المفكر العربي على محمد الشرفاء يكتب .. الناسخ والمنسوخ

كثر الجاهلون وتصدى المغيبون لخلق بلبلة خطيرة في العقيدة الإسلامية دون وعي وإدراك بأن القرآن لم ينزله الله سبحانه إلا على رسوله الأمين حيث كلفه ليبلغ الناس بآيات لذكر الحكيم ليهديهم طريق الحق والرحمة والعدل والإحسان، وينشر السلام بين كافة المجتمعات الإنسانية ليحقق لهم حياة كريمة وعيشا آمناً وسعيداً.

وأمر الله رسوله في قوله سبحانه محددً مسؤليته في حمل رسالته للناس كما جاء في الآية القرآنية التالية :

( ياأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً* وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً* وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِّنَ اللَّهِ فَضْلاً كِبِيراً* وَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً} (45ـ48).

وضعت تلك الآيه أعلاه خارطة الطريق للرسول الأمين ليتبعها في دعوته الناس للدخول في الاسلام، وينصح الله رسوله بعدم طاعة الكافرين والمنافقين وتمسك بكتابه المبين ليدخل الناس في دين الله مسلمين آمنين فليس لك أن تشرع من نفسك ولا يحق لك أن تضيف قولاً
على آيات القرآن أو تبلغ الناس ما لم يكن قد كلفتك به في الخطاب الألهي الذي أنزلته عليك، تلك هي المهمة التي ستقوم بتبليغ الناس بها كما يلي ؛
( كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلوا عليكم اياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون ) البقرةً (١٥١).
كما يبلغ الرسول عليه السلام الناس ويبين لهم أن القرآن الذي كلفه الله بإبلاغه للناس يهديهم طريق الحق والصلاح في قوله سبحانه ؛
( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات بأن لهم أجراً كبيرا ) الاسراء(٩).
وقد حذر الله الناس في الذكر الحكيم بأن الله قد خيرهم بين طريقين في الحياة الدنيا كما يلي :
أولهما – ( فمن اتبع هداي فلا يضل ولايشقى )
وثانيهما – ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى ) طه.

ثم يذكر نا الله سبحانه في مشهد من مشاهد يوم القيامة في قوله سبحانه :
( وسيق الذين كفروا الى جهنم زمرا حتى إذا جاؤوا وفتحت ابوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين ) الزمر (٧١).
ثم بعد أن بلغ الرسول عليه السلام الناس بآيات القرآن المجيد وحذرهم من مخالفة أوامر الله وعظاته وبشر الذين إتبعوا آياته بجنات النعيم والسعادة في الدنيا للذين طبقوا شرعة الله ومنهاجه في حياتهم وكانوا من الصالحين
فبأي منطق يحكم الجهلاء برسالة الإسلام على آيات الذكر الحكيم ويفترون على الله بأنه سبحانه نسخ آياته وحل محلها أحكاماً أخرى في آيات القرآن الكريم بعد وفاة رسول الله المكلف بالخطاب الألهي ليبلغ الناس به، وبالرغم من أن الرسول عليه السلام بلغ الناس جميعاً في حجة الوداع بقول الله سبحانه :
( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) [المائدة: 3].
كما يؤكد الله سبحانه على إنما رسالته للناس في قوله سبحانه الذي نطق به الرسول بلسانه ما يلي :
( وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم ) الانعام (١١٥) فكيف تجرأ المجرمون على القرآن الكريم وحكموا على بعض آياته ( بالمنسوخة مرتكبين جريمة شنيعة في حق الله).
فهل يا ترى أنزل الله سبحانه
كناباً آخر غير القرآن على بعض الناس بعد ما شهد الله والرسول بأن الله قد أكمل رسالته وتمت كلمته صدقاً وعدلاً،
فماذا سيكون جزاء المفترون يوم الحساب الذين كفروا بآياته وأعتدوا على أحكامه، ألم يحذرهم الله سبحانه بقوله :
( إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمناً قليلا ً ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ) البقرة (١٧٤).
فإذا كان القضاء في هذا العالم يحاسب من يزور في قرارات ملكية ورئاسية
وأميرية ويحكم عليه بارتكابه جريمة بشعة يحاكم عليها بقانون الجنايات فما بال الناس لايفقهون بأن ذلك من يقوم بجريمة التزوير في عالم الإنسان يعتبر جناية فكيف سيكون حكم الذين يفترون على الله الكذب ويكتمون ما أنزل الله على رسوله الامين من شرعة ومنهاجاً وعبادات وفرائض تحقق للإنسان التواصل الدائم بذكر الله في حياتهم ليتجنبوا ما حرم الله عليهم وما نهاهم عنه ليعيشوا حياة طيبة.
ألم يحن الوقت لمحاكمة كل من يأتي بفتوى من عنده معتمداً على ما قاله السابقون سنداً لفتواه ويستبعد المرجعية الوحيدة للإسلام وهو القرآن الكريم وأن كل قول أو فتوى لا تستند الى كتاب الله وأحكامه فهي في حكم الباطل وسيحاسب الله الذين إفتروا على الله وكذبوا بآياته حساباً عسيراً، وستكون لهم جهنم مصيراً،
وقد انذرهم الله منذ أكثر من أربعة عشر قرناً لنزول القرآن على الرسول عليه السلام في قوله سبحانه ؛
﴿ قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ﴾[ يونس: 69].

ألم يسألهم الله سبحانه بصيغة إستنكارية بقوله ( أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (105) قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107) قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108).
ذلك سيكون جزاءهم يوم لا ينفع مال ولا بنون.

زر الذهاب إلى الأعلى