العبور الثالث.. محمد ناجي أحمدو

حُميهْ وأبو بكر، شابان موريتانيان يمثلان تنوع موريتانيا ويحملان معا شعارها الوطني، الأول ينتمي جغرافيا إلى شمال موريتانيا، ودمويا إلى المكون العربي من أهلها، والثاني تنغرس جذوره في جغرافيا الجنوب الموريتاني، وتجري في عروقه دماء المكون الإفريقي من أهلها، وقف الشابان خلف صعود موريتانيا للكان الثالث على التوالي.
لم تبال جماهير المرابطين درجة الحرارة والرطوبة المرتفعتين، وكان استاد شيخا ولد بيديه لها موعدا لن تُخْلِفه، ولن يُخلفه زملاء المقاتليْن حميه وأبي بكر؛ من أعضاء كتيبة أمير عبدو.
في البداية كانت قدما إسماعيل جاكتي من حجزتا التذكرة الأولى قبل خمس من السنين، وفي قدمي إسماعيل، وكل سمي لإسماعيل بركة و”شركة”، أما انبجس الماء من تحت قدمي إسماعيل، وفاض زمزم يروي واديا غير ذي زرع؟
وكان أبو بكر صاحب الإمضاء الثاني، ولأبي بكر قصة مع المرابطين..
ليتناصف الفتيان حمية وأبو بكر شرف تسجيل هدفي الصعود الثالث.
وخلف هذه البطاقات الثلاث، والحق يقال، فتى آمن بوطنه، وآمن بأنه يمكن أن يصنع له إنجازا.
منذ أن تولى أحمد ولد يحيى رئاسة الاتحادية الوطنية لكرة القدم، وموريتانيا تحقق في مجال الكرة ما لم تحققه من قبل: تأهلان إلى الشان؛ إضافة إلى ثلاث بطاقات عبور إلى الكان.
سيقول البعض، ومنهم من له حسابات مع الرجل، إن له إخفاقاته.. بلى، ولكن له نجاحاته، ونحن نريد من ينجز لنا شيئا، وليخفق بعد ذلك في أشياء أخرى، فتاريخنا الكروي قبل أحمد كان سلسلة من الهزائم والإخفاقات غير المصحوبة بأي نجاح.
رحلة العبور الثالث كانت صعبة، فقد كادت آمال مشجعي المرابطين تتهاوى، لما أنزل الاتحاد الإفريقي العقاب بمنتخبنا، وأنزله من تصدر المجموعة إلى الرتبة قبل الأخيرة، والسبب شكوى من غرمائنا الكونغوليين على خلفية إدخال لاعب يُعرَب تنازعا بين بلاد السنغان وبلاد كّنار، ومنذ فجر التاريخ كانت انتماءات ساكنة المقاطع الحدودية هلامية ومتذبذبة.
الفرح الثالث شاء له الله أن يشوبه حزن على شهداء زلزال المغرب، حيث حملت لوحة المباراة شعارا تضامنيا مع الأشقاء، وكانت قلوب كتيبة المرابطين مع المغرب، وأقدامهم ضد الغابون.
ليس غريبا أن يتعاطف المرابطون مع المغرب في زلزاله، فنموذجهم الذي يحملون اسمه انطلق من هنا إلى هناك وما وراء ذلك، ذات يوم من أيام الله.
من الصدف أن منارة الكتبية في مراكش التي بناها المرابطون الأولون اهتزت قليلا نتيجة زلزلة الحوز، لكنها بقيت ثابتة، كأي معلم تاريخي يهزأ بالعاديات، تزحزح المرابطون الجدد تحت وقع عقوبة الكاف، لكنهم كأي كتيبة عظيمة عادوا وانتصروا.
لم تخرج الجماهير في مسيرات احتفالية، فهناك قرار من وزارة الداخلية بمنع الاحتفالات تضامنا مع الإخوة، وأسلافنا من أهل البادية كانوا يكتمون فرحهم في حضرة حزن الأصدقاء.
عرفان موريتانيا كلها بالإنجاز عبر عنه رئيس الجمهورية عن طريق استقباله للكتيبة الفائزة في القصر الرئاسي لحظات بعد الانتصار.
حاولت أن أكتب، لكنني لا أعتقد أني كتبت ما يرضيني ويرضيكم، عندما نتأهل لكأس العالم، على تقدير السلامة والعافية، سأحاول مرة أخرى أن أكتب..