام حقوق الإنسان في اختيار عقيدته ودينه وملته فلا وصاية عليه من أحد إلا الله، فأين الرحمة في قلوبهم؟!
التعامل بالإحسان مع أصحاب الأديان الأخرى
وأين الإحسان لديهم؟! وكيف يتعاملون مع غيرهم من أتباع الأديان الأخرى؟! وهل اتبعوا أوامر الله سبحانه وحقنوا دماء المسلمين وغير المسلمين؟!
كم من معارك وحروب شنها الخلفاء المسلمون فيما بينهم مثل معركة صفين بين علي بن أبي طالب ومعاوية وبين الخلافتين العباسية والأموية. على مر التاريخ لم يفلح ما سمي بالخلافة أو الحكم الإسلامي- ظلمًا وبهتانًا- في احترام حقوق الإنسان وصيانة حريته وحماية ممتلكاته، وتأمين أرواح الناس. بل كانت تمثل الاستبداد والظلم وارتكاب المعاصي والجرائم وانتشار الفساد بكل أشكاله، واستغلال الإنسان بكل الذل والمهانة التي تتنافى مع الشريعة الإلهية والأخلاق القرآنية.
فرق الضلال يقتلون الأبرياء
ونرى تلك الأمثلة ما زالت حتى اليوم تمارسها داعش والقاعدة وغيرها من فرق الضلال الذين اتخذوا قتل الأبرياء شعارًا إسلاميًا، وتخريب المدن تنفيذًا للأحكام الشرعية التي ألفها أتباع الشيطان، الذين ينشرون البؤس والخراب في كل قطر يحلون فيه.
ولننظر ماذا فعلوا في سوريا، جعلوها أطلالًا مدمرة بعد ما كانت حضارة معمرة؟!
وماذا أجرموا في العراق أرض إبراهيم عليه السلام أرض الحضارة والعلوم؟! وماذا يفعلون في ليبيا غير سفك الدماء وقتل الأبرياء؟!